حريق سنترال رمسيس يتجدّد… من يجيب عن أسئلة المصريين الملحّة؟

حريق سنترال رمسيس يتجدّد… من يجيب عن أسئلة المصريين الملحّة؟

حياة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 11 يوليو 202514 دقيقة للقراءة

مطلع العام 2025، احتفل مسؤولو الحكومة المصرية بنجاح الدولة في حلولها ضمن أفضل 12 دولةً من حيث الأداء على مستوى العالم في مؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2024، وفق الاتحاد الدولي للاتصالات التابع لمنظمة الأمم المتحدة. وما هي إلا بضعة أشهر حتى جاء حريق سنترال رمسيس الذي اندلع الإثنين 7 تموز/ يوليو الجاري، وتجدّد مساء الخميس 10 تموز/ يوليو، مثيراً الفزع في قلوب المصريين، ومسبباً شللاً في الكثير من خدمات التواصل والإنترنت والخدمات الرقمية الأخرى، واضعاً الحكومة المصرية في موقف لا تُحسد عليه.

أسفر الحريق الضخم في مركز اتصالات "سنترال رمسيس" التاريخي، وسط القاهرة، والذي استمرّ لأكثر من 12 ساعةً متصلةً، وسط محاولات حثيثة للسيطرة عليه، عن انقطاع واسع لخدمات الهاتف والإنترنت واضطرابات في حركة الملاحة الجوية، وتعطّل العديد من الخدمات البنكية، مُخلّفاً أربعة قتلى و27 مصاباً، وفق وزارة الصحة المصرية. ونجحت السلطات في إخماد حريق محدود تجدّد مساء الخميس "من آثار الحريق السابق"، وفق وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية.

السنترال، الذي افتتحه الملك فؤاد الأول، لأول مرة في عام 1927، تحت اسم "دار التليفونات الجديدة"، يقع على بُعد خطوات من ميدان التحرير، في قلب العاصمة المصرية، ما يجعله مركزاً لتقاطع الاتصالات الرقمية بين مختلف الشبكات العاملة في السوق المحلي.

حريق سنترال رمسيس

فضلاً عن حالة الذعر والقلق، تسبّب الحريق في خسائر كبيرة لشرائح واسعة من المواطنين، في ظل تعطّل قطاع الاتصالات، وتوقف غالبية الخدمات الإلكترونية والبنكية وأجهزة الصرافات الآلية (ATM) في مختلف المحافظات، واشتكى عدد كبير من المواطنين من توقف الخدمات المالية على تطبيق "إنستا باي" والمحافظ الإلكترونية، وقد بلغت أشدّها في محافظتَي القاهرة والجيزة، مع تباطؤ خدمات الإنترنت والهواتف الأرضية والمحمولة، فيما أوقفت البورصة المصرية التداول لمدة يوم.

قلب قطاع الاتصالات و"عقل مصر"... عن مبنى سنترال رمسيس التاريخي، والحريق الذي عطّل مصالح ملايين المصريين، وسكتت الحكومة عن الردّ على أسئلتهم الضرورية حول البنية التحتية الرقمية في البلاد

هذه الحالة من الجمود، دفعت البعض إلى وصف سنترال رمسيس بأنه "عقل مصر"، كما طرح مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلات عديدةً حول كفاءة البنية التحتية الرقمية في البلاد، والخطط البديلة والتدابير الاحترازية في مثل هذه الحالات.

وفي حين تُشير التحقيقات الأولية إلى أنّ الحريق كان بفعل "ماس كهربائي"، وأدّى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء من المبنى، وتصاعد أعمدة الدخان، قبل أن تتمكّن قوات الحماية المدنية، عبر عشرات سيارات الإطفاء، من محاصرة النيران قبل امتدادها إلى المباني المجاورة، والسيطرة على الحريق بعد ساعات عمل طويلة متصلة، ترك الحادث علامات استفهام كبرى، وحالةً من الغضب الممزوج بالإحباط من سياسات الحكومة الحالية، خاصّةً أنّ الحريق يأتي بعد أيام قليلة من حادثتَي سير أودتا بحياة نحو 28 شخصاً على طريق واحد، وتسببتا في حالة حداد عامّة.

وبحسب خبراء تقنيون تحدثوا إلى رصيف22، فإنّ الحادث يعكس هشاشة البنية التحتية الرقمية في مصر، وخطط الطوارئ والاستجابة السريعة الحكومية للتعامل مع مثل هذه الأزمات. كذلك، بدت الإجراءات الفورية التي كان على وزارة الاتصالات المصرية اتخاذها لتعويض الانقطاع وضمان استعادة الخدمة في أسرع وقت ممكن، غائبةً، فيما لم تقدّم الحكومة إجابات واضحةً للمواطنين، حتى كتابة هذه السطور، عن حدث بمثل هذه الخطورة على البيانات المُتعلقة بالأمن القومي والمواطنين.

توجيهات رئاسية

وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قد كشف عقب جولة على مبنى الحريق، وخلال اجتماع الحكومة الأسبوعي، عن توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتشكيل لجنة متخصّصة للوقوف على أسباب اندلاع حريق سنترال رمسيس، مع التأكيد على أهمية سرعة الانتهاء من مختلف الأعمال والخطوات التي من شأنها أن تضمن عودة مختلف الخدمات المقدمة من خلال مبنى السنترال إلى معدلاتها وجودتها الطبيعية.

وفي حين وجّه السيسي بتشكيل لجنة للوقوف على أسباب الحادث، زعم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري، عمرو طلعت، أنّ خدمة الإنترنت في مصر لم تتأثّر بالحريق، بل ذهب إلى أنّ الأداء تحسّن بشكل ملحوظ في أثناء اشتعال النيران في المبنى، وهو ما قوبل باستياء واسع في الشارع المصري، وتشكيك في وعي مسؤولي الحكومة بحجم الكارثة التي وقعت. إثر ذاك، قالت الوزارة، في بيان، إنه تم اجتزاء تصريحات الوزير واقتطاعها من سياقها وتغيير معناها، مشيرةً إلى أنّ الوزير لفت أمام أعضاء لجنة الاتصالات في مجلس النواب إلى "كفاءة شبكة الإنترنت بعد حريق سنترال رمسيس بالرغم من استقبال الشبكة أحمالاً وكثافات فوق المعتاد".

فشل حكومي ذريع

وفي خضم التفاعل مع الحادث، الذي وصلت تبعاته إلى غالبية محافظات البلاد، تصف عضو لجنة الاتصالات في مجلس النواب المصري، الدكتورة مها عبد الناصر، الحريق بـ"الكارثة والفشل الذريع" للحكومة في التعامل مع البنية التحتية الرقمية في مصر، موضحةً أنه كشف عن عدم وجود أي استعدادات للكوارث والطوارئ، وعدم وجود خطط بديلة من جانب الحكومة ووزارة الاتصالات، متساءلةً: أين خطط الإطفاء وخطط الطوارئ والإخلاء حتى يندلع حريق بهذا الشكل ويستمر لساعات طويلة ويزهق أرواحاً لا ذنب لها؟

وتستبعد عبد الناصر، في حديثها إلى رصيف22، أن يكون الحريق "بِفعل فاعل"، مشيرةً إلى أنه في درجات الحرارة المرتفعة حالياً من الوارد وقوع مثل تلك الحرائق، لكن "من غير المنطقي أن تواصل الحكومة الحديث عن الرقمنة والتحوّل الرقمي، في الوقت الذي لا تزال فيه تعتمد على بنية تحتية هشة بهذا الشكل"، على حد قولها، مشدّدةً على ضرورة تنويع مصادر استضافة الخوادم وتوفير بدائل تعمل بشكل تلقائي "أوتوماتيكي" فور حدوث أي خلل.

"وجدت شخصياً مشكلةً في شحن كارت الكهرباء، ووسائل الدفع الفوري الإلكترونية التي تعاني بشدّة"؛ هكذا تتعجب عضو لجنة الاتصالات في البرلمان، من حجم الضرر الذي خلّفه الحريق على البنية الرقمية في مصر، مؤكدةً ضرورة إنشاء مراكز طوارئ رقمية في مواقع متعددة للتعامل مع الكوارث المستقبلية، وعدم حصرها في مكان واحد.

وتطرح البرلمانية المصرية تساؤلاً آخر يتعلّق بعدم نقل مثل هذه البيانات والأجهزة الحساسة إلى موقع معزول آمن على غرار العاصمة الإدارية، مطالبةً بإجراء تحقيق كامل وشفاف حول ما حدث، مع وضع خطة -من قِبل مُتخصصين- تتضمّن حلولاً حقيقيةً لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، وآليةً للتعامل معها بشكل فوري.

وفي حين تحوّل الحادث والأسئلة الضرورية حوله إلى قضية رأي عام وأمن قومي، وحاز اهتماماً محلياً وإقليمياً واسعين، ظهر بعض الشباب أمام سنترال رمسيس، وهم يحاولون -بشكل تطوّعي على ما يبدو- إصلاح التلف والكابلات والبوردات الجديدة لإعادة الخدمات، مُفترشين الأرض، وهو ما تستنكره البرلمانية عبد الناصر، علماً أن المشهد لاقى استنكاراً وغضباً من غياب آلية حكومية للتعامل مع أزمة بهذا الحجم، وإن أثنى الجميع على حسّ المبادرة لدى المتطوعين الشباب.

كارثة أكبر مترتبة عن غياب الخطط والتدابير الاستباقية يشير إليها حجاج في حديثه إلى رصيف22، تتمثّل في إطفاء حريق سنترال رمسيس بواسطة المياه في وجود هذا العدد الهائل من الأجهزة والوصلات، وهو ما يُعدّ "خطأ كبيراً للغاية"، حيث يزيد ذلك تلف الأجهزة ويطيل عمر الإطفاء وقد يفاقم وضع الحريق ويزيده اشتعالاً

قلب شبكة الاتصالات في مصر

على المستوى التقني، يقول خبير أمن المعلومات ومستشار الهيئة العليا للأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات في مؤسسة "القادة"، وليد حجاج، إنّ سنترال رمسيس أشبه بـ"قلب" شبكة الاتصالات في مصر، حيث تتواجد داخله 40% من أجهزة الربط الخاصة بجميع شبكات الاتصالات العاملة في السوق المصري، لذا كان تأثير الحريق على المنظومة الرقمية "ضخماً للغاية"، خاصّةً بعد فصل التيار الكهربائي عقب اندلاع الحريق لمنع امتداده، ما تسبّب في زيادة تعطّل خدمات الاتصالات والإنترنت التي أُصيبت بالشلل مع تلف جزء كبير من أجهزة الربط، في ظل استمرار الحريق لنحو 12 ساعةً قبل السيطرة عليه.

كارثة أكبر مترتبة عن غياب الخطط والتدابير الاستباقية يشير إليها حجاج في حديثه إلى رصيف22، تتمثّل في عملية إطفاء الحريق في مبنى سنترال رمسيس بواسطة المياه في وجود هذا العدد الهائل من الأجهزة والوصلات، وهو ما يُعدّ "خطأ كبيراً للغاية"، حيث يزيد ذلك تلف الأجهزة ويطيل عمر الإطفاء وقد يفاقم وضع الحريق ويزيده اشتعالاً، فضلاً عن مخاطر الصعق الكهربائي للأشخاص المشاركين في الإطفاء أو الموجودين في المبنى لاحقاً بعد إطفائه.

برأيه، كان لا بدّ من استخدام وسائل مأمونة لإطفاء الحريق بالنظر إلى حساسية المكان وطبيعة الأجهزة الموجودة فيه، بما في ذلك غاز "FM-200" الذي يُستخدم عادةً في إطفاء الحرائق في مراكز البيانات وغرف الأجهزة الحساسة والسيرفرات، ويتم حقنه مسبقاً في تلك الأماكن، ليعمل بشكل "أوتوماتيكي" عند اندلاع الحريق، وتالياً السيطرة على أي حريق بشكل سريع، بالإضافة إلى استخدامه عند وقوع الكارثة من قِبل رجال الإطفاء بدلاً من المياه التي تسببت في تلف أكبر في الأجهزة والمبنى.

عدم جاهزية الشبكات الاحتياطية

كذلك، ينتقد حجاج ما يصفها بـ"عدم الجاهزية الكاملة" في الشبكات الاحتياطية، والتي تسبّبت في تأخّر عودة الخدمات من جديد، بالإضافة إلى عدم إجراء تدريبات على سيناريو مشابه للحريق، وكيفية نقل الخدمات على شبكة احتياطية، فلا بدّ من تنفيذ خطة إخلاء طوارئ ونقل بين الشبكات من حين إلى آخر تحسّباً لأي طارئ وهو ما لم يحدث، على حد قوله.

ويوضح أيضاً أنّ هناك ثلاثة أنواع من الشبكات الاحتياطية تُعرف بـ"مواقع التعافي من الكوارث"، أبرزها يتحوّل بشكل "أوتوماتيكي" ولحظي دون تدخل بشري حال وقوع كارثة، إلا أنه مرتفع التكلفة، منبهاً إلى أنّ مصر تتبع نظاماً يحتاج إلى وقت وتدخّل بشري من أجل تدارك الأزمة والنقل إلى الشبكة الاحتياطية.

ويتساءل حجاج: أين وحدات الإنذار المُبكر كي يندلع حريق في ثلاثة طوابق دون استجابة فورية؟ وكيف لمبنى بهذه الأهمية أن يُترك دون صيانة كافية أو وجود أنظمة إطفاء حديثة؟ مؤكداً أنّ الحادث يجب أن يؤدي إلى تدقيق ومراجعات جوهرية، مع إعادة النظر في أنظمة الحماية الموجودة وطرق التعامل مع مثل هذه المنشآت بالغة الأهمية.

هذه المسألة برّرها وزير الاتصالات المصري، بأنه على الرغم من وجود آليات الإطفاء الذاتي والمحاولات اليدوية للمساعدة، إلا أنّ سرعة انتقال الحريق الذي اندلع في الطابق السابع، من خلال الكابلات، أدّى إلى انتقاله إلى الغرف المجاورة واشتداده، ما تسبّب في عدم السيطرة عليه بواسطة أجهزة الإطفاء الذاتي الموجودة داخل السنترال.

إعادة الانتشار الجغرافي وتوزيع الأحمال

وسط حالة الاندهاش والغضب التي سيطرت على الكثير من المواطنين، يحثّ خبير أمن المعلومات، حجاج، على ضرورة إعادة الانتشار الجغرافي وإعادة توزيع الأحمال على مراكز مختلفة في أماكن متنوعة، مع التحوّل إلى نظام "الحوسبة السُحابية"، التي تعني وضع البيانات على برامج وليس سيرفرات قابلة للتلف حال وقوع أي كارثة، بالإضافة إلى إعادة تغيير نظام الشبكات الحالي التقليدي "wan" إلى أنظمة (SD-WAN)، والتي تعتمد على برامج وليس على أجهزة، ويمكنها نقل البيانات بشكل "أوتوماتيكي" على شبكات احتياطية بشكل فوري، دون الحاجة إلى نقل سيرفرات ضخمة.

وعمّا إذا كانت مصر وحدها تجمع الكثير من مساراتها التقنية والسيبرانية في مكان واحد أو أنّ هذا معتاد في غالبية الدول، يقول حجاج إنّ الدول المتقدمة لا تعتمد على مكان واحد لوضع جزء كبير من بياناتها، ضارباً مثالاً على ذلك دولة سنغافورة، التي تُلزم حكومتها المؤسسات بإنشاء مركز بيانات احتياطي يبعد عن المؤسسة مسافةً لا تقلّ عن 25 كيلومتراً، وإستونيا التي أنشأت نسخةً كاملةً من بياناتها في خوادم تتواجد خارج البلاد، حيث بات ذلك جزءاً من الأمن الاستخباراتي السيبراني.

هل يُخشى من تسرّب بيانات الأمن القومي والمواطنين؟

وشغلت بال كثيرين مخاوف من تسرّب بيانات حساسة سواء خاصة بالدولة أو بالمواطنين. لكن حجاج يؤكد أنّ ذلك غير وارد حيث لا توجد خطورة من تسريب بيانات جرّاء الحريق، موضحاً أنّ سنترال رمسيس يضمّ أجهزة مرور بيانات وربط، فيما البيانات تتواجد في أماكن مؤمَّنة بشكل كامل ولدى الشركات الكبرى بنسخ احتياطية، "لكن الكارثة تتمثّل في تدمير جزء كبير من أجهزة الربط"، يُردف.

تتفق معه الخبيرة في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، رحاب الرحماوي، التي تشير في الوقت ذاته إلى خطورة وقوع مثل تلك الكوارث مستقبلاً، واستغلالها من جانب البعض في تنفيذ عمليات قرصنة في أثناء وقوع الحادث، موضحةً أنّ مصر تستخدم "النموذج المركزي" الشائع في الدول النامية، والقائم على تجميع المسارات التقنية والسيبرانية في مكان واحد، على عكس الدول المتقدمة التي تجنبت هذا الخطر منذ سنوات، بإنشاء بنية رقمية لامركزية وموزّعة جغرافياً.

هشاشة البنية التحتية والرقمية

وتُشدّد الرحماوي، في حديثها إلى رصيف22، على أنّ مبنى سنترال رمسيس غير مُجهّز بأنظمة الإطفاء الآلية، بالإضافة إلى أنّ كثافة الكابلات والأسلاك داخله ووجودها داخل أنابيب ضيقة غير مقاومة للنيران، وعدم وجود خرائط واضحة لمسار الكابلات بما لا يُمكّن فرق الإطفاء من استهداف بؤر النيران والمناطق الأكثر حساسيةً بشكل عاجل، ما ساهم -وفق رأيها- في سرعة انتقال النيران بين الطوابق.

"مشكلات كبرى كشفها حريق سنترال رمسيس، في مقدمتها عدم وجود خطط طوارئ رقمية مُفعّلة، والاعتماد على بنية مركزية مُتقادمة تقوم على الشكل الهرمي الذي يمثله سنترال رمسيس، وعدم اكتمال التحول للأنظمة السحابية المرنة، مع وجود قصور إداري وغياب التنسيق بين الوزارات المختلفة ومؤسسات الاتصالات"، تفيد الرحماوي

وتضيف الخبيرة في الأمن السيبراني أنّ الحريق كشف هشاشة البنية التحتية والرقمية للدولة المصرية، حيث ترتبط الأنظمة الحكومية مع بعضها رقمياً دون حماية كافية، وتفتقر تلك الأنظمة إلى التوزيع السحابي الكافي، ونتيجةً لذلك تأثّرت غالبية المؤسسات الحكومية، كالجمارك والمطارات وأنظمة الدفع الإلكترونية، والتي أثّرت بشكل مباشر على حياة المواطنين، عادّةً أنّ التحوّل الرقمي الحالي في مصر "شكلي وليس فعلياً"، ويحتاج إلى بنية تحتية رقمية حقيقية.

"مشكلات كبرى كشفها الحريق، في مقدمتها عدم وجود خطط طوارئ رقمية مُفعّلة، والاعتماد على بنية مركزية مُتقادمة تقوم على الشكل الهرمي الذي يمثله سنترال رمسيس، وعدم اكتمال التحول للأنظمة السحابية المرنة، مع وجود قصور إداري وغياب التنسيق بين الوزارات المختلفة ومؤسسات الاتصالات"، تفيد الرحماوي معددةً المشكلات التي تعاني منها البيئة الرقمية في مصر، ومؤكدةً وجود مشكلات مالية تتعلّق بتأجيل الإنفاق على الأنظمة الحديثة اللازمة لتحديث مؤسسات رقمية عدة.

ماذا عن المستقبل؟

وعن كيفية تفادي تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً، تقول الرحماوي إنّ على الدولة العمل على تعزيز الأمان الوقائي والتحصين ضد المخاطر، وذلك عبر تركيب أنظمة إنذار وإطفاء ذاتية حديثة، وأنظمة حساسات حرارة ودخان، واعتماد أنظمة الإطفاء بغازات مناسبة وآمنة مع التفتيش الدوري والصيانة الشهرية، للتأكد من سلامة الكابلات والخوادم والموّلدات وتغيير أي مكونات متهالكة أو معرّضة للماس الكهربائي، وتجنّب تشغيل أي مباني مُتقادمة غير مؤهلة لاستضافة مثل تلك الأنظمة الرقمية الضخمة.

وتشير إلى الأهمية البالغة للانتشار الجغرافي والمرونة التشغيلية، وذلك عبر إنشاء مراكز بيانات وسنترالات احتياطية خارج العاصمة، لتجنّب تكرار ما حدث، والمرونة التي تتيح تفعيل أنظمة التحويل التلقائي على الشبكات الاحتياطية، مع حفظ البيانات وخدمات الاتصالات على خوادم سحابية موزّعة، وتكرار تلك البيانات على سيرفرات منفصلة جغرافيّاً، مع إجراء تدريبات محاكاة لمثل تلك الكوارث، والتدريب البشري الكافي للموظفين والمتخصصين.

وتطالب الرحماوي، كذلك، بضرورة إصدار قانون يُلزم الوزارات والشركات ومقدّمي الخدمات بتركيب أنظمة وقائية وسحابة احتياطية، وإنشاء هيئة وطنية للطوارئ الرقمية تتولى الإشراف على المنظومة بشكل كامل، والتنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image