"كان لأخي منير الذي يكبرني بعامين عروسة "دمية" أطلق عليها من بنات أفكاره اسماً جميلاً، ولم يكن متداولاً بكثرة في هذا الوقت وهو فاتن، وحينما أنجبتني أمي ظلت هي وأبي حائرين في اختيار اسم لي، وفجأة جاء أخي منير إلى فراشي ووضع فاتن العروسة بجواري هدية منه لي. وعلى الفور أطلقت أمي اسم العروسة عليّ". ما سبق هو جزء من حوار لفاتن حمامة، تكرر مضمونه في مذكراتها التي جاءت في أكثر من نسخة. الارتباط بالدمى نوع من الرومانسية العذرية، والحب النقي. هكذا كانت حياة فاتن أحمد حمامة التي رحلت في 17 يناير 2015، عنوانها النقاء واحترام الذات، بحسب قول الناقد الفني طارق الشناوي، وكما يتضح من طبيعة أعمالها التي اختير 18 منها ضمن أفضل 150 فيلماً مصرياً عام 1997، في الاحتفال بمرور 100 عام على تأسيس السينما في مصر، وكُرّمت وقتها كأفضل ممثلة في تاريخ الفن السابع بمصر. في الرومانسية رحمة، وصورة فاتن وهي ترتدي زي الممرضات "أو ما يطلق عليهن ملائكة الرحمة" كانت السبب في انطلاقتها. جاء في مذكرات فاتن التي كتبتها زينب عبد الله بعنوان "فاتن حمامة"، وكذلك في حوار قديم لها بمجلة الكواكب سنة 1956، أن والدها كان قد صوّرها وهي طفلة بملابس ممرضة، ونشرت تلك الصورة في مجلة "الاثنين"، فرآها المخرج محمد كريم وأعجب بها، واختارها لتمثل أمام محمد عبد الوهاب وهي طفلة عمرها تسع سنوات في فيلم "يوم سعيد" عام 1940. وفي رواية أخرى، أن محمد كريم نشر إعلاناً يطلب فيه أطفالاً للتمثيل، فأرسل والدها صورتها، وتم اختيارها.
وتوالت أعمال حمامة وهي طفلة بعد ذلك، حتى قامت بأول بطولة لها وعمرها حوالى 16 عاماً في فيلم "أبو زيد الهلالي" أمام سراج منير، عام 1947.قصص حبها
الحب كان سمة رئيسية في حياة فاتن، ابنة الموظف بوزارة المعارف. وتحكي عن نفسها وهي صغيرة: "أحببت الكلمة ذاتها وأنا صغيرة... عشت معنى اللفظ قبل أن أشعر بأحاسيسه في قلبي فأحببت الحب، وأفتيت كثيراً في مشاكله مع زميلاتي حتى حملت لقب "أستاذة في الحب"... إلى أن ظهر أول محب في محطة الأتوبيس عند عودتي من المدرسة، فقد لاحظت أن أحد الضباط الشبان يتعقب خطواتي، فكنت أتجاهله ولكن لم أستطع منع قلبي من الخفقان له من كثرة مطاردته لي، ونظراته وحركاته وسيره خلفي ومحاولته الحديث معي، وانتظاري على باب المدرسة... حتى استوقفني ذات يوم بأدب شديد وادعى أنه صديق لأشقائي وأعطاني رسالة أخذتها منه بيد مرتجفة فوجدتها رسالة غرام تكاد تلتهب من حرارة كلمات مكتوبة بأسلوب جميل، وعبارات مهذبة، وقرأتها أكثر من مرة وشعرت بأشياء جميلة بداخلي، ورغم هذا لم أسمح لهذه القصة أن تكتمل أو تستمر أكثر من هذا"، بحسب حوارها المذكور سابقاً. زواج فاتن الأول كان من المخرج عز الدين ذو الفقار، إلا أنها وصفته بعد ذلك بأنه كان حب التلميذة لأستاذها، حب الانبهار، بحسب ما جاء في حوارها مع الكواكب، وهو ما أكده الناقد الفني طارق الشناوي الذي يرى أن ارتباطها بعز كان في سن مراهقتها، إذ تزوجها وعمرها 17 عاماً.هل تعرفون أن فيلم فاتن حمامة “أريد حلاً” أجبر الدولة على تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر عام 1976؟
معلومات مثيرة عن أفضل ممثلة في تاريخ الفن السابع بمصر، وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة..ولكن بعد سنوات النضوج، في بداية الخمسينيات، اكتشفت أنه ليس فتى أحلامها، رغم إنجابها طفلة منه، فانفصلت عنه وتزوجت من عمر الشريف (ميشيل شلهوب) في العام نفسه، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة وقتها، لديانة عمر التي غيرها إلى الإسلام من أجلها، وذلك بعد فيلم "صراع في الوادي" الذي تشاركا فيه.
في حوارها القديم مع "الكواكب"، قالت فاتن إنها مستعدة لترك التمثيل من أجل عمر الشريف، لأنه أبقى إليها من الجمهور الذي سيتركها حين تكبر في السن وتصير عجوزاً، وفي هذه الحالة لن ينفعها إلا زوجها. عمر وفاتن أنجبا طارق، واستمر زواجهما 20 عاماً تقريباً، وانفصلا عام 1974، وكانا لا يزالان نجمين، ولم يداهمهما الكبر. وتزوجت بعده من الطبيب محمد عبدالوهاب، وظلت معه حتى توفيت.
جرحتها السياسة
رومانسية فاتن جرحتها السياسة. ابتعدت عن مصر بعد عام 1966، لمدة أربع سنوات، ونسبت إليها تصريحات عن أن المخابرات المصرية حاولت تجنيدها ولكنها رفضت... وفي هذا الفيديو تنتقد فاتن الرئيس جمال عبد الناصر. ثم عادت عام 1971 إلى مصر وكانت علاقتها جيدة بالرئيس أنور السادات، ومن بعده حسني مبارك، وكذلك كانت من داعمي الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعارضي حكم الإخوان، بحسب الناقد والكاتب عمرو عبد السميع الذي يقول إن فاتن كانت كذلك من داعمي ثورة 23 يوليو، وشاركت في فعاليات من أجلها مثل قطار الرحمة، والأعياد القومية المختلفة.مشاهد تمثيلية لا تُنسى
"سيدة الشاشة العربية" لقب لم يأت من فراغ، ففاتن هي أكثر الممثلين الذين أتت أعمالهم ضمن قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، في استفتاء لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عام 2007، بمجموع 8 أفلام.الحرام
من ينسى "عزيزة" في فيلم "الحرام" وهي تفيق استفاقة ما قبل الموت، لتتحسس طفله "السِّفاح" الذي قتلته بيديها بعد ولادته تحت شجرة، خوفاً من افتضاح أمرها أمام الفلاحين، لتموت وهي تتخيل نفسها تحتضنه في المكان نفسه الذي كتمت فيه أنفاسه؟يقول طارق الشناوي، إن "الحرام" من أهم أفلام السينما المصرية، واختير في الترتيب كخامس أهم فيلم بقائمة المائة، وكانت بطولة فاتن فيه مطلقة، إذ أن البطل الرجل في الفيلم، عبد الله غيث، كانت مساحته صغيرة، مشيراً إلى أن الفيلم مليء بمشاهد قوية، كمشهد الولادة مثلاً، ولكن الرائع في هذا المشهد أن فاتن استخدمت فيه كل حواسها إلا اللسان، فخرجت تعابير وجهها، أفضل من كل الكلام.
دعاء الكروان
اللهجة البدوية غريبة على أهل الحضر في مصر، أكثر من لهجة الفلاحين أو الصعايدة، كما قالت فاتن في حوارها مع الإعلامي وجدي الحكيم، الذي أذاعه التلفزيون المصري. ولكنها تعلمت هذه اللهجة وأدّتها في أيقونتها الشهيرة "دعاء الكروان". وكان أسلوبها الخطابي القوي، رغم الانكسار في عبارة: "داري إديك يا خال دم هنادي بينقط منهم"، غاية في الصدق، كما ترى الناقدة ماجدة موريس.وكذلك ترى موريس في هذا المشهد من الفيلم نفسه، الذي جاء في الترتيب رقم 14 ضمن قائمة المائة أيضاً، والذي عبّرت فيه فاتن بجسدها الذي يعتصر مع روحها خلف الباب، مع كلماتها ودموعها عن الكارثة التي كابدتها "آمنة" بوقوعها في حب البيه (أحمد مظهر) الذي أغوى أختها هنادي (زهرة العلا)، رغم أنها كانت ذاهبة إليه لتنتقم لأختها.
"صراع في الوادي" وأول قبلة لسيدة الشاشة
جاء ترتيبه رقم 25 في قائمة أفضل 100 فيلم، وأنتج عام 1954، وفيه أدت فاتن حمامة أول قُبلة في تاريخها السينمائي بعد سنوات من التمثيل رفضت خلالها تقبيل أي بطل. وأثارت القبلة جدلاً وقتها، ولكن عمر الشريف، أصبح زوجها بعد شهور منها.
أيامنا الحلوة
الضعف المخلوط بحكمة وواقعية، بدا واضحاً في شخصية فاتن حمامة (هدى)، في فيلم "أيامنا الحلوة"، ما استمال سلوى "زهرة العلا" حبيبة البطل "عمر الشريف" نحوها، بعد أن كانت تغار عليه لارتباطه بـ"هدى". وترى ماجدة موريس أن البطل في المشهد كان الحوار الرائع، الذي كتبه علي الزرقاني، ولكن فاتن كانت مقنعة، في نبرات صوتها، وانكسار عينيها الذي بدا أثناء حديثها.يذكر أن "أيامنا الحلوة" جاء في الترتيب 83 في قائمة المائة.
بين الأطلال
منى (فاتن حمامة) الشابة التي وقعت في غرام محمود (عماد حمدي) المتزوج، ويكبرها بسنوات كثيرة، كانت تريد إبراء ذمتها أمام نفسها من عقدة الذنب، فحاولت التخلص من محمود، ولكن حديثها العاقل إليه كان يخفي نقيضه. الحب العذري بين منى ومحمود، كالقصص الأسطورية، لم ينتهِ بالزواج، ومن شدة المثالية أن منى كانت تمرّض زوجته التي كانت حاملاً منه حتى ولدت وماتت، بعد أن مات محمود هو الآخر، فربّت منى ابنة محمود، وعاشت على أطلاله. الفيلم كان ترتيبه 73 بقائمة المائة، وتعتبره ماجدة موريس الأب الروحي لأفلام الحب العذري التي شهدتها السينما المصرية بعد ذلك، كـ"حبيبي دائماً"، و"اذكريني"، النسخة المكررة من "بين الأطلال"، مشيرةً إلى أن فاتن نفسها كانت خائفة من فشل الفيلم كونه مفعماً بالرومانسية، لكنها أدّت الدور ببراعة.ابن النيل
زبيدة، تلك الفتاة القروية الساذجة التي وقعت في حب حميدة (شكري سرحان)، ولم تستطع أن تعبّر عن مشاعرها، كان لها شكل مميز، حين أدت دورها فاتن حمامة. يقول طارق الشناوي إن فاتن استطاعت، بالتلعثم واللهجة الصعيدية المتقنة والخضوع الذي تبدو عليه الفلاحات من الصعيد أثناء الحديث مع الرجال، أن تؤدي شخصية زبيدة بشكل متقن، وساعدها على ذلك الحوار الجيد الذي كتبه يوسف شاهين، مشيراً إلى أن الفيلم كان ترتيبه رقم 82 في قائمة المائة.امبراطورية ميم
بعد عودتها إلى مصر، بدأت سيدة الشاشة العربية مرحلة جديدة مناسبةً لعمرها، فظهرت في "امبراطورية ميم" أماً في منتصف العمر، مات زوجها، ولا يزال للشباب نصيب من شكلها وروحها، وترغب في الزواج من جديد، ولكن أبناءها الذين كبروا وصاروا يبدون آراءهم ويطالبون بمشاركة في إدارة المنزل، يشكّلون ضغطاً نفسياً عليها.وأشار رمزي إلى أن الفيلم الذي كان ترتيبه 89 في قائمة المائة، مثّل تعبيراً حقيقياً عن الانفتاح الذي طال المجتمع في الستينيات من القرن الماضي، ودخلت على الأسر خلاله تقاليد جديدة، ظهرت في الفيلم الذي أنتج عام 1972.
أريد حلاً
الحيرة التي ظهرت على وجه درية (فاتن حمامة) لكونها ستضطر إلى الحديث إلى القاضي عن تفاصيل سرية مخجلة في العلاقات الزوجية، بدت جلية على وجه فاتن حمامة في هذا المشهد من "أريد حلاً". وقال كمال رمزي إن فيلم "أريد حلاً" كتبته حسن شاه بعد اتفاق بينها وبين فاتن حمامة التي كانت مهمومة بقضية معاناة المرأة في إجراءات الطلاق من رجل يحرمها من كل حقوقها الزوجية، فكان الفيلم، مشيراً إلى أن نجاح الفيلم الذي جاء رقمه 21 في قائمة المائة، أجبر الدولة على تغيير قانون الأحوال الشخصية عام 1976.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 18 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين