شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ماذا يعني أن تكوني فتاة ثلاثينية عازبة في مصر؟

ماذا يعني أن تكوني فتاة ثلاثينية عازبة في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 30 يونيو 201703:12 ص

تهرول سريعآ عائدة للبيت من عملها الأول، تأكل وتحصل على قسط من الراحة، ثم تغير ملابسها لتذهب إلى عملها الثاني. روتين يومي لهالة محمد (36 عاماً)، يلازمها منذ سبع سنوات، حتى أنها لم تعد تشعر به.

 هالة، واحدة من آلاف البنات الثلاثينيات العزباوات في مصر، اللواتي يتعرض يومياً للعديد من الضغوط المجتمعية والأسرية، لأنهن لم يتزوجن بعد. تسكن هالة مع أسرتها المكونة من أم وشقيقين وشقيقة في مسكن بسيط بحي شعبي وسط القاهرة. "بايرة هي الكلمة إلي دايماً بينادوني بيها"، بدأت هالة حديثها لرصيف22، وقالت: "توفي والدي منذ فترة، فتغير الوضع داخل أسرتي. لاحظت أن والدتي تميل لمعاملة شقيقيّ معاملة مختلفة عن معاملتها لي ولأختي. ورغم أنني وشقيقتي مستقلّتان مادياً، وهما لا يعملان، تسمح لهما بابتزازنا عاطفياً ومادياً، فأخي الصغير يجبرني على أن أعطيه مصروفاً يومياً، وإذا رفضت ينعتني بألفاظ نابية إضافة إلى معايرتي بعدم الزواج ومناداتي بعانس وبايرة". 

واحدة من أكبر المشاكل التي تقابل البنات داخل غالبية الأسر المصرية هى أن ذويهم يرفضون استقلالهن خارج الأسرة

 تستطرد هالة: "أعمل في وظيفيتين، صباحاً في جهة حكومية ومساءً في مكتب صغير، وأدخر جزءاً كبيراً من مرتبي لتجهيز متطلبات الزواج، لكن أسرتي لا تساعدني على ذلك". تسكت هالة قليلاً، ثم تقول: "أنا عارفة أن الوضع صعب، لكن ليس لدي خيار، فلا أستطيع ترك أسرتي والعيش بمفردي، أسكن في منطقة شعبية ترفض فكرة استقلال الفتاة، والعيش بمفردها، وترى من تفعل ذلك فاسقة، كما أن شقيقيّ لن يدعاني أفعلها".
 واحدة من أكبر المشاكل التي تقابل البنات داخل غالبية الأسر المصرية هى أن ذويهم يرفضون استقلالهن خارج الأسرة، أو العيش بمفردهن قبل الزواج. حالة هالة ليست الوحيدة، وتتشابه مع الكثير غيرها من البنات التي شاء القدر لهن أن لا يتزوجن ويعشن في مجتمع يرفض ذلك. فالثلاثين كما هو متعارف، هو العمر الذي تبدأ فيه مرحلة النضج وزيادة الوعي لدى الأفراد، نساء كانوا أو رجالاً، لكنه تحول لخوف في المجتمع المصري للسيدات، لما يمثله من وصمة تلتحق بهن إذا كن غير متزوجات.

 سارة سابا (30 عاماً)، مدرّسة تختلف عن هالة في المستوى الاجتماعي والثقافي للعائلة، لكنها لا تختلف عنها كثيراً في ما تواجهه من ضغوط داخل الأسرة، وإن قلت حدتها. تقول سارة في حديث لرصيف22: "المستوى الاجتماعي لا يمثل فارقاً هنا، فرغم أنني من أسرة ذات مستوى اجتماعي جيد وعلى قدر من الثقافة والتعليم، لكنهم يرون أن عدم زواجي حتى الآن أزمة ويتحدثون دومآ عن رغبتهم في رؤية أحفادهم قبل وفاتهم". تضيف: "كلمة عقبالك تلازمني في الأفراح والمناسبات الخاصة بعائلتي، من الذين يرون عدم ارتباطي بعدُ أولوية من أولياتهم وأزمة عليهم حلها، ويحاولون دوماً ترتيب مواعيد مع أشخاص صالحين للارتباط وإقناعي بأهمية الزواج الآن".

"بايرة" كلمة تعاير بها الفتاة التي تتخطى الثلاثين من دون أن تتزوج في مصر!
نساء لا يرغبن في الزواج وأخريات لم يجدن الشريك المناسب بعد... كيف يعشن خياراتهن في مصر؟
ورغم أن الزواج ليس من أولويات سارة كما توضح، وأن لديها أشياء أخرى ترغب فيها، فإن أسرتها ترفض ذلك. وتوضح سارة: "مجرد التفكير في عدم الزواج، أمر لا تتقبله أسرتي وترى أنه مجرد شيء سأتخطاه مع الوقت". الضغط على سارة في الزواج بدأ قبل الثلاثين كما تقول، لكنها لم تغير وجهة نظرها بسبب ذلك.

وتؤكد: "الزواج ليس على رأس قائمة رغباتي في الوقت الحالي، فأنا سعيدة بكوني غير مرتبطة أو حتى في علاقة حب لا زواج". رغبة العائلات المصرية فى رسم الحياة لبناتها على طريقتها الخاصة هي المشكلة التي تقابل سارة، لكنها تتغلب عليها بعدم السماح لأحد بالتدخل في أمورها الخاصة. عبارات مثل "ألا ترغبين في إنجاب أبناء؟ ألا ترغبين في شريك حياة؟"، اعتادت سماعها ولا تؤثر في قراراتها.

تشير إحصاءات غير رسمية إلى أن 13 مليون شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 عاماً لم يتزوجوا، منهم 2.5 مليون شاب و11 مليون فتاة. نظرة المجتمع للبنت غير المتزوجة لا تقتصر فقط على ضغوط الأسرة أو الأقارب، لكنها تمتد إلى زملائها في العمل كما توضح عفاف علي (33 عاماً) في حديث لرصيف22: "أرسم لنفسي خطة واضحة فى العمل والحياة تتلخص في ضرورة أن يكون لي مشروعي الخاص وتطوري المهني دون الاعتماد على أحد. لذا يثق بي غالبية رؤسائي في العمل إضافة إلى أنهم يرون عدم زواجي ميزة، فلن أحصل على إجازات الحمل والرضاعة، كما أنني متفرغة لعملي".

ووفقاً لإحصائية قامت بها الأمم المتحدة عام 2013، فإن 99.3% من السيدات في مصر يتعرضن للتحرش، بكل أنواعه. كريستينا (33 عاماً)، تواجه مشكلة من نوع آخر في عدم الزواج، وهي أن عدداً من صديقاتها أو معارفها يبدأون في البعد عنها خوفاً من أن تسرق أزواجهن. كريستينا ترى أن ما تفعله الأسر المصرية من ضغوط هو تعبير عن اختلاف في الأفكار بين الأجيال، وأنهم ما زالوا لا يتقبلون ذلك بشكل كامل.لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، بل يمتد إلى التحرش أحياناً من بعض المسؤولين، إضافة إلى مصارحتها أن عدم زواجها من الممكن أن يسبب لها أزمة نفسية تؤثر على عملها، ويستخدمون عبارات تشير إلى أن لديها احتياجات عاطفية أو جنسية. وتتذكر ذلك قائلة: "قال لي أحد المسؤولين مرة متخليش هرموناتك تأثر عليكي".

لكن في الوقت نفسه تقدم سن الزواج في مصر وكثرة البنات غير المتزوجات فوق الثلاثين، ساعدا في تغيير نظرة المجتمع لهن باعتبارهن حالات "شاذة"

لكن في الوقت نفسه تقدم سن الزواج في مصر وكثرة البنات غير المتزوجات فوق الثلاثين، ساعدا في تغيير نظرة المجتمع لهن باعتبارهن حالات "شاذة". مميزات البقاء حتى ما بعد الثلاثين دون زواج تصفها هالة مختار قائلة: "على الأقل أفعل ما أحب عندما أحب"، وأوضحت: "وصولي لسن الثلاثين دون زواج ميزة وليس عيباً كما يراه البعض، فأنا أسافر وأخرج مع أصدقائي بحرية كاملة، دون أن أتقيد بزوج أو أطفال، كما أنني أدخر جزءاً من راتبي للسفر والاستمتاع بدلاً من أن أدخره في دفع مصروفات المدارس لأبنائي".

هالة تتعرض أحياناً كما تقول لضغوط من أسرتها بسبب رفضها الزواج، كما يرتبون لها مواعيد مع رجال جيدين من وجهة نظرهم "زواج صالونات". وهي تعتبر أن تقدمها في العمر جعلها أكثر حكمة ونضجاً، وخلق لديها قدرة جيدة على الاختيار، ومن هو الأنسب للارتباط بها، نتيجة ما تراه من زيجات فاشلة في بيئتها.

تحاول الكثير من الشابات تخطي ضغوط عدم الزواج، وأخريات يخضعن لها، وقد يدفعهن ذلك لاتخاذ قرارات خاطئة، كما فعلت نهى علي (37 عاماً)، التي لم تتحمل ضغوط المجتمع والأسرة وقبلت الزواج من رجل يكبرها بـ15 عاماً، ولديه خمسة أبناء. تقول: "تزوجت لأنني مللت الكلام عن عدم زواجي، ولأن لدي رغبة في الإنجاب وكنت على استعداد أن أفعل أي شيء من أجل ذلك". وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغ عدد شهادات الطلاق 199867 عام 2015، مقابل 180344 عام 2014، بزيادة قدرها 19523 حالة بنسبة 10.8%.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image