يترك التمييز العنصري انعكاساته السلبية في لاوعي المتلقي، وغالباً لا تعبّر عنه الكلمات. هذا ما يشعر به ذوو البشرة الداكنة تجاه بعض الأعمال السينمائية، التي تستخدمهم مادةً للسخرية.
ترسيخ لمواقف سلبية
يشير دكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في القاهرة، إلى أن الثقافة المصرية تحوي بعض الكلمات، المباشرة وغير المباشرة، التي تميز سلباً ذوي البشرة الداكنة من سواهم. ويتم ترديدها في الأفلام، للتقرب من الفئات الأكثر شعبية، وإحداث صدى أكبر للعمل. ويؤكد لرصيف22 أن هذه الفكرة جرى ترسيخها مسبقاً، بعد تكرار ظهور شخصية حارس العقار دائماً ببشرة داكنة. واستمرت الأفلام منذ الستينيات على هذا الوضع، حتى تم تأكيد هذا النمط لدى العامة، فترسخت الصورة الذهنية لدى الغالبية، أن حارس العقار شخص "أسمر" يتحدث اللهجة النوبية. ويضيف: "الناس تعودت على بعض الصور النمطية، التي استقبلوها من وسائل الإعلام المختلفة، وهذا صعب تغييره بسهولة، لأن بعض المشاهد في السينما تعيد إنتاج المواقف السلبية في المجتمع وتؤكده". وبالرغم من توقيع مصر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية، فإن المواد التي تتضمنها الأفلام، والتي يحسب البعض أن تقوم على تمييز عرقي، مستمرة منذ أربعينيات القرن الماضي، ومنها:علي بابا والأربعين حرامي
بعد أن فشل علي الكسار في بيع الخشب، توبخه زوجته وتقول: "كويس كدة أهو لسة الواد مجاش لحد دلوقتي، ومين عارف جراله أيه، مبسوط بوشك الأسود دا".شمس الزناتي
خلال تجمع فرقة شمس الزناتي (عادل إمام)، يسخر سبرتو (مصطفى متولي) من لون بشرة سامبو (علي عبد الرحيم) الداكنة. ويقول له: "عارف ياض يا سامبو، لو الشغلانة اللي عايزنا فيها الزناتي دي في كحل الليل، هتطلع إنت البريمو، بس أوعى تضحك كده لتنور وتكشفنا، وتبقى ليلتنا طين".
صعيدي في الجامعة الأمريكية
يعتبر من أكثر الأفلام التي ميزت ضد أصحاب البشرة الداكنة. فخلال وجود بطل الفيلم خلف الدهشوري "محمد هنيدي" مع إحدى بائعات الهوى سمارة، تقوم بإطفاء النور، فيقول لها هنيدي: "بتطفي النور ليه ما أنتِ مضلمة خلقة". وبعد لحظات أُعلن من خلال سماعات مسجد، خبر وفاة أحد الأشخاص، فقال هنيدي "الولية ماتت من وشك الأسود".اللي بالي بالك
احتضن اللمبي "محمد سعد"، طفلة صغيرة ببشرة دكناء، وقبّلها ظاناً أنها ابنته، فقالت له زوجته: "رياض دي مش بنتك"، ليرد قائلاً: "آه ما انا قولت كدة، إنتي بيضة وأنا أبيض إزاي نخلف صباع العجوة دا". وفي مشهد أخر، يتغزل اللمبي بزوجته قائلاً: "إيه الشمس اللي منورة الدنيا دي"، ليجد فجأة أحد العاملين في المنزل، داكن البشرة، يقف خلفه، فيقول: "إيه الليل اللي هجم ده".عيال حبيبة
يذهب عيد (حمادة هلال) وممس (رامز جلال) وبيجامة (محمد لطفي)، في الفيلم إلى جارهم نصر (سليمان عيد)، لطلب بعض العطر، فيسخر جلال من صور عائلة عيد قائلاً: "هي الشقة دي اتحرقت قبل كدة ولا أيه"، ويتابع لطفي: "الصور دي مش كنت تحمضها قبل ما تعلقها". ويزيد رامز ساخراً: "خلاص يا عم نصر ميبقاش قلبك زي وشك"، ويتابع: "متكترش يا عم جلبرتو".قلب جريء
يذهب أحمد عيد ليحقق حلمه في العمل بالسينما، ويتم اختياره ضمن 4 أشخاص للقيام بدور "العبيد". يخبره المخرج أن عليه أن يدهن نفسه باللون الأسود ليؤدي دور "عبد"، فيرد عيد: "عبيد إيه يا أستاذ أنا طموحي أكبر من كده". فيرد عليه المخرج: "مالهم العبيد؟ مش عاجبك تدهن إسود؟ طب ما أنا أسود أهو" ويرد عيد: "ربنا يزيدك يا أستاذ".أفريكانو
في فيلم أفريكانو، بطولة أحمد السقا وأحمد عيد، يكون البطلان في ناد ليلي في جنوب أفريقيا، يقول عيد: "الكهربا قاطعة جوة ولا أيه؟"، تعليقاً على خروج فتيات من أصحاب البشرة السمراء.قوانين الرقابة لا تهتم بالعنصرية
اعتبرت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله أن هذه المشاهد العنصرية في حق ذوي البشرة الداكنة في السينما، ضد الأخلاقيات الإنسانية، وليس ضد الأخلاقيات الفنية. وقالت: "لا يوجد قانون أو نص صريح يمنع أو يجرم مثل هذه المشاهد أو الكلمات في الرقابة الفنية، فهي تهتم بما يتعلق بالدين أو السياسة، حسب كل زمن"."بتطفي النور ليه ما أنتِ مضلمة خلقة"... جولة على أكثر المشاهد تمييزاً في السينما المصرية بحق أصحاب البشرة السوداءوأضافت خيرالله لرصيف22 أن العنصرية لا تندرج فقط على العرق أو الجنس أو اللون، إنما يتم استخدام العيوب الخلقية، سواء كانت ذهنية أو جسدية، ويكون هذا الشخص مادة للسخرية.
هذا ما يشعر به ذوو البشرة الداكنة
قال دكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي: "بعد الشعور بالتمييز أو الوصم العرقي في الأفلام أو الأعمال السينمائية، يتجه المتلقي إلى مسارين، إما أن يشعر بالدونية، وبأنه أقل من الآخرين، وهذا يوثر سلباً على علاقاته مع الدوائر الاجتماعية حوله. أو يلجأ إلى العمليات "التعويضية"، عن طريق التطوّر والتفوق في أي مجال حتى يثبت للآخرين أن لون البشرة ليس عائقاً لنجاحه. وأضاف فرويز لرصيف22: "الأفلام تترك أثراً سلبياً للحظات على المتلقي. لكنها تترسخ في اللاوعي لديه، وتسيطر على تصرفاته على مدى الحياة، طبقاً لكينونته النفسية. فالأمر يكون نسبياً من شخص لآخر. هناك شخص لا يهتم بالتعليقات أو السخرية مِمَن حوله، والبعض الآخر يشعر بالدونية". وعن شعور الأطفال، يقول إنهم أكثر من يتعرض للاكتئاب بعد ظهور التمييز ضدهم في الأعمال الفنية. ويوضح أن الطفل يتجه إلى العزلة، ويحاول الابتعاد عن الأطفال ذوي البشرة البيضاء، كي لا يتعرض لمضايقات، وهذا ما يفقده التركيز في حياته التعليمية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...