في السياق الأعم، عربياً وعالمياً، حُشر اللاجئ السوري في خانة المجرم أو الضحيّة. أصبح إما مغتصباً/ سارقاً/ قاتلاً في بلد احتضنه، أو جثة على شاطئ بلد قصده. لم يعد تغيير الصورة النمطية التي عمّت ممكناً بسهولة، حتى لو أكدت بيانات الشرطة أن معدلات الجريمة سببها الأكبر هو سكان البلد أنفسهم.
وسط هذه الثنائية الحادة (مجرم/ ضحيّة) في مقاربة صورة السوري، والتي أصبحت مكرّرة مع الوقت حتى فقدت قدرتها على الجذب إعلامياً، ظهرت مقاربة ثالثة تحولت وصفة سحريّة للمواقع التي تنشد نسب قراءات مرتفعة، عنوانها: "اللاجئ السوري الجيّد".
يُفسّر البعض التركيز على جنسية الفاعل في هذه الأخبار، في محاولة تحسين صورة اللاجئ السوري التي تضرّرت خلال الحرب. لكن هذا الشكل في نشر الخبر الذي يبرز وجود اللاجئ السوري فيه أكثر من الفعل نفسه، وضعت هذه القصص (وأبطالها) في خانة الاستثناء لا القاعدة.
السوري إيجابي "بالصدفة"
لا تفوّتوا صور الشاب السوري، اللاجئ طبعاً، الذي أعاد مبلغاً خيالياً من المال إلى الشرطة بعدما وجده في خزانة قديمة، وصور السوري الذي أنقذ غريقاً، وذاك الذي أطعم مسكيناً. الفنان العالمي ريكي مارتن يطلب يد سوري للزواج، ولا تنسوا السوري الذي شارك في أفلام إباحية، أو اللاجئ السوري الذي ساعد عروساً كندية لتُنهي حفل زواجها على خير. هي بعض من العناوين التي شغلت الإعلام الغربي والعربي في مناسبات عدة، وهنا تفاصيل عدد منها.1
في يوم زفافها، فوجئت عروس كندية بتمزّق سحاب فستان العرس الأبيض قبل بدء الاحتفال بوقت قصير. عند سؤال عائلتها أحد الجيران عن عدّة لإصلاح السحاب، أخبرهم أنه يستضيف عائلة سورية والأب فيها كان خياطاً في حلب قبل اللجوء. وبعد استخدام "غوغل" للترجمة، تمكن الخياط من فهم ماذا تريد العروس، وأصلح الفستان لـ"ينقذ العروس" ويسمح لها ببدء الاحتفال في الوقت المحدّد. حظي الخبر بتغطية إعلامية واسعة في الصحف الأميركية والبريطانية وتناقلته المواقع العربية التي أثنت على دور هذا الخياط الحلبي.2
عثر لاجئ سوري في مدينة ميندن الألمانيّة على 150 ألف يورو، توزعت بين 50 ألف يورو نقداً بالإضافة إلى دفاتر ادخار برصيد يبلغ 100 ألف يورو، وذلك في رفّ سري داخل خزانة كانت قد تبرعت بها إحدى الجمعيات الخيرية. سريعاً، أبلغ الشاب الشرطة التي أثنت على أمانة اللاجئ. وتناقلت الصحف الحادثة، وركزت على تصريحات الشرطة التي قالت: "قام هذا الشاب بتصرف مثالي وهو يستحق جائزة من الأموال التي وجدها".تعاطي الإعلام الاستغلالي مع قصص بعض اللاجئين تظهرهم ككائنات فضائية هبطت عليها القيم الإنسانية بشكل مفاجئ
3
في تسجيل مصوّر انتشر على يوتيوب، ظهر لاجئ سوري يحاول إنقاذ رجل هولندي غرق في أحد الأنهار في بلاده. نجح الشاب في مسعاه وانتشل الرجل، لتصفه وسائل الإعلام لاحقاً بـ"البطل العالمي". وبحسب المواقع، قال اللاجئ لصحيفة محلية "أنا مدين لهولندا التي استقبلتني بكل شيء، وهذا أقل ما يمكنني فعله لرد الجميل لهذا البلد وأهله".4
بعد استضافة الفنان العالمي ريكي مارتن على أحد البرامج التلفزيونية، وإعلان خبر خطبته، بدأ المتابعون البحث عن هوية هذا الشخص. كان يكفي وجود جذور سورية للشاب حتى انشغل الإعلام بها، وبات تعريف الفنان السويدي - السوري جوان يوسف مختصراً بكلمة "الخطيب السوري". لهذه القصة سياقات عديدة تفسّر استخدام الإعلام العربي تحديداً لكلمة "الخطيب السوري" بحثاً عن أعلى نسب متابعة، فالسوري المثلي وخطيب الفنان العالمي يعدّ خليطاً مثالياً لصنع "خبر ضارب".5
قصة أنطونيو سليمان، ممثل البورنو السوري، تشبه في بعض جوانب تغطيتها قصة خوان يوسف. الاثنان كسرا التابوهات، والاثنان يخالفان الصورة النمطية التي رسمها الإعلام للسوريّ، وبالتالي يشكلان عامل جذب إخباري. هكذا انتشرت قصة أنطونيو سليمان وركّز المتابعون لأفلامه وتصريحاته على استخدامه اللجوء في عمله. في أحد أفلامه التي حمل عنوان "لاجئ سوري يمارس الجنس مع فتاة مثيرة"، أثار سليمان الجدل لتشويهه صورة اللاجئين خصوصاً، والسوريين عموماً. تختلف ظروف كل قصة عن الأخرى، وفي العديد منها ما يستحق من قام بهذه الأفعال الشكر والتهنئة. لكن الأمر ليس في القصة نفسها، وإنما في الطريقة التي يحتفي بها الإعلام بالسوري الذي أقدم على فعل إيجابي. هكذا يترافق وجود السوري في الفعل، الذي قد يُعتبر عادياً في سياق آخر، باحتفاليّة تُظهر الفاعل ككائن أسطوري أو فضائي هبطت عليه القيم الإنسانية بشكل مفاجئ. وهذا ما يصبّ مرة أخرى في إطار تثبيت النظرة النمطيّة التي تلاحق شعباً بأكمله بات يُختصر بمجرم أو ضحيّة. أما فعل الخير لديه فتحوّل صدفة لا فطرة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...