"هكذا نتمتع بالحياة في إسرائيل.. نأكل، نشرب، نذهب إلى الشاطئ، نمارس التزلج على البحر، نشاهد الرياضة ونمارسها".
في فيديو قصير لا يتعدى الـ38 ثانية، وضعت صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، الجمهور العربي في قلب الحياة اليومية بالعاصمة تل أبيب، بينما تظهر التعليقات أسفله تباين مواقف الشباب العربي من المواد المنشورة في الصفحة التي بلغت المليون متابع.
هذه واحدة من الطرائق الدعائية التي يتبعها مديرو الصفحات الرسمية لإسرائيل، الناطقة باللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي. إذ تهدف تلك الصفحات إلى رسم صورة ذهنية إيجابية عن الحياة المثالية التي يحظى بها سكان إسرائيل، من جانب، وكسر الحاجز النفسي مع الجمهور العربي للتعايش مع وضعية إسرائيل في الشرق الأوسط، من جانب آخر.
من أجل هذا، أنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلية صفحات لكبار المسؤولين باللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي، أبرزها "إسرائيل تتكلم بالعربية" وصفحات بعض السفارات في دولنا العربية مثل مصر والأردن.
وتعتمد إسرائيل على وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، منذ تدشينها إذاعة "صوت إسرائيل" التي بدأت عملها بموجب قانون سلطة البث لعام 1965، والذي ينص على أن تعمل الإذاعات باللغة العربية في سبيل خدمة المواطنين العرب فيها، وتعزيز التفاهم والسلام ما بين إسرائيل والشعوب العربية المجاورة. وقد أنشأت عدة فضائيات ومواقع إلكترونية تعمل بالأجندة نفسها.
لكن الصورة التقليدية اختلفت عند إسرائيل كما هو الحال عند الأنظمة العربية، بعد ثورات الربيع العربي، إذ أدركت خطورة مواقع التوصل الاجتماعي وتأثيرها على المجتمع العربي، لذا اتجهت للصفحات والمتحدثين العرب، بهدف كسر الحاجز مع الشباب العربي. وهو ما يوضحه أحمد بلال، الباحث في الشؤون الإسرائيلية.
يقول بلال لرصيف22 إن الكيان الإسرائيلي يستهدف من وراء تلك الصفحات مغازلة فئة الشباب برفاهية الحياة في تل أبيب، وإيهامهم بأنها دولة ديمقراطية عصرية لا مجرد إمبراطورية عسكرية فقط، فضلاً عن إتاحة الفرصة للتواصل مع رؤساء الكيان عبر شبكات التواصل الاجتماعي بدون وسيط، من خلال طبع المنشورات عبر صفحاتهم.
إسرائيل تتكلم بالعربية
أنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذه الصفحة على الفيسبوك كمصدر للمعلومات عن دولة إسرائيل باللغة العربية، وقد انضم إلى الصفحة التي يرجع تاريخ إنشائها إلى أغسطس 2011 حوالى المليون متابع. وهي الصفحة الأكثر انتشاراً ونشاطاً مقارنة بمثيلاتها في إسرائيل، وتعد المصدر الرئيسي لإمدادها بالمعلومات والأفكار الدعائية عن نشاط الحكومة الداخلي والخارجي. كما يمتلك القائمون عليها بعض الحجج التاريخية والجغرافية في تسويق أفكارهم، الأمر الذي يتضح في السجالات الدائرة بينهم وبين الشباب العربي. يتبع الأدمن الصفحة أسلوب مغازلة الجماهير العربية من خلال منشورات وفيديوهات ترصد مدى تطور شكل الحياة في إسرائيل، كما يظهر في فيديو "هكذا نتمتع بالحياة في إسرائيل"، ثم العودة إلى الحصون الدفاعية في الهجوم العربي على سياسات بناء المستوطنات وقضية حل الدولتين التي تطرح من حين لآخر. ففي هذا المنشور يهاجم أحد الشباب سياسات المحتل في القدس الشرقية وتشبيههم بالفرنجة، بينما يشبه الأدمن العرب برعاة الجمال في شبه الجزيرة العربية، معتبرا أنهم يصيغون التاريخ من وجهة نظرهم، في سجال متكرر على هذه الصفحة. فيقول الأدمن رداً ( ننشره بأخطائه) على أحد التعليقات: "الذاكرة تؤكد أننا كنا في هذه البقعة من الأرض، لكنكم كعادتكم تقومون بتعرب التاريخ وكأنه ملكاً لكم، وجودنا على هذه الأرض هو بمثابة عودة الحقوق إلى نصابها". ويظهر منشور آخر عن مفاوضات السلام في باريس الذي ترفضه إسرائيل، بعض التجاوب بين الأدمن والمتابعين الذين ينادون بالسلام وتجنب الخلافات بين الشعبين العربي والإسرائيلي. ويستعين الأدمن في بعض الأوقات بمواقف تاريخية لتأسيس حالة جديدة، مثل اعتمادهم على بعض الأقوال المأثورة للرئيس المصري الراحل أنور السادات، بطل الحرب والسلام، في خطاباته السابقة عن السلام مع إسرائيل في خضم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد 1979، إذ إنه يسعى دائماً لتمرير تلك الرسائل للشباب العربي.أدركت إسرائيل خطورة مواقع التوصل الاجتماعي بعد ثورات الربيع العربي فاتجهت للصفحات والمتحدثين العرببعكس صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، يكتفي مديرو صفحات كبار المسؤولين مثل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأوفير جندلمان، المتحدث الرسمي باسمه، بطبع المنشورات الرسمية فقط للجمهور العربي دون المشاركة معه. لكن هذا لم يمنع الجمهور العربي من التفاعل مع المنشورات أيضاً، فبمجرد وضع تلك المنشورات ستجد التعليقات الرافضة وتحديداً على صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يحظى بكراهية كبيرة من العرب.
أوفير جندلمان
لكن الوضع يختلف نسبياً في صفحة أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي للإعلام العربي، الذي قرر الاشتباك مع الجمهور العربي عن بعد في الفترة الأخيرة، حينما نشرت صفحته إعلان "الموساد" عن حاجته لجاسوسات قبل أسابيع، الأمر الذي أثار موجة من السخرية على صفحات التواصل الاجتماعي، لعدم اعتيادهم انتشار تلك الدعوة. وجاءت التعليقات الساخرة على هذا النحو: " عايزين الجاسوسية خبرة ولا بدون ، والمرتب كام، وفيه وسيلة انتقال لمكان التدريب ولا هنقضيها تكاتك لتل أبيب؟ والجاسوسية للذكور ولا الاناث فقط ومواعيد العمل من كام لكام علشان بابا بيقلق عليا لما بتأخر عن ٤ الفجر". الصفحة يتابعها 122 ألفاً، وتقتصر أيضاً على المنشورات الرسمية، لكنها لم تسلم كذلك من السجالات بشأن القضية الفلسطينية.المنسق
تعد صفحة "المنسق" لأنشطة الحكومة في الأراض الفلسطينية الميجر جنرال يواف مردخاي، من الصفحات الأكثر شهرة أيضاً، لكنها باتت معروفة بأنها ذات طابع خدمي أكثر مما هو سياسي. فالصفحة التي أنشأت في 28 مارس 2016 يتابعها نحو 114 ألف عربي، هدفها الرئيسي متابعة الإجراءات الخدماتية والمدنية التي تقدم للمواطن الفلسطيني، والتعاون بين جيش الدفاع وقوات الأمن ذات الارتباط المباشر بالفلسطينيين في يهودا السامرة وقطاع غزة. لكن الأدمن "المنسق" لا يدخر جهداً في الرد على التعليقات والاستفسارات التي تأتيه، مع تعظيم الدور الذي تقدمه جهته للعرب القاطنين بتلك المناطق من خدمات.إسرائيل في مصر
أنشأت إسرائيل صفحات عربية لبعض سفاراتها في البلدان العربية. "إسرائيل في مصر" أحدها، وهي صفحة فيسبوك مكرسة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والنمو الاقتصادي والصداقة بين الدولتين. هكذا تعرف الصفحة التي يبلغ عدد متابعيها نحو 142 ألفاً، نفسها. وتهتم بنشر الأخبار الرسمية الصادرة عن حكومتهم، وبعض أنشطة السياح الإسرائيليين في مصر، فيما يتبع القائمون عليها منهجية الترويج للتعايش السلمي بين العرب وإسرائيل، دون المشاركة في السجالات الدائرة بين السطور والتعليقات. يستخدم الأدمن هنا لفظ "الحياة المشتركة بين اليهود والعرب"، متجاهلاً الخلافات التاريخية بين الشعبين، وهو ما يلقى تأييداً من بعض العرب المتابعين على الصفحة، وهجوماً فى أخرى.إسرائيل في الأردن
تحمل الصفحة التي يتابعها نحو 58 ألفاً، التوصيف نفسه في صفحة السفارة الإسرائيلية في مصر، لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والنمو الاقتصادي والصداقة بين الدولتين. كما أنها تكتفي بالمنشورات الرسمية وبعض الأنشطة في القاهرة وعمان، مثل وفود السياحة الإسرائيلية في الدولتين.أفيخاي أدرعي.. رجل إسرائيل الأول على الفيسبوك
رغم قدرة تلك الصفحات على التأثير وإحداث الجدل بين الشباب العربي على صفحات التواصل الاجتماعي خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن صفحة أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي، تبقى شاهدة على مدى قدرة الكيان على مغازلة الجمهور العربي. يتابع نحو مليون عربي الحساب الرسمي لأفيخاي بسبب التعبيرات العربية التي يستخدمها في التواصل مع الجمهور، لكن هذا أيضاً يتم دون المشاركة في التعليقات التي تهاجم سياسات إسرائيل. يستغل أفيخاي حالة التفاعل مع المشتركين العرب على حساباته بشبكات التواصل الاجتماعي، سواء فيسبوك أو تويتر، فتجده يهنئ المسلمين بالأعياد، والدعاء لهم بتقبل الصلاة في منشورات "جمعة مباركة"، كما ينشر صوراً له من أماكن مختلفة في الأراضي المحتلة، معظمها تتلقى تعليقات ساخرة من الجمهور العربي. وكتب أفيخاي منشوراً آخر يبرز تطور الدبابات الإسرائيلية، معلقاً عليها :"هذه الصورة نرى إحدى الدبابات تطلق الدّخان بهدف التّخفّي وإكمال المهمّة بنجاح"، ليعلق أحد متابعي الصفحة قائلاً:" عارفينها طبعا دي الميركاڤا أو عربة الرب، قريت عنها كتير بعد ما شوفت اللي عمله فيها حزب الله في 2006 كانوا بيصطادوها". يوضح أحمد بلال أن مديري صفحات إسرائيل على فيسبوك يخضعون لتدريبات على مستوى عال، كما أنهم يملكون كتائب إلكترونية تسبح في الفضاء الإلكتروني، حيث يوجد قسم خاص باللغة العربية يوظف خطابهم في إذابة الجليد بين العرب واليهود، وتعزيز رسالة أن الجيش الإسرائيلي هو الأقوى في المنطقة، وأنه الجيش الذي لا يقهر. يؤكد بلال، الذي يدير صفحة "عين على العدو"، التي ترصد التحولات في المجتمع الإسرائيلي ورسائله الإعلامية، أن تلك الصفحات تؤثر بشكل كبير في الشباب العربي، كما أنه يلاحظ أن " النفس العروبي" لم يعد بنفس القوة السابقة في التفاعل مع المنشورات الإسرائيلية. وتابع: "أهدف من خلال صفحتي كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل، لا هي أعظم ولا هي أضعف، لكن من خلال تسليط الضوء على عناصر قوته". نشطت صفحة " عين على العدو" بالتزامن مع ثورات الربيع العربي، ومع إخفاق بعض الدول بدأ يشعر بلال بالإحباط من الدور الذي كرّس له وقتاً كبيراً من جهده البحثي، يقول: " الناس بدأت تنشر معلومات أفيخاي ولا ينشرون المعلومات الصحيحة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com