شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
دليلكم إلى مصطلحات الحرب/ الثورة/ الأزمة السورية

دليلكم إلى مصطلحات الحرب/ الثورة/ الأزمة السورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 2 يونيو 201712:07 ص
تُنتِجُ كلّ حرب أو صراع، سياسياً كان أو عسكرياً، مصطلحات أو مفردات لغوية، أو تمنحها معاني جديدة تعبر عن مجريات الأحداث، لتصبح جزءاً من الخطاب الجمعي في بلدٍ ما. تجد هذه الكلمات طريقها لاحقاً إلى التغطيات الصحافية، والأعمال الأدبية، ومجمل النتاج الثقافي المواكب لتلك المرحلة. مع التأثير المضاعف لتداول تلك المصطلحات، وانتشارها خلال السنوات الأخيرة على نطاقٍ أوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك ينطبق على الصراع السوري المعقد منذ العام 2011، صراع أفرز مفرداتٍ تحمل أبعاداً كثيرة، لا تخلو من التعميم، الإقصاء، الوسم، القسوة، العجز، والسخرية التي تلامس المرارة. نحاول رصد أكثرها تداولاً، وشرح دلالاتها، وارتباطها بسياقٍ زمني معيّن، انتهى، أو لا يزال قائماً.

البدايات: حين تحاول أن تتجاوز "سقف الوطن"

"سقف الوطن"، هل يمكنكم أن تتخيلوا سقفاً للوطن؟ وما ارتفاعه؟ فلنتجاوز حرفية كلمة "سقف"، لنذهب مباشرة لدلالتها التي استخدمت بكثافة مع بداية الحراك الاحتجاجي السلمي، للإشارة إلى حدودٍ مرسومةٍ سلفاً لا يمكن تجاوزها. وسط اعتراف أصحاب هذا المصطلح بوجود مطالب "محقّة"، تقتضي مضي السلطة قدماً بإصلاحاتٍ سياسية واقتصادية واجتماعية، من دون المساس بـ"رموز السيادة الوطنية"، وفقاً للخطاب الرسمي، ومن يتبناه، وقطع الطريق مسبقاً على الدعوات لـ"إسقاط النظام"، الشعار الذي نادى به المتظاهرون لاحقاً كما في تونس ومصر. وأصبح "سقف الوطن" عنواناً لمؤتمرات، وملتقيات، ومنتديات أعطت الإيحاء بوجود حالة حوار في البلاد. لكنّه تحوّل لاحقاً إلى مادةّ للتندر حين انفلتت الأمور من عقالها. لكنه لم يفقد صلاحيته. وقابله مصطلح آخر استخدم بطريقةٍ أكثر طرافة.

حضن الوطن

انتشر مصطلح "حضن الوطن" للكناية عن إمكانية استقبال مَنْ تجاوز السقف بالأحضان، حتى أولئك الذين اختاروا المواجهة العسكرية، بعد "تسوية أوضاعهم" لدى الجهات المختصة، أي تسليم أنفسهم للسلطات الأمنية، والوصول لصيغة تفاهم معها. غالباً يعني ذلك الانتقال من إحدى ضفتي الصراع إلى الأخرى.

ما بين معارض ومنحبكجي ومغرّر به

منذ بداية الحراك كان هناك حالةً من الفرز لا تزال تفعل فعلها في الشارع السوري، الذي تحوّل مبكراً إلى شارعين، أحدهما موالٍ للحكومة أطلقت عليه المعارضة وصف "المنحبكّجية"، المستوحى من كلمة "منحبّك" (شعار الحملة الداعمة لفترة الاستفتاء الرئاسية الثانية للرئيس بشار الأسد سنة 2007). مصطلحٌ استخدمه معارضون كرمزٍ لوسم من يخالفونهم الرأي بالتعامي عن الواقع، باعتبار أنّ "عين الحب عمياء" كما يقال. أمّا كلمة معارض فكانت بحذ ذاتها، وربما ما زالت، تثير نفور مَن يصنفون كـ"منحبكجيّة". فـ"المعارضة" بالنسبة لهم ربما تعادل "الخيانة الوطنية"، وفي أحسن الأحوال يشفقون على المنضوين فيها كـ"مغررٍ بهم" كما كان يحلو للسلطة وصفهم، وفقاً لمنطقها الأبوي.
"باص أخضر" تحت "سقف الوطن"... دليل مصطلحات الحرب/ الثورة / الأزمة السورية
ويبقى "التشبيح" المصطلح الأكثر شهرةً في التاريخ السوري المعاصر، اقتحم عالمي التحليل السياسي والإعلام
فهم برأيها ينشطون "بتحريضٍ خارجي"، وغالباً ما يكون بينهم "مندسون" ساهموا بتصعيد الأحداث تجاوباً مع "خطّة بندر"، نسبة للأمير السعودي بندر بن سلطان، التي عممت على وسائل الإعلام المحلية في أبريل 2011، وانتشرت على صفحات المؤيدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها أوّل مؤشر التقطته الأجهزة الأمنية، لوجود "مؤامرةٍ خارجية" تستهدف استقرار البلاد. كلا الطرفين بدا مصدراً للشرور، ومتهماً بالسذاجة وقلة الوعي من وجهة نظر الآخر. كما استخدم مصطلح "عرعوري" للدلالة على نمط من المعارضين كانوا يتجاوبون مع تحريض عدنان العرعور، الداعية السوري المقيم بالسعودية، والذي يتبنى النهج السلفي. واعتبر بالنسبة للموالين "وجه الشيطان". وعمم كثيرٌ منهم المصطلح لوصف كل مَنْ كان يعتبر نفسه "ثائراً"، أياً كان دينه أو طائفته. علماً أن دعوات العرعور، وإطلالاته الإعلامية الطافحة بالخطاب الطائفي، كانت تستهدف أساساً استثارة "الشارع السنّي". Green BusGreen Bus

ثورة وفورة والله يطفيها بنوره

على غرار ثورات "الربيع العربي" في مصر وتونس وليبيا، أطلق المعارضون السوريون اسم "ثورة" على حراكهم الاحتجاجي السلمي، وتبنت وسائل الإعلام الداعمة لهم هذا الاسم. لكن كلمة ثورة بحد ذاتها كانت موضع تشكيك وإنكارٍ كبيرين، منذ البداية بالنسبة للموالين أو المؤيدين للسلطة السورية، وغالباً ما كانوا يحاولون السخرية منها بوصفها "فورة". وفي أحسن الأحوال ومن باب الإنكار والتشكيك أيضاً، لم تستخدم وسائل الإعلام المحليّة هذه الكلمة يوماً، واستعاضت عنها بـ"الأزمة". وبين "المنحبكجية"، "المؤيدون"، "الموالون"، و"المعارضون"، "المندسون"، "العراعير"، "الثوّار"، "الفورجية"، أصبح من يعتبرون أنفسهم غير منحازين لأيّ الطرفين، موضع اتهام بالنسبة لهما، وأطلق عليهم وصف "الرماديين"، في وطنٍ تراوحت ألوانه بين الأحمر والأسود. وغالباً ما كانوا يوصفون من باب الوسم بالعجز وقلة الحيلة بجماعة "الله يطفيّها بنوره" أو "الله يفرّج".

لون العيون

مع تحول الحراك السلمي إلى العسكرة، انشق عدد من الضباط وأعلن تشكيل ما عرف وقتذاك بالجيش الحر. ومن هنا بدأ تصنيف سائر المؤسسات السورية، بين "حر" و"نظامي"، للدلالة إعلامياً وشعبياً على تبعيتها للمعارضة أو للسلطة. الانقسام وصل أيضاً لعلم البلاد، مع إعلان تبني غالبية المعارضة ومؤسساتها الناشئة لعلم الاستقلال (1946)، ذي النجوم الحمراء الثلاثة، بدلاً من علم سوريا الحالي بنجمتيه الخضراوين. وبعدما تناوبت فصائل المعارضة المسلحة، بتوجهاتها المختلفة، والجيش، السيطرة على مناطق من البلاد، برز مصطلحا "عيونها خضر"، و"عيونها حمر" للتعبير عن خضوع منطقة ما لأحد الطرفين. أما مناطق سيطرة "داعش" و"جبهة النصرة" (فتح الشام أخيراً)، فكانت خارج نطاق التعبير اللوني، ويتصدر المشهد اللون الأسود. "الانسحاب التكتيكي" كان أيضاً بين المصطلحات الرائجة في سجال الحرب، كمبررٍ لفقدان السيطرة من الطرفين على منطقةٍ من المناطق، وتخفيف وقع الصدمة على أنصارهما. لكنه سرعان ما تحوّل لمصطلحٍ ساخر يعبّر عن خيبة الأمل. وظهرت وسط قعقعة وفوضى السلاح مصطلحاتٍ أخرى تشير للسيطرة العسكرية، ودحر الخصوم، كـ"التحرير" و"التطهير".

جنى العمر بين التعفيش والتشويل

وبعد كل "تحرير" أو "تطهير" يأتي "التعفيش" أو "التشويل" كشرٍّ لا بد منه، أصبح من البديهي حدوثه في المناطق المسيطر عليها حديثاً. مصطلحان يختصران عمليات النهب المنظمّة، إذ تختص فرقٌ بتفكيك وسرقة كل ما يمكن بيعه، أو الاستفادة منه تجارياً، معامل، مستودعات بضائع، أثاث منزلي. حتى أسلاك نحاس التمديدات الكهربائية، تسحب من الجدران، وتذاب لبيعها، في عمليةٍ اصطلح على تسميتها بـ"التنحيس". آلاف السوريين ضاع جنى عمرهم "تعفيشاً"، و"تشويلاً"، و"تنحيساً"، وأصبحوا بين عشيّةٍ وضحاها نزلاء طارئين في "مراكز إيواء"، أو "مخيمات اللجوء"، أو لاجئين بلا مخيّمات.

التغريبة السورية، "نازحون" و"لاجئون"

"نازحون"، "لاجئون"، صفتان لم يتخيل السوريون يوماً أن تختزلا هويّة مئات الآلاف منهم. ورغم أنّ المصطلحين يؤديان المعنى نفسه لكّنهما يميّزان بين وِجْهَتِه، فاللجوء يكون لخارج سوريا، أما النزوح فلمناطق أكثر أمناً داخلها. واستخدم المصطلح الأخير في التاريخ السوري المعاصر، للإشارة لِمَنْ هجّر من منطقة الجولان، بعد الاحتلال الإسرائيلي لها سنة 1967. وانطوت كلمة "نازح" على دلالاتٍ عنصرية مورست بحقهم اجتماعياً، قبل أن يدور الزمن دورته، ويتساوى الجميع أمام مرارة النزوح. مأساة اللجوء أو التغريبة السورية أضافت مصطلحاتٍ جديدة لقاموس مفردات السوريين. فالمهاجر ليس سوى "نفر" من وجهة نظر المهرّب. و"النفر" يجب عليه تجاوز عقباتٍ كثيرة في طريق تغريبته إلى القارّة العجوز. أولاها الحصول على "خارطية" حين بلوغه البر اليوناني، وهي عبارة عن ورقة طرد تمنح للمهاجر الذي دخل اليونان بشكل غير شرعي، تتيح له التنّقل في هذا البلد قبل الانتقال إلى وجهته التالية.

مرارة "قوارب الموت" و"الباص الأخضر"

ثم عليه تجاوز خطر "البصمة" في البلدان التي لا يرغب أن تكون ملاذه الأخير، فأخذ بصمته ليزرياً بإحدى الدول الأوروبيّة الموقّعة على "اتفاقية دبلن" يفرض عليه تقديم اللجوء فيها، إذا بقي على قيد الحياة، ونجا من رحلة راح ضحيتها آلاف السوريين على متن "قوارب الموت" التي تنقل المهاجرين. تلك القوراب المطّاطيّة السيئة الصيت أصبحت تعرف شعبياً باسم "بلم". ومقابل "البلم" الذي تفوح منه رائحة الموت، ثمّة وسيلة نقلٍ أخرى اكتسبت دلالة جديدة لدى السوريين، "الباص الأخضر". قد تتساءلون لماذا هذا اللون تحديداً؟ لأنّه ببساطة لون حافلات النقل الداخلي العامّة في سوريا، التي أصبحت لاحقاً تختص بنقل المعتقلين، والمسلحيّن، والمدنيين المحاصرين من مناطق النزاع، بعد فرض سيطرة الجيش عليها، بناءً على تسويات يطلق عليها رسمياً "مصالحات وطنية". ولركوب هذه الباصات طعمٌ بمرارة العلقم، للذين يرون فيها رمزاً للاستسلام، أو الإذعان، والتهجير، ومعنى الانتصار والخلاص لِمن يقفون على الضفة الأخرى من الوطن. حافلاتٌ ستبقى في الذاكرة الجمعية للسوريين طويلاً، شغلت بال العالم، احتّلت الشاشات، ورسمت المشهد الأخير بحلب، ودرايا ومناطق كثيرة خلال العام 2016.

المصطلح الأكثر شهرة

ويبقى "التشبيح" المصطلح الأكثر شهرةً في التاريخ السوري المعاصر. مصطلحٌ اقتحم عالم التحليل السياسي، ودخل قاموس المفردات الإعلامية العربية من الباب العريض، كرمزٍ للسطوة، والممارسات العنفية المافيوزية، سلوكاً ولفظاً، عانى منه أبناء محافظة اللاذقية كثيراً بمختلف أطيافهم أواخر القرن الماضي. وكتب عنه الأديب السوري الراحل ممدوح عدوان في كتابه الشهير "حيونة الإنسان"، وعاد إلى الواجهة بقوة منذ عام 2011، ليعاني منه معظم السوريين.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image