نشأتُ في ثلاث دول ذات أغلبية مسلمة - ليبيا والسعودية وباكستان - ووصلتُ إلى أمريكا الشمالية في منتصف العشرين من عمري. بعد استقراري في كندا بعامين، وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وجَّه تسعة عشر مختطِفًا باسم دين والديَّ - 15 منهم يأتون من بلدٍ نشأتُ فيه - طائرات مُحمَّلة بالوقود لتخترق مركز التجارة العالمي، قاتلةً آلاف الناس.
بدأت تبزغ سرديتان متضادتان من الرماد، كما يحدث فيما يخص معظم القضايا في الولايات المتحدة: إحداهما من الاتجاه اليميني، والأخرى من اليسار.
واليوم، في أمةٍ منقسمة أكثر من أي وقتٍ مضى بعد موسم انتخابي مليء بالأحقاد، بلغت الاختلافات أقصى حدَّةً.
الرؤية اليمينية واضحة: نحنُ في حربٍ مع الإرهابيين الإسلاميين. هُم مَن شنُّوها، وعلينا أن نرُدّ. نعرف القاسم المشترَك في هذه المعادلة، كفى لياقة سياسية، علينا الحفاظ على بلدنا آمناً، وإذا كان هذا يعني الفرز النمطي الأمني للمسلمين، أو فرض قيود على هجرة المسلمين، أو حتى «المنع الكامل والتام لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة»، كما اقترح الرئيس المُنتخَب دونالد ترامب العام الماضي، إذًا فليكُن!
يقول اليسار: كلَّا. نحتاج إلى أن نُفرِّق بين الأمور بدقةٍ، ونقرأ تاريخنا بأكمله. يردّ الإسلاميون ببساطة على الفظاعات التي ارتكبتها أمريكا في أنحاء العالم. نحن الإمبرياليون الذين استعمرنا بلادهم ودعسناهم بأحذية المزيج العسكري-الصناعي وبنينا حضارتنا على حسابهم. علينا النظر إلى المظالم الباطنية والأسباب الدفينة التي تقود هذه الأفعال. فـ«أكبر العمليات الإرهابية القائمة» في رأي البطل اليساري نعوم تشومسكي هي تلك التي يقوم بها أوباما.
كلتا هاتين السرديتين مخطئة، إذ تفترض إحداهما أنَّ المسلمين عُنُف بطبيعتهم لأنَّ الإسلام عنيف بطبيعته. بينما تُصوِِّر الأخرى فعل انتقاد الإسلام بأنَّه تعصُّبٌ ضد المسلمين كلِّهم.
الفرق الأساسي الذي يُغفله الجانبان أنَّ الإسلام فكرة، بينما المسلمون أشخاص.
للبشر حقوقٌ وهُم يستحقون الاحترام، بينما ليس للأفكار والكتب والمعتقدات حقوق، ولا تستحقّ هذه الأمور الاحترام. فلا اعتقادٌ مقدَّس، ولكنَّ حقَّنا في الإيمان بما نشاء مقدَّس.
يؤدِّي عدم التفريق بين ما سبق باليمين المتطرِّف إلى شيطنة كل المسلمين بسبب المشاكل الموجودة في الإسلام، وباليسار المتطرِّف إلى التجاهل التام للمشاكل المشروعة مع الإسلام في محاولةٍ جاهدة للدفاع عن المسلمين. وما النتيجة؟ يدعو أحد الطرفين إلى منع المسلمين، ويدَّعي الآخر أنَّ الإرهاب الإسلامي غير موجود.
"لا اعتقادٌ مقدَّس، ولكنَّ حقَّنا في الإيمان بما نشاء مقدَّس"
يدعو اليمين إلى منع المسلمين، ويدّعي اليسار أن الإرهاب الإسلامي غير موجود… كلتا هاتين السرديتين مخطئةأنا ملحد ليبرالي نشأتُ وسط أسرةٍ مسلمة. ولستُ الوحيد، إذ تكشف استطلاعات رأي حديثة عن ملايين الملحدين واللا أدريين العلمانيين في العالم الإسلامي، رغم أنَّك لن تسمع عنهم على الأرجح إلَّا إذا كانوا يتعرَّضون للجلد في السجن، أو الإعدام من قِبل الدولة، أو القتل على يد بعض الغوغاء. وجد استطلاع رأي أجراه ائتلاف الشبكة العالمية المستقلة WIN ومؤسسة غالوب الدولية Gallup أنَّ 19% من الناس في السعودية - مهد الإسلام ومُحمَّد - يُعرِّفون أنفسهم بأنَّهم «غير مؤمنين بالأديان»، وللتوضيح، فإنَّ تلك النسبة في إيطاليا هي 15%. يوضِّح استطلاع الرأي نفسه أنَّ 5% من السعوديين - أي ما يزيد عن مليون شخصٍ - يُعرِّفون أنفسهم بأنَّهم «ملحدون متيقّنون» وهي نفس نسبتهم في الولايات المتحدة. تتزايد أعداد العلمانيين في العالم الإسلامي وهُم مستهدفون بضراوةٍ داخل مجتمعاتهم. ودون شك، لا يخجل هؤلاء المتمرِّدون من أصحاب الفكر الحر - الذين يحاربون من أجل توفير القيم العالمية مثل حرية التعبير والتحرُّر والمساواة لشعوبهم - من انتقاد الإسلام. بل يعرِّضون حياتهم للخطر من أجل فعل هذا، وقد مات الكثيرون بسبب ذلك. فهُم أكثر حلفائكم إخلاصاً. ولكن عندما تفشل في التمييز بين الأيديولوجية التي نحاربها وبين الأشخاص الذين يشكِّلون أُسَرنا وأصدقائنا وأحبابنا، فأنت بذلك تصدّنا. بعدما أعلن ترامب منع المسلمين، شعر فريد زكريا، أحد أكثر الصحافيين الأمريكيين احتراماً في العالم، بأنَّ عليه تبنِّي هويته المسلمة والاعتزاز بها. كتب: «لستُ مسلماً ملتزماً بالشعائر، زوجتي مسيحية، ولم ننشىء أطفالنا على الإسلام. آرائي في الدين معقَّدة، فموقفي وسط بين الربوبية واللاأدرية. ومنظوري علماني تماماً».
لماذا إذاً يتبنَّى لقب "مسلم"؟
وتابع قائلاً: «بينما أشاهد الطريقة التي يُقسِّم المرشَّحون الجمهوريون بها الأمريكيين، أُدرِك أنَّه من المهم الاعتراف بالدين الذي وُلِدت عليه. يُفزعني تعصُّب دونالد ترامب وغوغائيته، ليس لأنَّني مسلم، وإنَّما لأنَّني أمريكي». هل نريد حقّاً أن نُرغِم المسلمين الأمريكيين الوطنيين المندمجين في المجتمع مثل زكريا على الانحصار في تصنيفات قَبَلية في ظل رئاسة ترامب؟ أعظم ما في أمريكا أنَّها تمكِّن الناس من التسامي فوق هوياتهم التي وُلِدوا بها. وينطبق هذا بالتأكيد على المسلمين الأمريكيين. لننظر إلى محمد علي، أو أحمد إرتيجون، مؤسِّس شركة أتلانتك للتسجيلات، والذي عرَّفنا بأصوات راي تشارلز وآريثا فرانكلن وليد زيبلن. أو الكوميديان ديف تشابل. أو الممثِّل عزيز أنصاري، وهو العلماني بصراحة، ولكنَّه حنق على ترامب لاستهدافه المسلمين من أمثال والديه جوراً. إنَّ اختزال الأمريكيين المسلمين الناجحين المجدِّين في أعمالهم في «المسلمين» فقط لا يساعدهم في التسامي فوقها. بل يردّهم إلى التصنيف والغيتوهات والقبَلية، ويُقصي أولئك الذين كانوا ليصيروا حلفاءً لولاه. ينبغي أن نستطيع انتقاد أي فكرة عقائدية بصراحةٍ مع دفاعنا كذلك عن حق الناس في الإيمان بها. لقد ترك فشل اليسار في مخاطبة مشكلة الإسلام السياسي بحقٍّ من موقف قوة أخلاقية فراغاً استغلَّه اليمين «الترامبي» بانتهازيةٍ - وبنجاحٍ - بكل الطرق الخلافية الممكنة، مُقصِيًا بذلك المتمرِّدين الإصلاحيين في العالم الإسلامي، والذين يشعرون بخيانة الليبراليين والمحافظين على حد السواء. يحتاج أولئك الذين يحاربون من أجل الحرية اليوم - أكثر من أي وقتٍ مضى - إلى دعم أولئك الذين يحبُّون الحرية هنا.ترجمة للنسخة الإنغليزية التي نشرت على موقع النيورك بوست New York Post تحت عنوان: ‘Atheist Muslims’ could be the key to defeating Islamic terror للكاتب علي رضوي Ali Rizvi.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com