ألمانيا ليست الحلم الموعود للكثير من اللّاجئين المثليين
الجمعة 4 نوفمبر 201608:48 م
تنص المادة الثانية من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية على أن "كل فرد له الحق في الحياة، وفي سلامة شخصه، ولا يجوز انتهاك حرية الفرد ولا يسمح بالتدخل في هذه الحقوق إلا بناءً على القانون".
هكذا اعتقد اللاجئون العرب المثليون، الذين أتوا من سوريا والعراق وغيرهما من دول المنطقة. سلموا أمرهم لله أيضاً، كغيرهم، وآمنوا بالتغيير الإيجابي الذي يمكن أن يطرأ على حياتهم، بعدما تابعوا عبر الوسائل الإعلامية الأجنبية أوضاع اللاجئين الملأى بالأمل والتفاؤل.
رحلات العذاب
بعدما كانوا يعيشون الخوف والتهميش والتردد في ممارسة حياتهم بعلنية في بلدانهم الأم، خوفاً من رفض المجتمع لهم والتهديد بالقتل، الذي كان يتعرّض بعضهم له، أصبحوا اليوم في بلد يؤمن حقهم بالحياة بكرامة. لكن شاءت الظروف أن تجري الأحداث بعيداً عن المتوقع، وعكس ما يتردد وما هو معلن، لتظهر معاناة مستمرة وعدم استقرار وصل بأحدهم لدرجة أنه حاول وضع حدّ لحياته. ومع رفض عدد كبير من الأشخاص، الذين تم الاتصال بهم مشاركة قصصهم، التي كانت لتصبح شهادات عن حياة أفضل في ألمانيا يعيشها الكثيرون اليوم، وبعد عدم التعاون الذي أبدته إحدى الجمعيات الأساسية في برلين، والتي تهتم باللاجئين المثليين في المساعدة على نقل صورة عامة لواقعهم اليوم، كان جورج، الوحيد المستعد لمشاركة قصته. فجورج، وهو ليس اسمه الحقيقي، لاجئ مثلي من سوريا في العقد الثالث من العمر، وصل إلى المانيا منذ نحو سنة، عبر عبارات الموت، من تركيا إلى اليونان فألمانيا.محاولات استقرار فاشلة
كان جورج، منذ أيام مراهقته، يتعرض للمضايقات والضغوط من أهله وعائلته في الشام، حيث كان يسكن، بسبب هويته الجنسية وهويته الجندرية، اللتين كان يفاخر بهما من خلال اللباس والتبرّج. هذا الأمر دفعه للتنقل مراراً بين ريف دمشق وضواحيها، حيث كان يسكن مع الأصدقاء أو مع من أحبّ وارتضاه حبيباً، لتأتي بعدها الحرب السورية فتهدد وجوده هناك. وضع عائلة جورج المادي المقتدر نوعاً ما، وانحداره من عائلة مسيحية، ووضعه كمثلي الجنس، جعلاه عرضةً لتهديدات متواصلة بالخطف والقتل من جماعات متطرفة، مع بدء الأزمة السورية عام 2011. يقول جورج: "كانوا يقولون لي إنه ثبتت علي الفحشاء ويجب أن أنال القصاص، فتعرضت بعدها لإطلاق النار. هربت في إحدى المرات بثياب النوم بعد أن أعلمني أحدهم أن هناك من هم قادمون لخطفي، وتمكنت من الفرار في اللحظات الأخيرة". منذ ذلك الوقت، بدأ جورج بالتنقل بين بيروت ودمشق، قبل أن يستقر في لبنان عام 2013 بشكل نهائي، حين زاد الوضع سوءاً وأصبحت حياته في خطر كبير في حال بقائه في سوريا. الوضع في لبنان بالنسبة إلى جورج لم يكن أفضل بكثير. فهناك كانت عنصرية البعض تجاه السوريين، إضافة الى تمييز البعض الآخر للمثليين، ما دفعه للتنقل الدائم بين الحمرا في بيروت، وضواحي بيروت الشرقية. ويشير إلى أنه لا ينسى اليوم الذي تعرَض فيه للضرب في برج حمود من قبل عدّة عناصر من فصيلة درك المنطقة، والعبارات النابية التي نال نصيباً كبيراً منها، فقط لأنه سوري ولأنه متبرج. لم يكن لجورج أي نية للذهاب إلى أوروبا، فهو كان يفضل البقاء قي بلد عربي، أو في لبنان، حيث تمكّن خلال سكنه المرحلي هناك، من تطوير عمله وعلاقته مع من هم من أبناء بلده من مثليين لجأوا إلى لبنان حينها. لكن التعقيدات التي طرأت على وضع اللاجئين في لبنان، ومحاولة استغلاله من قبل البعض، والتشهير به عبر نشر صور له على الإنترنت، إضافة إلى غلاء المعيشة، دفع بجورج لتقديم طلبات لجوء، لم تلق آذاناً صاغية. من هنا، جاء القرار بالخروج إلى أوروبا بطريقة غير شرعية. استقر بداية في هولندا بضعة أسابيع، ثم ألمانيا منذ نحو سنة.نجى الكثير من المثليين من الموت عندما انتقلوا إلى بلدان اللجوء، لا سيما ألمانيا، ولكن الوضع ليس أفضل حالاً للكثيرين
منذ وصوله إلى ألمانيا، أبلغ جورج المعنيين بهويته المثلية وطلب عدم دمجه مع من يعرض حياته للخطر... لكن الأمر لم يحصليصف جورج تجربته في ألمانيا بالأسوأ، فهو يعتبر أن الألمان هم من يحددون خياراته ومكان سكنه، من دون الأخذ بعين الاعتبار وضعه النفسي. فهو حاول التخفي جاهداً كي لا يظهر هويته الجنسية، خلال رحلة اللجوء من تركيا إلى ألمانيا، خوفاً من أي ردة فعل من اللاجئين الآخرين. فوجد نفسه اليوم مع لاجئين يعانون من رهاب المثلية، يتقاسمون السكن معه. منذ وصوله إلى ألمانيا، أبلغ جورج المعنيين بهويته الجنسية، وطلب عدم دمجه مع من يعرّض حياته للخطر، لكن المفاجأة كانت بفرزه ضمن مجموعة من 18 لاجئاً بدايةً، ثم ضمن مجموعة أخرى من 23 في بيت واحد في ضيعة صغيرة في غرب ألمانيا. لم يتمّ مراعاة وضع جورج، كما حصل مع مثليين آخرين في مدن وبلدات ألمانية أخرى، ما جعله عرضةً مرة جديدة لمضايقات ومشاحنات، بسبب مثليته، من قبل اللاجئين الذين يشاركونه السكن. كما أنه تعرض للسرقة، ما دفعه للمغادرة والتنقل مجدداً عند أصدقاء، بين برلين ودوسلدورف وكولن. كان التعامل من قبل هيئة المساعدة الاجتماعية مع جورج سيئاً للغاية، ولا يراعي الخصوصية. فالمساعدة الاجتماعية أبلغت زملاء سكنه من لاجئين عرب وجنسيات أخرى عن مثليته، طالبةً منهم عدم التعرض إليه، ما زاد الأمر سوءاً. يتحدث جورج عن الخلافات الدائمة التي تحصل بين اللاجئين، والتهديد بالسكاكين، الذي يحصل بينهم، وكان يردد دائماً عبارة "أنا لا أشبههم". لكن القانون الألماني الجديد يمنع اللاجئين من نقل مكان إقامتهم إلى خارج الدائرة التي حددت لهم، ما يصعب المهمة لجورج كما لصديقه وائل، الذي وصل به الأمر إلى محاولة الانتحار.