الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعيّن لبنانياً ضمن فريقه الاستشاري. تكفي هذه العبارة عادة ليحتفي اللبنانيون، المأخوذون بمتلازمة الفخر بذاك "الآتي من بلاد الأرز" الذي "رفع اسم لبنان عالياً"، بخبر مماثل... أياً كانت الطريقة التي وصل بها الشخص إلى منصب عالمي من هذا النوع.
لكن اسم "البروفسور وليد فارس" الذي عيّنه ترامب في فريقه، وإن أثار حماسة بعض اللبنانيين والعرب، لم يمرّ مرور الكرام، فللرجل تاريخ حافل بدءاً من دوره القتالي في الحرب الأهلية اللبنانية، مروراً بعلاقاته مع إسرائيل، وصولاً إلى تصريحاته عن الإسلام.
يُعتبر فارس اليوم من أقرب الناطقين باللغة العربية إلى مركز صناعة القرار الأمريكي، لكن هل يكفي ذلك للركون إلى دوره في رسم سياسة أمريكية للشرق الأوسط تكون أرحم من سابقاتها؟ وكيف يمكن تصديق المدافعين عن فارس باعتبار أن الحملة عليه سببها "البغضة بالقرايب والحسد بالجيران" فقط، بينما يذهب بعضهم للقول إن منصباً مماثلاً لا يقدّم أو يؤخر في سيرة "بروفسور عظيم" كفارس، بقدر ما يصبّ في صالح من عيّنه؟
بعيداً عن ذاك الجدل بشأن الموقف من فارس، يمكن العودة إلى سيرته الذاتية وانطلاقته من لبنان مروراً بفرنسا وصولاً إلى الولايات المتحدة، كذلك العودة إلى سنوات عمله مع الكونغرس ومع الجمهوريين وتحديداً مع ميت رومني ثم مع ترامب. حينها يبنى على الشيء مقتضاه، بعيداً عن نظريّة المؤامرة الحساسة تجاه أي دور سياسي مع أميركا، وبعيداً أيضاً عن الأفلام الهوليودية التي تقدّس نجاح الفرد كيفما كان وبأي وسيلة أتى.
بيروت 1957، أمريكا 2016
تبدأ القصة في بيروت العام 1957، حيث أبصر فارس النور في كنف عائلة مسيحية مارونية. ارتاد جامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية حيث درس القانون والعلوم السياسية، ثم حصل على شهادة الماجستير في القانون الدولي من فرنسا، وبعدها على الدكتوراه من جامعة ميامي.حاضر فارس عن تاريخ الشرق الأوسط ولبنان في جامعة القديس يوسف، جامعة الروح القدس في الكسليك والجامعة اللبنانية من العام 1979 إلى العام 1989. وقضى وقتا في معهد اريئيل في القدس كباحث فيه. عمل وليد فارس في المحاماة في بيروت، وبعدها اشتغل بالإعلام واهتم بقضايا مسيحيي الشرق في مطبوعة أسسها حملت اسم "صوت الشرق"، قبل أن يؤسس الحزب الديموقراطي الاشتراكي المسيحي، ثم ينتقل مطلع التسعينات إلى الولايات المتحدة. الانتقال فتح أمامه "باب المجد" الأمريكي. قبل الدخول في السيرة الأمريكية، ثمة فصل بيروتي مهمّ في الحكاية، كان السبب لما وصل إليه فارس اليوم. خلال الثمانينات، أصبح فارس، الذي أيّد رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في انقلابه على أمين الجميّل وإيلي حبيقة، مقرباً من القوات. وجرى تكليفه من الأخيرة بمهمة التثقيف الإيديولوجي لمقاتلي الحزب إبان الحرب الأهلية. سرعان ما أصبح فارس من المقربين لجعجع والمنظرين لتحويل القوات اللبنانية من ميليشيا إلى جيش مسيحي. أتبع ذلك بنظريات تؤيد الفدرالية و"الخصوصية المسيحية". عند دخول السوريين إلى لبنان، علم فارس بأن جهاز استخباراتهم يبحث عنه فغادر إلى الولايات المتحدة. تقول الرواية إن مغادرته حصلت عن طريق إسرائيل. لا إثبات جازم بشأن ذلك، لكن خبر علاقته باسرائيل تكرّر في أكثر من مناسبة. عاش فارس فترة من حياته في فلسطين المحتلة، وخلالها، وتحديداً في العام 1996، قدّم "دراسة" للحكومة الإسرائيلية تحت عنوان "السياسة البديلة لإسرائيل في لبنان"، يشرح فيها آلية الإدارة المثلى لجنوب لبنان من قبل الإسرائيليين. عمل فارس مع "جبهة الدفاع عن الديمقراطيات" الإسرائيلية الانطلاقة والتمويل، كما شارك مع مجموعة "آكت" الموصوفة بالأكثر راديكالية في تطرفها ضدّ المسلمين.الاحتفاء بلبناني في الإدارة الأمريكية بحاجة للتروي، فتاريخ وليد فارس لا يبشر بالخير
لوليد فارس تاريخ حافل بدءاً من دوره القتالي في الحرب اللبنانية، مروراً بعلاقاته مع إسرائيل، وصولاً إلى تطرفه ضد الإسلامويبقى دوره مع "كلاريون فاند"، وهي شركة إنتاج إسرائيلية كانت وصفتها مجلة "ذا أتلانتيك" بـ"الحركة اليهودية الأكثر تطرفاً اليوم"، أكثر وضوحاً. وقد ظهر فارس في فيلمين مع الشركة: "الجهاد الثالث" و"إيرانيوم"، إلى جانب أفلام عديدة تابعها، منها ذاك الذي يحذر من الرئيس المسلم "باراك حسين أوباما". كما دعا في إحدى مقابلته مع منتج إسرائيلي في الشركة إلى إسقاط النظام الإيراني ولو بالقوة. كان فارس من مهندسي القرار 1559 في عهد جورج بوش، وقد عاد وأثنى عليه بعد فوز ترامب قائلاً "ستحرص إدارة ترامب على تأكيد الالتزام بالقرارات الدولية المتعلقة بلبنان، وفي مقدمها القرار 1559 بما طبِّق وما لم يطبَّق من فقرات، كخروج القوى الغريبة المسلحة من الأراضي اللبنانية، مع ما تبقى من تنظيمات غريبة أو وجود غريب، سواءٌ كان تحت عنوان الإرهاب أو القوى الموجودة بقوة امتلاكها السلاح، وتجريد الميليشيات من سلاحها على كلّ الأراضي اللبنانية".
الحلم الأمريكي واختفاء المسلمين
كان تاريخ فارس مع ميليشيا لبنانية شاركت في القتل والخطف والتهجير، ومعاداته المطلقة للمسلمين، أساس النقد الذي قوبل به رومني غداة تعيين "الأكاديمي اللبناني" ضمن فريقه الاستشاري في العام 2011. لكن دعم فارس لرومني يرجع إلى العام 2008، عندما صرّح بأن الديمقراطيين لا مكان لهم اليوم بعدما أصبح خطر التطرف الإسلامي عالمياً وليس محصوراً بجبهة واحدة. هذه النظرية بشأن العدو العالمي، وتلك الأخرى عن التغلغل الإسلامي في أمريكا الذي سبق اعتداء 11 سبتمبر، سجلهما فارس في الكتب العديدة التي نشرها. وقد ساعد الاعتداء الدموي في بروز نجم فارس بصفته عارفاً بخلفية المتطرفين وأعداء أمريكا، وبسبب مواقفه المثيرة، استقطبته وسائل الإعلام اليمينية، منها "فوكس نيوز" التي التحق بها في العام 2007 "متخصصاً في شؤون الشرق الأوسط والإرهاب". كما استضافته منظمات غير حكومية ولجان في الكونغرس والبرلمان الأوروبي والخارجية الأمريكية ومجلس الأمن الدولي، لشرح قضايا الإرهاب والتنظيمات القتالية، كما يوضح موقعه الإلكتروني.فارس وترامب: فكر واحد في جسدين
نعود إلى النقمة التي لاحقت رومني بسبب اختياره، إذ استفاض كثر في التحذير من مغبة الاستعانة بـ"صقور" من هذا النوع، يعززون ظاهرة الإسلاموفوبيا ويسرّعون في خراب أمريكا. ولكن ما الذي يمكن أن ينشده ترامب، بكل ما يحمله من عداء للمسلمين، أكثر من وليد فارس؟ لقد جاءه الأخير غبّ الطلب، في وقت تخوّف مستشارون آخرون "على صيتهم" إذا انضموا لفريق ترامب. لقد وجد الاثنان في "خصوصيتهما المسيحية" و"رغبتهما بالقضاء على المسلمين" ضالتهما في بعضهما البعض. وهكذا، أصبح فارس المدخل الأساسي للعلاقة التي يرسمها ترامب للشرق الأوسط. وفارس يسابقه إلى أهدافه التي تصبح أسهل عندما يحملها ناطق باللغة العربية. التقى فارس بترامب في ديسمبر الماضي، في إطار تقديم استشاراته لخمسة مرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وكان ترامب من بينهم. في مارس الماضي، وافق فارس على الانضمام لفريق ترامب لأن الأخير "يستطيع أن ينجز ما لا يستطيع غيره". في المقابل، ولأن "لم يكن هناك من سبب لدعم كلينتون التي أدخلت الولايات المتحدة في علاقات مع جماعات إسلامية راديكالية"، رأى فارس أن ترامب سيتخذ منحى آخر في سياسته تجاه الشرق الأوسط. مما سبق، يبدو أن الاحتفاء بلبناني (يرفض تسميته بالعربي، فهو "مسيحي لبناني") في الإدارة الأمريكية بحاجة للتروي، فالوصول لمنصب بهذه الأهمية لا يضع الكفاءة شرطاً أساسياً بقدر الطروحات والتوجهات المناسبة للإدارة الأمريكية. يصبح "أن تكون ملكياً أكثر من الملك"، شرطاً للوصول، وقصة أحمد شلبي في العراق نموذجاً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه