شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الأفراح الوهمية في مصر: عروس

الأفراح الوهمية في مصر: عروس "مستأجرة" لجمع المال والهدايا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 7 يناير 201701:14 م
كثيراً ما يجتمع المصريون في المناسبات الخاصة، خصوصاً الأفراح، ويعبرون عن مشاعرهم ببعض الهدايا، التي تكون عبارة عن مبلغ مادي "النقطة" كنوع من التكاتف والمساندة للعريس في تكاليف زفافه. لكن في السنوات الأخيرة، ابتكر المصريون طرقاً أخرى للحصول على هذه النقطة.

الحاضر يعلم الغايب

على مشارف القرية أو "المنطقة" يعلق أحدهم لافتة كبيرة: "ادعوكم لحضور مناسبة سعيدة"، ويتم تحديد الموعد بخط عريض في أسفل اللافتة. يفضّل بعض أصحاب الأفراح إذاعة هذا الخبر في ميكروفونات على سيارة "نصف نقل"، تجوب القرية. ولا يكتفي الداعي بذلك بل يقوم بطبع بطاقات الدعوة لإرسالها إلى أصدقائه ومعارفه المقيمين خارج القرية. وتنطلق التجهيزات قبل الفرح بيوم، يركّب عمال "الفراشة" المسرح وفرش "الصوان" بجهاته الأربع. ويذبح صاحب الفرح "العجول"، وفي الصباح الباكر يستأنف عمال الكهرباء تركيب الأنوار والميكروفونات، وينجز عمال الفراشة عملهم الأخير بفرش "النشارة" على الأرض ووضع الطاولات، التي يراوح عددها بين 500 و700، والكراسي التي يتعدى عددها الـ2000 في الأفراح الكبيرة. ويبدأ الطباخ مهمته باكراً في طهو الطعام وتجهيز الحلوى، استعداداً لتقديم واجب الضيافة للمدعوين.

"بايعين الوهم"

تنصب "كوشة" على أعلى مسرح الفرح، ولكنها فارغة دون عريس وعروس، وعادة يجلس عليها أبناء صاحب الفرح أو أبناء أشقائه وجيرانه، وتشتهر باسم "أفراح الجمعية". وفي بعض القرى، تقام هذه الأفراح بشكل آخر، يقوم صاحب الفرح بافتعال أي مناسبة كخطبة ابنه، الذي لا يتعدى عمره الـ9 سنوات، وهو ما حدث في قرية المعصرة مركز بلقاس محافظة الدقهلية، أو يقوم بتبني أي عروس من قريباته، وإقامة فرحها على اسمه ليجمع "النقطة". لكن مؤخراً، بدأ البعض باستقطاب فتيات من خارج القرية، وتقديم الفتاة على أنها العروس، وأنها ابنة أحد الأقارب، وفي هذه الأفراح تقام الكوشة خلف المسرح وتجلس بها هذه العروس التي تم استئجارها. قالت "أم محمد" المرأة الخمسينية، وهي تاجرة ملابس تسكن "البدرشين"، لرصيف22: "أقام جارنا فرحاً وقدم العروس على أنها ابنة خالته، وقمنا جميعاً بتقديم النقطة، وبعد فترة شاهدتها أنا وجارتي تبيع مناديل في أحد المواقف، وقلت لها إنت عبير ابن خالة جارنا، فقالت: لا أنتي بتشبهي علي، وأنكرت أنها هي".
من 5 آلاف إلى 500 ألف دولار، المبلغ الذي قد يجنيه البعض من الأفراح الوهمية المخصصة لجمع النقوط والهدايا
أنت مدعو اليوم للوهم... ادفع اللي عليك
أما قرية "طحا"، فشهدت فرحاً مزيفاً بطريقة أكثر ابتكاراً، إذ دعا أحدهم الناس إلى "فرح" بمناسبة طهور طفله، ليجتمعوا في اليوم المحدد، ويقدموا له النقطة، لتكشف إحدى نساء عائلته بعد ذلك، أن طفله خضع لعملية الطهور منذ عام، وأنه افتعل ذلك لجمع النقوط من أهالي القرية فقط، لشراء قطعة أرض، فافتضح أمره، ولكن دون جدوى، إذ كان قد أخذ الأموال.

النبطشي

على خشبة المسرح يقف شاب ثلاثيني ممسكاً بالميكرفون وبصوت عالٍ يعلن انطلاق الفرح ببعض الجمل مدحاً في صاحب الفرح وعائلته. يطلق عليه "النبطشي"، ويجاوره رجل يلازمه حتى نهاية الفرح، وفي يديه قلم ودفتر النقطة، ومهمته تسجيل المبالغ التي يتم تحصيلها، وتسجيل أصحابها. وفي الأفراح الكبيرة يكون هؤلاء "صبيان" لمتعهد جمع النقطة، وفي الأفراح المتوسطة والصغيرة، يقوم بهذه المهمة النبطشي فقط، بمساعدة صاحب الفرح. هناك صفات لا بد من توافرها في "النبطشي"، لينجح في مهمته، ويجذب الحاضرين لدفع الأموال، مثل خفة الدم وسرعة البديهة في مدح كبار المدعوين، وأصحاب الفرح بعبارات خاصة، منها ما يتردد داخل الشارع المصري وأخرى من ابتكاره. ومن أشهر العبارات التي يرددها النبطشي: "وصل، وصل.. أفندينا وصل"، "قولنا نوجب بالواجب واللي ياكل بتاع الناس بكره الناس تاكله"، "نقطة طايرة حايرة من الملك"، "تحية من أغنى أغنياء مصر"، "اللي عايز يصيت ما يرجعش يعيط"، "فوق فوق دماغنا من فوق".

"الحشيش والبيرة على شرف استقبالك"

ما أن يبدأ المدعوون في التوافد على "صوان" الفرح، يكون "الحشيش" و"البانجو" فى انتظارهم. يقوم "مسؤول الحشيش" بتوزيع السجائر المحشوة بالبانجو، وقطع الحشيش على المدعوين، وزجاجات البيرة. وتنتهي مهمته حين يبدأ الجميع في الانسحاب من الفرح، وتصبح الطاولات فارغة.

راقصات وفرق موسيقية وإيحاءات جنسية

تحيي الفرح فرقة موسيقية بقيادة فنان شعبي غير معروف، يغني المواويل والأغاني الشعبية، وعلى صوته الغليظ في كثير من الأحيان ونغمات فرقته، تتراقص الراقصات، اللوتي تتراكم الشحوم على أجسادهن، ويمتاز رقصهنّ بعدم التناسق. وغالباً يكون عبارة عن مجموعة من الحركات المثيرة، والإيحاءات الجنسية المباشرة للمدعوين، الذين تنفلت أفعالهم بعد تناول واجب الضيافة، من خمور ومخدرات، لتحفيزهم على الصعود على المسرح بجوارهن، واشتعال حرب النقطة. ويقوم بتأمين هذه الأفراح أصحابها، فيستغل المدعوون عدم وجود قوات أمن ويفعلون كل ما يروقهم، من شرب الخمور وتعاطي المخدرات.

الليلة الواحدة مليون جنيه

يجمع صاحب الفرح بين 100 ألف (5500 دولار) و200 ألف جنيه (11000 دولار) في الليلة، لكن في بعض القرى، تصل النقطة أحياناً إلى مليون جنيه (ما يقارب 55000 دولار)، كما أكد محمد رجب، الشهير بـ"ريكو"، متعهد جمع النقطة، لرصيف22. يشتهر ريكو في ضواحي الجيزة، وأفاد أن الأفراح نوعان: الأول يقيمه التجار، وهو النوع الأكثر شيوعاً، وتكاليف الفرح فيه تتعدى الـ250 ألف جنيه (13 ألف دولار). والنوع الآخر، هو أفراح الفقراء، فمنهم من يريد أن يشتري "تاكسي"، وسيدة تريد أن تزوج ابنتها، فتقيم فرحاً صغيراً، لا تتعدى تكاليفه 10 آلاف جنيه، ويكتفي بالفواكه في الضيافة ومحصلة هذا الفرح من 20 ألف إلى 50 ألف جنيه فقط. يضيف ريكو أن محاسبته تتم وفقاً لاتفاق بينه وبين أصحاب الفرح على نسبة معينة وفقاً للمبلغ، الذي يتم تحصيله بعد فصل تكاليف الفرح منه. ويقول الباحث مسعود شومان، رئيس تحرير سلسلة الدراسات الشعبية: "النقطة فكرة قديمة جداً، ومن الموروث لدى المصريين، كنوع من الدعم الاجتماعي في الأفراح لأسرة جديدة تتكون. بينما الأفراح المزيفة حديثة على المجتمع المصري، بدأت في الظهور منذ 15 عاماً، وحولت النظرة إلى الفرح نظرة اقتصادية. وتعتبر جمعية يقبض منها كل من يأتي دوره ببناء منزل جديد، أو شراء قطعة أرض، أو افتتاح  مشروع جديد". على الرغم من أن هناك من يدعم إقامة هذه الأفراح ومن يعارضها بشدة، فإنها ما زالت موجودة، والحالة الاقتصادية السيئة التي يمر بها قطاع كبير من الشعب المصري، تفرض استمرار هذه الظاهرة، وغيرها من الظواهر، التي ليس لها علاقة بالتراث والعادات والتقاليد المصرية الأصيلة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image