تسير السيارة الفضية اللون بثقة، تحيطها الحقول الخضراء التي زرعها فلاحون مهرة. يحاول قائد السيارة أن يتغلب على المطبات، فالطريق هنا غير ممهد، مثل غالبية الطرق خارج القاهرة.
تتوقف السيارة، ينزل منها الشاب المصري "هيثم السيد"، يقترب أطفال القرية منه، فهم يعرفون سيارته جيداً. يبدأ صاحب "عربة الحواديت" مهمته، يقص عليهم حكاية جديدة، فتشرئب إليه الأعناق، وتظهر الدهشة على عيون الأطفال.
نجح هيثم السيد صاحب مبادرة عربية (عربة) الحواديت، في توزيع أكثر من 18 ألف كتاب مجاني على أطفال 65 قرية من قرى مصر. يفعل هيثم ذلك من دون دعم حكومي من أي نوع، يحركه إيمانه بأن كتاباً في يد طفل يقدر على تغيير المجتمع للأفضل، ويقلل من التطرف والتعصب. كما يحركه واقع أن أطفال غالبية القرى المصرية الفقيرة، لا يقرأون سوى الكتب المدرسية. فهذا خطأ كبير، بالنسبة إليه، كان يجب أن يصححه شخص ما، وقرر أن يكون هو ذلك الشخص.
يعمل هيثم مدرساً للغة الإنجليزية في إحدى مدارس محافظة الشرقية، ويكتب قصصاً للأطفال، آخرها قصة "كنز العمة مسرورة"، الصادرة عن دار أصالة للنشر ببيروت. يقول الشاب المصري لرصيف22: "في هذه البلد، أنت في غياهب النسيان، وبعيد كل البعد عن الاهتمام الحكومي، ما دمت تعيش خارج القاهرة. الخدمات الأساسية شبه معدومة، فما بالك بما يعتبره المسؤولون الحكوميون في مصر رفاهية، ليس من حقك أن تشارك في أي أنشطة ثقافية، إذ ليس للسينما مكان على خريطة قريتك. وأن تذهب إلى مسرح وتشاهد مسرحية فهو حلم لك وكابوس للمسؤولين. أن تنضم إلى فرقة كورال أو مرسم لتتعلم فيه الرسم، فهذا خيال علمي. باختصار شديد، كل ما تعتبره الحكومة رفاهية هو غير متاح في القرى الفقيرة".
14956019_1537401446275338_7342458486584856689_n
بحسب تقرير حديث لمنظمة العمل الدولية، هناك 1.5 مليون طفل عامل في مصر، وتعد القرية التي يعيش فيها هيثم نموذجاً جيداً لهذا التقرير. فهو يعيش في قرية دوامة، التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية، في دلتا مصر، يعيش أهلها على الزراعة، وبعض الصناعات الخفيفة، كصناعة الأقفاص من سعف النخيل. تحوي القرية مدرستين فقط، واحدة ابتدائية والأخرى للمرحلة الإعدادية. وقد لاحظ هيثم أن غالبية أطفال القرية يعملون في مهن أهاليهم نفسها تقريباً. يستيقظون فى الصباح الباكر، يتوجهون بصحبة أهاليهم إلى الحقول للعمل في الزراعة، وحين تأتي الساعة الثامنة صباحاً، يتوجهون إلى مدارسهم. بعد انتهاء الدراسة، تنتظرهم أعمال أصعب لا تناسب أعمارهم. لا يهتم أهالي القرية بأن يقرأ أطفالهم، فالبحث عن لقمة العيش يأخذ كل وقت ومجهود. يضيف هيثم: "حين أحدث التلاميذ عن الكتب والثقافة ينظرون إلي وكأنني قادم من كوكب آخر، عيونهم متعبة من العمل بجانب الدراسة، والأزمات المعيشية التي تعصف بأهاليهم تجعلهم غير مهتمين بشراء كتب لهم".
12744333_1225585427470072_6809963665905329342_n
بدأ المشروع يكبر، وانضم لهيثم فريق من المتطوعين. وتبرعت مكتبة مصرية ودار نشر بـ4 آلاف كتاب. يرفض صناع المشروع أي دعم مادي من أي جهة، يرحبون فقط بالكتب والمجلات. وعلى عكس المؤسسات الحكومية التي لم تهتم بدعم الفكرة، تحمس المعهد الثقافي الألماني "غوتة" Goethe Institute لعربة الحواديت، وجهزوا سيارة كبيرة عليها رسوم أطفال، وكلفوا فناناً أدائياً هو هيثم شكري، الذي يمتلك أيضاً مهارة الحكي، لمساعدة هيثم في الأنشطة الكبيرة.
حتى هذه اللحظة، زارت عربة الحواديت أكثر من 65 قرية، وحصل نحو 18 ألف طفل على كتب. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حظي وسم #ادعموا_عربية_الحواديت باهتمام مستخدمين قرروا أن يتبرعوا بكتب دعماً للفكرة.
رحلة هيثم سيد بعربته الممتلئة بالحواديت كشفت إهمال الحكومة المصرية لعشرات القرى المصرية بشكل عام، ولأطفال تلك القرى بشكل خاص، وأظهرت أسباباً جديدة لانتشار التطرف في المجتمع المصري. لكنها أوضحت في المقابل أن فكرة بسيطة يمكن أن تصنع الفرق.
لا يتوقف قائد عربة الحواديت عن الحلم، فرحلته المقبلة ستكون إقامة مركز ثقافي قروي متكامل، يضم مسرحاً ومكتبة وقاعة موسيقى ومرسماً. هدفه خدمة أطفال القرى الفقيرة. فهل ينجح هيثم وسط روتين حكومي وغياب الحماس للعمل الأهلي؟ سنرى.

حصل نحو 18 ألف طفل، في أكثر من 65 قرية مصرية، على كتب، وكله بفضل اصرار شاب و"عربة حواديت"
"لا تتعب نفسك، الأطفال الفقراء سيبيعون الكتب ويشترون بثمنها طعمية ليأكلوها".. أثبت هيثم السيد وعربته المتنقلة العكس
من هنا البداية
بدأت الفكرة حين أوقف هيثم سيارته على جانب الطريق، منتظراً شخصاً، قضى وقت الانتظار في قراءة مجلة أطفال كان اشتراها لطفلته. وفجأة أطل رأس طفلة من نافذة السيارة تشاركه تصفح المجلة، وتسأله "ما هذا الشيء"؟ أخبرها بابتسامة على وجهه أنها مجلة أطفال، لكن في داخله كان حزيناً. طفلة تقريباً في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي ولا تعرف أن هذا العالم به ما يطلق عليه مجلات أطفال؟ حاول هيثم أن يبسط لها فكرة المجلة. شرح لها أنها تشبه الكتاب المدرسي، لكنها ممتعة أكثر لأنها تحوي صوراً جميلة وقصصاً مشوقة. أعطاها المجلة هدية، سعدت الطفلة بها، حدثت اصدقاءها من أطفال القرية عن "الرجل صاحب السيارة الذي أعطاني مجلة أطفال هدية". وجد هيثم مجموعة من الأطفال يتوجهون نحوه: "نحن أيضاً نريد مجلات جميلة". يومها، قرر هيثم أن يصبح فعلاً الرجل الذي يعطي الأطفال كتباً ومجلات. في اليوم نفسه، الذي حدث فيه هذا الموقف، جلس هيثم في منزله يضع خطة عمل للمبادرة. قرر أن يجمع كتب أطفال ليوزعها مجاناً على أطفال قريته كبداية. احتاج هيثم لبعض الوقت حتى نجح في جمع نحو 900 كتاب ومجلة. يتذكر: "وقتها كتبت منشوراً على صفحتي الشخصية على فيسبوك، أشرح من خلاله فكرتي، وأطلب من الناس التبرع بالكتب. لكن بعض التعليقات كانت محبطة: وزع عليهم خبزاً ولحماً أفضل، لا تتعب نفسك، الأطفال الفقراء سيبيعون الكتب ويشترون بثمنها طعمية ليأكلوها". لكن ذلك لم يحبطه، بل على العكس، جعله يفكر بطريقة عملية، ماذا يفعل ليضمن أن الأطفال سيقرأون الكتب والمجلات؟ يوضح: "بدأت أوزع القصص على الأطفال، وقلت لهم إنني سأحضر مرة أخرى وسأطلب من كل واحد منهم أن يحكي لي ما تعلمه من قصته، وإذا نجح في ذلك فسأعطيه قصة جديدة. شجع هذا الأطفال على الاهتمام بقراءة القصص، وفي زيارتي الثانية للمكان نفسه، حكى لي كل طفل قصته، وقال لى أحدهم إنه مستعد لتسميع كل صفحة في المجلة في مقابل أن يأخذ مجلة جديدة". حينذاك، شعر هيثم أنه يسير في الطريق الصحيح. إذاك قرر ألا يكتفي بتوزيع الكتب وأن يحكي بصوته قصصاً للأطفال. يقول: "كان رد الفعل شديد التأثير، فوجدت الأطفال يتجاوبون ويفرحون وتؤثر فيهم الحكايات، ويصغون إليها باهتمام شديد". أصبح الحكي جزءاً من المشروع، وصار صوت هيثم مرادفاً للمتعة في قرى مصر الفقيرة.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.