مايكل فلين (58 عاما) هو جنرال متقاعد خرج من الخدمة العسكرية مبكراً نظراً لخلاف في الرؤى السياسية بينه وبين إدارة أوباما. وبالرغم من أنه لم يفصح صراحة عن سبب إنهاء خدمته وإحالته للتقاعد سنة 2014 بعد 33 عاماً من الخدمة في الجيش الأمريكي، فمن يستمع لخطبه ويقرأ كتبه يدرك بسهولة أنه كان غير راضٍ عن أداء الرئيس الحالي باراك أوباما الذي تنتهي ولايته يوم 20 يناير 2017. هذا هو الرجل الذي اختاره ترامب ليكون مستشاره للأمن القومي.
فلدى فلين خبرة عسكرية واستخباراتية طويلة، إذ حارب في العراق وأفغانستان وتعامل مع الإرهابيين، وله توجهات حازمة في مواجهة ما يطلق عليه "الإسلام الراديكالي" أو بلغتنا العربية إسلام داعش والقاعدة وجبهة النصرة. لا يؤمن فلين بفكرة "الصوابية السياسية" وكانت هي محل الخلاف الأساسي بينه وبين باراك أوباما وتوجهاته.
يحكي في كتابه "ميدان المعركة - كيف ننتصر في الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه" عن حياته وخبرته العسكرية. أيضاً يحكي عن طفولته ويقول إنه كان طفلاً عنيداً ومشاغباً. ثم يتحدث مستشار الأمن القومي لترامب عن إستراتيجيته لمحاربة الإسلام الراديكالي ويلخصها في أربعة محاور أساسية هي:
المحور الأول: تفعيل كل عناصر قوتنا كأمريكيين
يقول مايكل فلين أن على الولايات المتحدة أن تجند كل قواها لمحاربة الإسلام الراديكالي، ويرى أن هذه الحرب ستدوم لأجيال. ويقول إنه قبل أن تتوحد أمريكا وتنظم صفوفها وقواها، لن يتبعها أحد. وهو هنا يشير إلى الانقسام الحاد داخل المطبخ السياسي الأمريكي تجاه هذه القضية، والذي ينعكس بدوره على أجهزة الدولة بما فيها من أجهزة استخبارات ومراكز لصنع القرار. فاليسار الأمريكي دائماً ما يرفض ربط الأرهاب بالفكر الديني المتطرف على عكس اليمين الذي ينتمي له فلين. وهو ما يترتب عليه تبني رؤى مختلفة جداً لمكافحة الإرهاب. فلين يرى أن تنظيم البيت الأمريكي من الداخل هو بداية إستراتيجية الانتصار في هذه الحرب الشرسة. لا يتكلم فلين عن الإسلام عموماً ولكن عن الأيدلوجية الدينية التي تتبعها جماعات مثل داعش والقاعدة. فهو رجل حارب القاعدة في العراق بنفسه، وجند أفراد من القاعدة لصالح أمريكا، بل أنه يحكي أن بعضهم خدعوه وكانوا عملاء مزدوجين يتجسسون لحساب القاعدة والجيش الأمريكي في نفس الوقت. وهو رجل يدرك الفرق بين المسلمين وبين الإسلاميين المتطرفين، ويدرك أن معظم ضحايا المتطرفين هم من المسلمين الأبرياء.المحور الثاني: الاشتباك العسكري مع كل العناصر الإرهابية المسلحة أينما كانوا
يرى فلين أنه يجب الهجوم على كل تنظيم إرهابي موجود على وجه الأرض ولا ينبغي أن تكون هناك أي منطقة آمنة تسمح بانتشار الإرهابيين، فإما قتلهم أو أسرهم. فعلى سبيل المثال، كان مايكل فلين من منتقدي ضعف سياسات أوباما تجاه الملف السوري واليمني ويرى أن أوباما ترك البلدان مرتعاً للأرهابيين. يستطرد فلين ويقول إنه علينا أن نعطي أي دولة تترك للإرهابيين مناطق آمنة خياراً واحداً إما محاربة تلك العناصر، أو أن تسمح للدول المشتركة في التحالف ضد الأرهاب أن تقوم بهذه المهمة. ويتابع: "علينا أن ندرك أن هناك دولاً ستحتاج للمساعدة في التخلص من الحركات الإرهابية المسلحة الموجودة داخل حدودها، وعلينا أن نقدم لها يد المساعدة".هل يكون ترامب ما يحتاجه العالم فعلاً للقضاء على الإرهاب؟
انتخب الأمريكيون رجلاً ينوي تحدي الشيوخ المتطرفين قبل الدواعش، على عكس النهج الذي اعتمده الرئيس السابقربما يفسر هذا احتفاء نظام السيسي بنجاح ترامب. فمصر تعاني من تحدٍ واضح من قبل جماعات إرهابية مختلفة. ووجود ترامب في البيت الأبيض يطمئن الرئيس المصري إلى أن الولايات المتحدة ستمد يد العون في هذه الحرب الشرسة دون أي تحفظات على عكس إدارة أوباما التي ربطت المساعدات العسكرية في بعض الأحيان بالإصلاح الديمقراطي وملفات حقوق الإنسان. فمثلاً بعد 30 يونيو 2013، أجلت أمريكا تسليم أربع طائرات F16 لمصر، مما دفع الإدارة المصرية للبحث عن مصادر أخرى للتسليح والدعم في الحرب على الإرهاب. موقف مثل هذا من الصعب أن يحدث في ظل إدارة الرئيس القادم.
المحور الثالث: مواجهة الدول أو المنظمات التي ترعى أو تمول وتساعد الإرهاب
يقول فلين إنه علينا أن نواجه أي دولة أو أي هيئة تساعد أو تمول الإرهاب بحزم شديد. فإما أن تتراجع هذه الدول عن دعمها أو عليها أن تتحمل عواقب اقتصادية وعسكرية وخيمة، مثل الحصار الاقتصادي أو إيقاف التعاون العسكري معها أو ما شابه. فليس من المنطقي أن نطلق على بعض الدول حلفاء بينما هم يساعدون أعداءنا. وهنا يضرب مثالاً السعودية، ويقول إننا اعتدنا أن نلوم السعودية ودولاً عربية أخرى على تمويلها لبعض الجماعات الإرهابية. فعلينا إما أن نقدم دليلاً واضحاً وقاطعاً لهذا الدعم ونطالب هذة الدول بوقفه فوراً أو أن نتوقف عن هذا اللوم.المحور الرابع: هزيمة الأيديولوجية الفكرية التي يستند إليها الإرهابيون
يؤمن فلين بأن العولمة التي يعيشها العالم اليوم لا مكان فيها لشخص أو جماعة تؤمن بالفكر التكفيري ويدرك أن نهاية الأرهاب تبدأ بتجفيف منابع التطرف الفكري، فالحرب بحسب كلامه ليست فقط بالدبابات والطائرات وإنما أيضاً بالفكر. يقول فلين إن في حربنا ضد النازية والفاشية وفي الحرب الباردة ضد الشيوعية كانت الحرب الفكرية أمراً بديهياً. ولعب المفكرون والأكاديميون دوراً مهماً في هزيمة الأفكار الشمولية، أما اليوم فهناك خلاف على هذا الأمر. ويشير فلين هنا إلى التوجهات السياسية لإدارة الرئيس باراك أوباما الذي كان يعتبر أي نقد يوجه لأي فكر إسلامي مهما كان متطرفاً، أمراً غير صائب سياسياً. لذا كان فلين من مهاجمي فكرة الصوابية السياسية بقسوة على طول الخط. ويمثل الانتقال الحالي من أدارة أوباما إلى أدارة ترامب نقلة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في إدارة ملف الإرهاب، من إدارة ترفض استخدام مصطلح الإسلام الراديكالي وتطلق على الإرهاب مصطلح التطرف العنيف Violent Extremism إلى إدارة تستخدم مصطلح الإسلام الراديكالي Radical Islam وتستخدم مصطلح التطرف Extremism بدلاً من مصطلح التطرف العنيف. هذه التسميات من الممكن أن تبدو وكأنها مجرد مترادفات ولكنها في الحقيقة لها دلالات عميقة في فهم إستراتيجيات محاربة الأرهاب. فإدارة أوباما كانت تؤمن بأن جماعات الإسلام السياسي "المعتدل" مثل الإخوان المسلمين قادرة على احتواء تيارات الإسلام الراديكالي مثل داعش. وبحكم هذه الفرضية كانت أدارة أوباما تتعاون وتستمع لخبراء محسوبين على تيار الإسلام السياسي أو متعاطفين معه، بينما يأخد ترامب أتجاهاً مختلفاً. فترامب يرى أن جماعات الإسلام السياسي مثل الإخوان هي في عداد مكونات المشكلة وليس الحل، وجهة نظر يتفق فيها معه كثير من المفكرين الليبراليين والعلمانيين العرب. ولذا ففلين يصف برامج مناهضة الأرهاب ببرامج مناهضة التطرف ومناهضة الإسلام الراديكالي وليست برامج مناهضة التطرف العنيف، لأنه ببساطة يؤمن بأن التطرف يبدأ من الفكر وليس من إطلاق الرصاص. وهذا ما قاله الرئيس المصري في خطابه أمام شيوخ الأزهر في بداية العام الماضي 2015. هذا الخطاب الذي تحدث عنه مايكل فلين في كتابه بكثير من الأطراء. يومها طلب السيسي من شيوخ الأزهر القيام بثورة في الفكر الديني لمواجهة الأفكار المتطرفة في كتب التراث. وصف فلين السيسي بأنه نموذج ينبغي أن يحتذي به قادة العالم الإسلامي في الشجاعة الفكرية. ويبدو أن الإدارة الجديدة ستنتهج منهجاً مغايراً في مناهضة الأرهاب، منهجاً يدرك أن كتاب مثل "معالم على الطريق" لسيد قطب الذي يأسس فيه لمفاهيم مثل الولاء والبراء وتقسيم العالم إلى دار الحرب ودار الإسلام هو في نفس خطورة امتلاك داعش لأسلحة متطورة. فيبدو أنه بعد ثماني سنوات من إصرار أوباما على أن الإرهاب لا علاقة له بالفكر الديني المتطرف، أنتخب الأمريكيون رجلاً ينوي تحدي الشيوخ المتطرفين قبل الدواعش!رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...