دليلكم إلى مصطلحات الحرب/ الثورة/ الأزمة السورية
الجمعة 2 يونيو 201712:07 ص
تُنتِجُ كلّ حرب أو صراع، سياسياً كان أو عسكرياً، مصطلحات أو مفردات لغوية، أو تمنحها معاني جديدة تعبر عن مجريات الأحداث، لتصبح جزءاً من الخطاب الجمعي في بلدٍ ما. تجد هذه الكلمات طريقها لاحقاً إلى التغطيات الصحافية، والأعمال الأدبية، ومجمل النتاج الثقافي المواكب لتلك المرحلة. مع التأثير المضاعف لتداول تلك المصطلحات، وانتشارها خلال السنوات الأخيرة على نطاقٍ أوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك ينطبق على الصراع السوري المعقد منذ العام 2011، صراع أفرز مفرداتٍ تحمل أبعاداً كثيرة، لا تخلو من التعميم، الإقصاء، الوسم، القسوة، العجز، والسخرية التي تلامس المرارة. نحاول رصد أكثرها تداولاً، وشرح دلالاتها، وارتباطها بسياقٍ زمني معيّن، انتهى، أو لا يزال قائماً.
البدايات: حين تحاول أن تتجاوز "سقف الوطن"
"سقف الوطن"، هل يمكنكم أن تتخيلوا سقفاً للوطن؟ وما ارتفاعه؟ فلنتجاوز حرفية كلمة "سقف"، لنذهب مباشرة لدلالتها التي استخدمت بكثافة مع بداية الحراك الاحتجاجي السلمي، للإشارة إلى حدودٍ مرسومةٍ سلفاً لا يمكن تجاوزها. وسط اعتراف أصحاب هذا المصطلح بوجود مطالب "محقّة"، تقتضي مضي السلطة قدماً بإصلاحاتٍ سياسية واقتصادية واجتماعية، من دون المساس بـ"رموز السيادة الوطنية"، وفقاً للخطاب الرسمي، ومن يتبناه، وقطع الطريق مسبقاً على الدعوات لـ"إسقاط النظام"، الشعار الذي نادى به المتظاهرون لاحقاً كما في تونس ومصر. وأصبح "سقف الوطن" عنواناً لمؤتمرات، وملتقيات، ومنتديات أعطت الإيحاء بوجود حالة حوار في البلاد. لكنّه تحوّل لاحقاً إلى مادةّ للتندر حين انفلتت الأمور من عقالها. لكنه لم يفقد صلاحيته. وقابله مصطلح آخر استخدم بطريقةٍ أكثر طرافة.حضن الوطن
انتشر مصطلح "حضن الوطن" للكناية عن إمكانية استقبال مَنْ تجاوز السقف بالأحضان، حتى أولئك الذين اختاروا المواجهة العسكرية، بعد "تسوية أوضاعهم" لدى الجهات المختصة، أي تسليم أنفسهم للسلطات الأمنية، والوصول لصيغة تفاهم معها. غالباً يعني ذلك الانتقال من إحدى ضفتي الصراع إلى الأخرى.ما بين معارض ومنحبكجي ومغرّر به
منذ بداية الحراك كان هناك حالةً من الفرز لا تزال تفعل فعلها في الشارع السوري، الذي تحوّل مبكراً إلى شارعين، أحدهما موالٍ للحكومة أطلقت عليه المعارضة وصف "المنحبكّجية"، المستوحى من كلمة "منحبّك" (شعار الحملة الداعمة لفترة الاستفتاء الرئاسية الثانية للرئيس بشار الأسد سنة 2007). مصطلحٌ استخدمه معارضون كرمزٍ لوسم من يخالفونهم الرأي بالتعامي عن الواقع، باعتبار أنّ "عين الحب عمياء" كما يقال. أمّا كلمة معارض فكانت بحذ ذاتها، وربما ما زالت، تثير نفور مَن يصنفون كـ"منحبكجيّة". فـ"المعارضة" بالنسبة لهم ربما تعادل "الخيانة الوطنية"، وفي أحسن الأحوال يشفقون على المنضوين فيها كـ"مغررٍ بهم" كما كان يحلو للسلطة وصفهم، وفقاً لمنطقها الأبوي."باص أخضر" تحت "سقف الوطن"... دليل مصطلحات الحرب/ الثورة / الأزمة السورية
ويبقى "التشبيح" المصطلح الأكثر شهرةً في التاريخ السوري المعاصر، اقتحم عالمي التحليل السياسي والإعلامفهم برأيها ينشطون "بتحريضٍ خارجي"، وغالباً ما يكون بينهم "مندسون" ساهموا بتصعيد الأحداث تجاوباً مع "خطّة بندر"، نسبة للأمير السعودي بندر بن سلطان، التي عممت على وسائل الإعلام المحلية في أبريل 2011، وانتشرت على صفحات المؤيدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها أوّل مؤشر التقطته الأجهزة الأمنية، لوجود "مؤامرةٍ خارجية" تستهدف استقرار البلاد. كلا الطرفين بدا مصدراً للشرور، ومتهماً بالسذاجة وقلة الوعي من وجهة نظر الآخر. كما استخدم مصطلح "عرعوري" للدلالة على نمط من المعارضين كانوا يتجاوبون مع تحريض عدنان العرعور، الداعية السوري المقيم بالسعودية، والذي يتبنى النهج السلفي. واعتبر بالنسبة للموالين "وجه الشيطان". وعمم كثيرٌ منهم المصطلح لوصف كل مَنْ كان يعتبر نفسه "ثائراً"، أياً كان دينه أو طائفته. علماً أن دعوات العرعور، وإطلالاته الإعلامية الطافحة بالخطاب الطائفي، كانت تستهدف أساساً استثارة "الشارع السنّي".
