ما بين دور "تفيدة" المرأة البسيطة والمستضعفة، الذي جسدته الفنانة زيزي مصطفى في أول مسلسل عرض على شاشة التلفزيون المصري عام 1960 "الضحية"، وبين دور "غالية" الذي لعبته نيللي كريم في أشهر مسلسل لهذا العام حتى "سجن النسا"، الكثير من المحطات التي مرت بها المرأة المصرية عبر الدراما التلفزيونية في مصر.
وضع المرأة في الدراما المصرية كان يثير دوماً الكثير من النقاش والنقد منذ بدء الدراما في عام 1960، فهناك من يرى أن الدراما نجحت أحياناً في رسم المعاناة الحقيقية للمرأة، في حين صوّرتها في أحيان أخرى بشكل سلبي أدّى إلى الانتقاص من حقوقها في الحياة الواقعية. فمثلاً، في فترة الستينيات من القرن الماضي، كانت الدولة تشجع الفتيات من جميع طبقات المجتمع المصري على التعليم والعمل.
أما على الشاشة الصغيرة، فكانت معظم الأعمال الدرامية تحصر المرأة في أدوار معينة، إمّا دور الحبيبة المغلوب على أمرها أو الأم الحنون أو المرأة التي يتولى مسؤوليتها أو التحكم في مصيرها رجلٌ ما، وهي الصورة التي جسدت في "الضحية" عام 1960، مسلسل من خمسة أجزاء تدور أحداثه في الريف، وينحصر دور المرأة فيه على الزوجات المتصارعات من أجل نيل رضى الزوج الذي أحب الزوجة الأخيرة "تفيدة" لطيبتها.
استمر حصر المرأة في هذه الصورة طوال عقد الستينيات تقريباً. فمسلسل "العسل المر" (بطولة شمس البارودي وسمير صبري وزوزو شكيب) يحكي عن فتاة تحبسها والدتها بالبيت خوفاً عليها من الرجال والحب. تقابل الفتاة البطل الذي ينقذها من سيطره أمها ويصبح هو مسؤولاً عنها.
شهدت حقبة السبعينيات حالة من التوتر. ظاهرياً تمتعت المرأة المصرية بحقوق قانونية لكن على أرض الواقع حصل العكس. كان ذلك التناقض ناتجاً من العلاقة المتوترة بين الإسلاميين والعلمانيين وتزكية نظام الحكم لنيران الخلاف. انعكس هذا التناقض على الدراما أيضاً، فتارةً تكون مسلسلات السبعينيات مرتكزة على رومانسية المرأة المصرية كما في "إني راحلة"، انتاج عام 1976 وتأليف يوسف السباعي وبطولة الممثل الراحل محمود مرسي وزهرة العلا. وتارة أخرى تجد الدراما نفسها في حال من الضياع والتمرد التي انتابت المرأة المصرية كما في مسلسل "اشجان" بطولة سهير رمزي، انتاج عام 1970.
الجدير ذكره أن حقبة السبعينات هي بداية ظهور دراما الحارة المصرية والمرأة الشعبية التي تتحصن بالمبادىء الأخلاقية وتواجه متاعب الحياة من أجل تعليم أبنائها والارتقاء بهم. وهو ما ظهر في دور "نبوية" التي قامت به سميحة أيوب في مسلسل "المشربية"، تأليف أسامة أنور عكاشة.
كانت الثمانينيات نتيجة سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ في منتصف السبعينيات وهي السياسات التي زادت بعض المواطنين فقراً وساهمت بالتالي في ظهور المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل كزوجة وحبيبة وموظفة وربة منزل. وقد تناول العلاقة بين الرجل والمرأة في هذه الحقبة المسلسل الاجتماعي "هو وهي"، انتاج عام 1985 وتأليف الشاعر صلاح جاهين وبطولة سعاد حسني وأحمد ذكي وهو حلقات منفصلة تناقش كل يوم قضية مختلفة من قضايا الرجل والمرأة وعلاقة كل منهما بالاخر.
فرّقت سياسة الانفتاح الاقتصادي المصريين، فمنهم من استسهل الثراء السريع. ظهر هذا في مسلسل "الراية البيضاء" تأليف أسامة أنور عكاشة، انتاج 1988 وبطولة سناء جميل في دور "فضة المعداوي" وهي سيدة غير متعلمة تشكّل نموذجاً لسلوك محدثي النعمة الذين يسكنهم طموح أن يُحسبوا على طبقة لا ينتمون إليها، تهمها أسعار الأشياء وليس جودتها.
على الجانب الآخر ظهرت الدراما التي جسدت المرأة التي تصرّ على الاحتفاظ بالأخلاق النبيلة ولم تسعَ إلى الثراء السريع في أوج الانفتاح الاقتصادي وهو ما جسده أسامة أنور عكاشة في تحفته "الشهد والدموع" التي قامت الفنانة عفاف شعيب بدور بطلته زينب.
يصنف هذا العمل بحسب آراء العديد من النقاد في عداد روائع الدراما المصرية.
حملت حقبة التسعينيات الكثير من القيم والمبادىء والمثالية إذ ظهرت المرأة في إطار مثالي كما في مسلسل "ضمير ابله حكمت" للفنانة الكبيرة فاتن حمامة، وهو أُنتج عام 1991 من إخراج انعام محمد علي. كذلك في المسلسل الكبير ذي الأجزاء الثمانية "عائلة ونيس" الذي جسدت فيه الراحلة سعاد نصر الزوجة العاملة التي تشارك زوجها في تربية أبنائها للحفاظ على المبادىء الأخلاقية.
الألفية الجديدة لم تنصف المرأة بل صورتها بشكلها السلبي فقط في معظم الأعمال الدرامية، كما في مسلسل "الحقيقة والسراب" الذي أظهر أن جميع المشاكل ناتجة من سيطرة الأم التي قامت بدورها الفنانة فيفي عبدو. وهناك مسلسلات حصرت دور المرأة في عرض جسدها ليستمتع به الرجل كما في مسلسل "عائلة الحاج متولي" الذي يدور حول تعدد الزوجات ونهم الرجل الشرقي على الزواج، وقام ببطولته الفنان نور الشريف.
بعد الثورة، الأمر اختلف كثيراً. فقد زاد الاهتمام بقضايا المرأة. وهو ما قامت به المخرجة كاملة أبو ذكر والسينارست مريم نعوم في العملين الدراميين "ذات" و"سجن النسا". وقد أشارت انتصار السعيد مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الانسان إلى أن هذين المسلسلين كانا نتاج الثورة المصرية وثمرة تأثيرها على الدراما من ناحيتي الكم والنوع.
في المقابل، اعترض المجلس القومي للمرأة على شكل المرأة في الدراما المصرية هذا العام وتساءلت الناقدة ماجده موريس: "هل المجتمع في حاجة إلى تقديم كل هذه النماذج التي تتحدث عن المرأة العارية والقاتلة والقوادة وغيرها من الصور السلبية، في حين لا يوجد في المقابل امرأة واحدة تمثّل النموذج الناجح؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...