بحسب تقارير حقوقية عدة، فإن حرية التعبير في مصر تراجعت بدرجة غير مسبوقة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يمكن اختصار رؤيته لحرية التعبير في جملة شهيرة رددها منذ سنة تقريباً، في نوفمبر العام الماضي. حينها تحدث عن عدم رضاه عن الإعلام وانتقده قائلاً "ما يصحش كدة" (لا يصح ذلك). ورغم وجود مئات التفاصيل الساخرة في مصر مؤخراً، يقف بعض رسامي الكاريكاتير المصريين عاجزين عن توثيقها في رسوماتهم لأسباب مختلفة. رصيف22 في رحلة للتعرف على واقع الكاريكاتير في مصر السيسي.
السيسي لا يحب النقد
أمام مكتبه، يجلس رسام الكاريكاتير المصري محمد قنديل الشهير بـ"أنديل"، محاولاً إنهاء رسمته الجديدة التي سينشرها على موقع مدى مصر، الذي يعمل فيه. يترك الرسمة جانباً، ويتحدث لرصيف 22: "نعيش واحدة من أسوأ الفترات في تاريخ مصر على مستوى حرية الصحافة وحرية التعبير". ويشرح: "الرئيس السيسي بكل تأكيد لا يحب النقد ويرفض الضغوط التي يمارسها المحكومون على حكامهم. ورسام الكاريكاتير من المفترض أن يساهم في بلورة الرأي العام والتعليق على أسباب عدم ارتياح الناس، سواء لأسباب سياسية أو اجتماعية. ولكن كلما زاد التضييق على حرية الرأي، يعمل رسام الكاريكاتير وهو يشعر بالخطر والتهديد، فتتأثر نوعية إنتاجه الفني". يؤكد أنديل أن هناك تضييقاً حقيقياً يُمارس على رسامي الكاريكاتير في مصر. ويضيف: "نعم هناك تضييق وقد شاهدنا كيف تم القبض على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش من مكتبه والتحقيق معه في فبراير الماضي" (نفت السلطات المصرية وقتها أن القبض على جاويش تم لأسباب لها علاقة بعمله الفني، بل لإدارة موقع خاص به من دون ترخيص). ولكن بحسب أنديل، تشير نوعية الأسئلة التي وجهت لجاويش حينها إلى أن الأمر هدفه توجيه رسالة لكل رسامي الكاريكاتير، مفادها: "نحن هنا". لكن في ظل هذه الظروف، هل يصنع رسام الكاريكاتير سقفاً ليحمي نفسه؟ يجيب أنديل: "كل رسام لديه إستراتيجية للتعامل مع الوضع الراهن، وحين يلتحق الرسام بأي وسيلة إعلام، يكون مدركاً بالضرورة لسقف الحرية المتاح، لكنه يحاول معظم الوقت رفع هذا السقف بشكل تدريجي. في الوقت نفسه، الرسام مهما كانت درجة الحرية التي يتمتع بها يضع لنفسه سقفاً شخصياً مبنياً على علاقته بالجمهور، وإلى أي مدى يريد صدمهم. أحياناً يكون عندي أفكار صادمة، تتناول موضوعات جنسية مثلاً أو دينية، لكنني لا أقوم بتنفيذها لإحساسي أن الجمهور سيفهمها خطأ". في تجربته مع صحيفة "المصري اليوم" المستقلة، وأثناء حكم الإخوان، نشر أنديل رسومات تنتقد حكم الجماعة، لكن بعد سقوطهم، لم ترحب الصحيفة برسوماته المنتقدة للنظام الجديد. يقول أنديل: "رفضت عدة رسومات لي وشعرت أنه غير مرحب بي في فترة أُحادية الصوت والطابع والطعم والرائحة، ففضلت الانتقال إلى مكان متسق مع توجهاتي واختياراتي السياسية أكثر، واليوم تخرج أعمالي من منصة مستقلة مختلفة هي مدى مصر".رئيس التحرير ضد الكاريكاتير
في أحد مقاهي وسط القاهرة، جلسنا مع رسام الكاريكاتير أحمد كامل، الذي يستمد أفكار رسوماته من حوارات المصريين في كل مكان. يؤكد كامل أن الصعوبات ليست دائماً من النظام الحاكم فقط. يضيف: "لا نواجه تضييقاً من السلطات فقط، ولكن أيضاً من رؤساء التحرير، الذين لا يريدون أن يغضبوا النظام أو قراءهم الوطنيين". ويشير إلى أن المشكلة الأكبر هي أن غالبية رؤساء التحرير الحاليين ينظرون إلى الكاريكاتير على أنه وسيلة للسخرية والإضحاك فقط، أو لتمجيد الرئيس. وهذا يحدث في صحف حكومية وخاصة. يختلف الأمر كثيراً عندما يكون رئيس التحرير متفهماً لأهمية ودور الكاريكاتير، وتكون مساحة الحرية أكبر". ويضيف: "أحياناً أشعر أن التضييق الحقيقي يكون من وسيلة الإعلام نفسها، التي تتطوع لأسباب ما لكسب ود النظام".رغم وجود مئات التفاصيل الساخرة في مصر مؤخراً، يقف بعض رسامي الكاريكاتير المصريين عاجزين عن توثيقهايلفت كامل النظر لمشكلة أخرى تواجه رسامي الكاريكاتير في مصر، وهي عدم الاهتمام بدفع أجور مناسبة للرسامين. ويوضح: "بعض الصحف تتعامل مع الكاريكاتير حالياً على أنه غير مهم، وهذا يصيبنا بإحباط حقيقي". منعت لكامل عدة رسومات خلال عمله في أماكن مختلفة. يحكي لرصيف22: "في عهد السيسي منعت إحدى الصحف الحكومية رسومات لي، منها رسم ساخر من اقتراح السيسي الشهير "صبح على مصر بجنيه". تكرر الأمر مع رسومات أخرى. كل الأماكن لا ترغب في إغضاب النظام، لكنني مثل أي رسام في مصر حالياً، أحاول التغلب على تلك الرقابة بذكاء، وباستخدام ورموز غير مباشرة معتمداً على ذكاء المتلقي".
ترسم ضد السيسي؟ إذاً أنت خائن
يتناول خضر حسن قهوته، ويبتسم قبل أن يقول: "التخوين أصبح صعوبة جديدة تضاف لقائمة من الصعوبات". يشرح: "بعض المتعصبين للسيسي يخوّنون كل من ينتقد النظام برسمة ساخرة، وكأن الكاريكاتير دوره هو التمجيد وليس السخرية، هم يعتبرون أن أي نقد أو رسم ساخر عن الرئيس أو حكومته هو إهانة لهيبة الرئيس، وتقليل من إنجازاته، وأحياناً اتهام بهدم الدولة والتحريض وزرع مناخ تشاؤمي لدى الناس". يضيف حسن أن غالبية المؤسسات الصحفية تعتبر الكاريكاتير مجرد أكسسوار يمكن الاستغناء عنه. وترى أنه يفتعل مشاكل مع النظام لا داعي لها، إذ تضر رؤساء هذه المؤسسات، لذلك يتعامل كل رئيس تحرير مع رسام الكاريكاتير بحذر شديد وكأنه عدو له". وفي ما يتعلق بالتضييق على رسامي الكاريكاتير في عهد السيسي، يرى حسن أن التضييق موجود بتفاوت من مكان إلى آخر، خصوصاً إذا كان الكاريكاتير يتعلق بنقد صريح لشخص السيسي، أما الحكومة فـ"خبط فيها زي ما تحب". يضيف حسن: "هناك رسامون لا يضعون لأنفسهم سقفاً ويرسمون ما يؤمنون به، وما ينشر ينشر وما يرفض يرفض. فالبديل للمرفوض هو الفايسبوك. وأحياناً يكون انتشار الرسمة الممنوعة أسرع والتفاعل معها أقوى من الجريدة أو الموقع. يعتبر حسن أن لكل مطبوعة سقفها الخاص، ولكن "من يضع هذا السقف ليس النظام، بل إدارة المطبوعة كمجاملة للنظام ولنيل رضاه، أو للاستفادة بأشكال مختلفة منه". ويشير إلى أن الصحف الخاصة أصبحت تتكلم بلسان النظام ربما أكثر من الصحف القومية، ويمكن إرجاع ذلك لشراء هذه المؤسسات الصحفية من قبل أشخاص يدعمون هذا النظام". يرفض النظام المصري الحالي أي اتهامات بأنه مُعادٍ لحرية التعبير، لكن منظمات حقوقية تؤكد أن الانتهاكات لحرية التعبير لا تتوقف. وبين الموقفين يحاول رسامو الكاريكاتير في مصر التعبير عن أنفسهم برغم كل شيء.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...