الشهر الماضي، أدلى وزير المال في الحكومة السورية اسماعيل اسماعيل بتصريحات صحافية عدة، طالب فيها السوريين بأن يتقشفوا. تسببت تصريحاته بموجة غضب على شبكات التواصل الاجتماعي، انتهت بتراجعه عنها.
لكن ما هو الوضع الاقتصادي الذي تمرّ به البلاد فعلاً، والذي قد يدفع وزيراً إلى الإدلاء بتصريحات مشابهة؟ تصريحات، إن لم تثر حفيظة الشارع، تعزز على الأقل شكوكه في قدرة الحكومة على معالجة الوضع الاقتصادي الحرج. هذه نظرة سريعة إلى مقدار الخسارة الاقتصادية التي تتكبدها سوريا بسبب الحرب الدائرة فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات.
خسائر تاريخية
انخفض الناتج المحلي الإجمالي في سوريا، من 60 مليار دولار تقريباً في العام 2010- وفقاً لأحدث تقرير للإسكوا- إلى 33 مليار دولار في العام 2013، الذي يعدّه التقرير أسوأ الأعوام التي مرت على الاقتصاد السوري. وبلغ مجموع خسائر الناتج المحلي قرابة 70.67 مليار دولار أمريكي، في حين أشار التقرير نفسه إلى انكماش الاقتصاد السوري في العام 2013 بنسبة 28.2% مقارنة بعام 2011، وقدّر خسائره الإجمالية بحوالى 140 مليار دولار، تحمل القطاع الخاص 68.7% منها، والقطاع العام 31.3%، أي نحو 43 مليار دولار.
الليرة
شهدت الليرة انخفاضاً حاداً في سعر صرفها، إذ كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في 15 مارس 2011، ووفقاً لنشرات المصرف المركزي، 46.89 ليرة، ليبلغ في 27 نوفمبر الفائت 173.07 ليرة. كذلك جرى تداولها في السوق السوداء ما بين 199 و202 ليرة. علماً أنها كانت قد اجتازت حاجز 300 ليرة للدولار سابقاً.
بطالة
كانت نسبة البطالة في العام 2010، وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء (مؤسسة حكومية)، 8.4%، لتبلغ تقديرات هذه النسبة في نهاية العام 2013 حوالى 54.3%، بسبب خسارة السوق السورية أكثر من 2.67 مليون فرصة عمل، نتيجة هجرات رأس المال، أو نتيجة عدم قدرة الكثير من مقارّ العمل على ممارسة نشاطها الاعتيادي بسبب الصراع المسلح.
فقر
انخفض الاستهلاك الخاص الذي يمثّل عادة مؤشراً لرفاهية الأسر، بنسبة 22.5% في العام 2012، وبـ25.5% في العام 2013، متأثراً بأرقام البطالة المرتفعة وبتراجع سعر صرف الليرة السورية. وقدّر تقرير الإسكوا نسبة الفقر في سوريا بين 40-45% في العام 2014، مقارنة بـ12% في العام 2010.
صناعة
بلغت خسائر القطاع الصناعي حتى نهاية العام 2013 حوالى 2.2 مليار دولار أمريكي، وفقاً لتقديرات وزير الصناعة السوري كمال الدين طعمة، من بينها 500 مليون دولار تكبدها القطاع العام وفقاً لتقديرات حكومية، وكان القطاع الصناعي قد تعرض لأضرار، خصوصاً في مدينة حلب ومحيطها، حيث يتجمع العدد الأكبر من المنشآت الصناعية في سوريا، وكانت الحكومة وجهت سابقاً رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، قالت فيهما إن أكثر من ألف معملٍ في حلب فُكك ونُقلت معداته إلى تركيا.
وكانت الخسائر الصناعية الأكبر في قطاعي الصناعة الاستخراجية والصناعة التحويلية نتيجة خروج الكثير من المنشآت والآبار النفطية عن سيطرة النظام، ووقوعها في مناطق صراع، حيث بلغت خسائر الأولى 14.4% من إجمالي خسائر الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لأرقام الربع الثالث من العام 2013، والثانية 12.2% من هذه الخسائر.
زراعة
وفي موازاة ذلك، كان القطاع الزراعي الأقل تضرراً، ويشير التقرير الصادر عن الأونروا، والذي أعده المركز السوري لبحوث السياسات، إلى أن حصة الزراعة من خسائر الناتج المحلي بلغت 9.6% حتى الربع الثالث من عام 2013، وتوقعت منظمة الفاو في تقريرٍ صادر عنها في مايو الماضي أن ينخفض إنتاج سوريا من القمح في نهاية 2014 إلى أكثر من 52% عن معدلاته بين عامي 2001 – 2010، وساهم الجفاف – بالإضافة إلى الصراع المسلح – في تراجع أداء القطاع الزراعي، فانكمش الناتج المحلي الإجمالي للزراعة في عام 2013 بنسبة 36.2% وفقاً لتقرير الأونروا، وانكمش الإنتاج الحيواني 41% بالنسبة للأغنام، 52% بالنسبة للدواجن، و29% بالنسبة للأبقار، مقارنة بعام 2012.
التجارة
أمّا قطاع التجارة فكان الأكثر خسارة بين القطاعات الرئيسية وفقاً لتقرير الأونروا، إذ بلغت خسائره 22.8% من إجمالي خسائر الناتج المحلي، متأثراً بصعوبة نقل البضائع وانخفاض الطلب في السوق المحلية، وكانت الصادرات قد انخفضت في الربع الأول من السنة الجارية 95% مقارنة بالربع نفسه من العام 2011، والواردات بنسبة 88%، وقد تأثرت هذه الأرقام بالعقوبات الاقتصادية المفروضة من الغرب وبعض الدول العربية، وبالأضرار التي أصابت القطاع الصناعي، وهذا ما أدى لتراجع استيراد المواد الخام.
مصارف وتأمين
كذلك أُصيب قطاع المصارف والتأمين بانتكاسة كبيرة، فقد بلغت خسائره حتى الربع الرابع من العام 2013 حوالى 115 مليار ليرة سورية، وفقاً لتقرير الأونروا، وبلغت أرباح المصارف الخاصة (أجنبية في معظمها) في الربع الثالث من 2014، وفقاً لبياناتها الفصلية، حوالى 18.15 مليار ليرة سورية، بعد أن كانت 36.98 ملياراً في الفترة نفسها من عام 2013، وهذا ما أثّر سلباً في سوق دمشق للأوراق المالية، المعتمدة على قطاع المصارف والتأمين لتحقيق أحجام تداول مرتفعة، فانخفض المؤشر من 1515.31 في الخامس عشر من مارس 2011 إلى 769.07 في الثالث عشر من مارس 2013، ليعود ويستقر في حدود 1200 – 1270.
لا يبدو الوضع السياسي في سوريا حتى الآن قريباً من حل نهائي أو حتى مؤقّت يسمح بعودة النشاط الاقتصادي إلى حالته الطبيعية، أو يسمح له ببدء التعافي. ويمكن القول إن إصلاح الاقتصاد الهزيل نتيجة الحرب سيحتاج إلى فترات أطول قبل أن يتم بالشكل اللازم، ولكن الخطر الأكبر هو أن تفقد سوريا نقاط ارتكازها الاقتصادية التي نخرتها الحرب عميقاً، وأن تقع في أزمة اقتصادية شبه دائمة، على غرار كل الدول التي مرت بحروب أهلية مماثلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع