تلقّت مصر رسمياً وإعلامياً نبأ فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية بحفاوة ضخمة، وأبدى الإعلاميون الموالون للسلطة شماتة بالغة في خسارة هيلاري كلينتون التي اعتبروها حليفة لجماعة الإخوان المسلمين.
ووصلت المبالغات الإعلامية إلى حد اعتبار أن ترامب يرى في الرئيس السيسي مثله الأعلى، وأن إشادة الأخير بالرئيس الأميركي الجديد كانت الدافع وراء انتخاب الأميركيين له، في ليلة بكت فيها أرامل كلينتون من رموز المعارضة المصرية كما وصفتهم صحيفة قاهرية موالية للنظام.
وقابل الترحيب الرسمي لكبرى عواصم العرب بترامب، مخاوف إخوانية واسعة، أججها التصريح الأخير لوليد فارس، أحد مستشاري ترامب، بعزم الأخير وضع الجماعة على قوائم الإرهاب، وهو التصريح الذي لطالما ردده فارس وأبرزه الإعلام المصري، تماشياً مع توجهات الرئيس الأميركي المنتخب المعادية لتيارات الإسلام السياسي.
لكن تبقى آمال النظام المصري في تدشين تحالف واسع مع الإدارة الأميركية الجديدة، ومخاوف الإخوان من ملاحقة واشنطن، مبنية على التصريحات الانتخابية لترامب وفريقه الإعلامي، وهو أمر قد يختلف كثيراً وفق آراء سياسيين ومحللين، أكدوا لرصيف22 أن القرار السياسي الأميركي لا يملكه الرئيس وحده بل تحدده مؤسسات وجماعات ضغط ومصالح متنوّعة.
رؤية متناقضة
وقال الدكتور عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن الإخوان كانوا يتمنون فوز كلينتون لأنها كانت أحد مهندسيالعلاقة معهم بتبنيها لخطاب حقوق الإنسان ودمج التيار الديني في الديمقراطية، بينما في المقابل، إن ترامب على نقيضها تماماً وهو ضيّق الصدر بكل التيارات الإسلامية، ويحمّلها مسؤولية الإرهاب في العالم، وتلك الرؤية ستتناقض مع مشروع الإخوان في إقناعالإدارة الأميركية بالدفاع عنها. وتوقع حسن أن يؤثر فوز ترامب سلباً على مصالح الإخوان، إلا إذا كانت هناك جهة داخل واشنطن كالمخابرات أو الكونغرس أوالبنتاغون ستتدخل لتعديل رؤية ترامب إزاء الجماعة. ورجّح أن تمرر الإدارة الأميركية الجديدة مشروع تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، مشيراً إلى أن الأغلبية الجمهورية في الكونغرس ستدعم هذا المشروع، إلا إذا اصطدم هذا التصينف بالمصالح الأميركية. وتوقع المحلل السياسي أن يعمد الإخوان في حال حصول ذلك، إلى التواصل مع أعضاء الكونغرس وخصوصاً الديمقراطيين، والمراهنة على عامل الوقت ورفع المظلومية التاريخية، ومخاطبة المجتمع الأميركي بتدهور أوضاع الجماعة داخل البلدان العربية، كما توقع أن تنكمش الجماعة ويقل نشاطها. وبيّن أنه إذا صنفت الإدارة الأميركية الجديدة الإخوان جماعة إرهابية، فستلاحق أفرادها وتنظيماتها وسيضطر أفرادها إلى الهجرة إلى أوروبا ونقل أنشطهم إلى بريطانيا وألمانيا، بل أن قرار التصنيف قد يشمل تجميد أموال الجماعة وأنشطتها على مستوى العالم، وستحاول الإدارة الأميركية حينها أن تقنع حلفاءها بتبني وجهة نظرها في التعامل مع الإخوان.هستيريا الإخوان
السياسة الأميركية، وفق وجهة نظر الخبير الأمني اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، ليست مرتبطة بشخص الرئيس فحسب، بل هناك مؤسسات تتحكم في القرار السياسي كجماعات الضغط والشركات الكبرى التي لها تأثير كبير في رسم السياسة الخارجية الأميركية. وتصب بعض تصريحات ترامب في صالح المنطقة العربية، وفق حديث علام، وخصوصاً تأكيده على مواجهة الإرهاب، مشيراً إلى أن الإخوان في حالة إحباط من الإدارة الأميركية الجديدة، وقد يصابون بحالة هيستيريا تدفعهم إلى القيام بعمليات إرهابية. وفي رأي الخبير الأمني المقرب من السلطات المصرية، فإن ترامب أفضل من كلينتون التي كانت تدعم، بحسب كلامه، بعض المنظمات الإرهابية وعلى رأسها داعش والإخوان. وأشار إلى أن نجاح الجمهوريين في حيازة الأغلبية في الكونغرس، يدعم توجهات ترامب التي لن تلقى معارضة مثلما كان الحال مع إدارة الرئيس باراك وباما، لافتاً إلى أن الجمهوريين أصدقاء للعرب. لكن الحديث عن تصنيف الإخوان كياناً إرهابياً من قبل الإدارة الأميركية الجديدة ما زال يراه علام مجرد تصريحات انتخابية. وفي حال فعلها ترامب، فإن بعض الدول التي تسير في ركب الإدارة الأميركية مثل قطر وتركيا، ستتراجع عن دعمها للإخوان، وستجد نفسها فيموقف حرج ومعها بريطانيا التي أوصت أجهزتها الأمنية بمنح الإخوان حق اللجوء السياسي. وأكد الخبير الأمني أن الأمر يتوقف على تفاصيل قرار إدراج الإخوان كتنظيم إرهابي، وهل يشمل حظر أنشطتها ومصادرة أموالها وملاحقة أفرادها، موضحاً أن ذلك سيحدد موقع الإخوان في عهد ترامب، وسواء قررت واشنطن ذلك من عدمه، فإن الأمور تجري في غير صالح الجماعة. ورأى علام أن الترحيب رسمياً وإعلامياً في مصر بفوز ترامب يمثل مواقف متسارعة، ومبالغة مرفوضة تحكمها عوامل عاطفية، مؤكداً أن الحكم على السياسية الأميركية الجديدة تجاه مصر متسرع للغاية.تأجيل ملف الإخوان
الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، رأى أن الإدارة الأميركية الجديدة لن تشغل نفسها كثيراً بالإخوان، وستتعامل مع الإرهاب بشكل عام، وستحاول أن تجتث جذوره، موضحاً أن تركيزها سيكون على داعش وجبهة النصرة والقوى التي تحمل السلاح، ثم يأتي بعد ذلك تعاملها مع الإخوان. وقلل نافعة من شأن تصريحات وليد فارس بشأن إدارج الإخوان في قائمة الكيانات الإرهابية، موضحاً أن ما يطرحه فارس مجرد اقتراح ووجهة نظر، لرجل كان ناشطاً في الحملة الانتخابية لترامب، لكن لم يُعرف حتى الآن موقعه رسمياً في الإدارة الأميركية الجديدة التي لم تتشكل بعد، ومن المبكر جداً حسم الموقف الأميركي من الإخوان. كما أوضح نافعة أن الإدارة الأميركية لا تملك تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية لكنها قد تقدم مشروعاً للكونغرس الذي بيده حسم الأمر، ورغم أن الأغلبية البرلمانية يملكها الحزب الجمهوري، إلا أن ترامب لديه الكثير من المشكلات مع قيادات الحزب لم يقم بتسويتها بعد. وأرجع نافعة الحفاوة الرسمية والإعلامية مصرياً بفوز ترامب، إلى اللقاء الذي جمع ترامب بالرئيس السيسي وإشادة الأول بالثاني وحماسته لتوطيد العلاقات مع القاهرة وإعجابه بتجربتها في محاربة الإرهاب. وتوقع أن تتحسن العلاقات المصرية الأميركية كثيراً في عهد ترامب وأن يتم إلغاء القيود على توريد السلاح الأميركي لمصر وزيادة المعونات العسكرية أو على الأقل استمرارها كما هي، والتنسيق بين البلدين في ملف مكافحة الإرهاب والأزمات الملتهبة في المنطقة وفي مقدمتها أزمتا سوريا وليبيا. واستبعد نافعة أن تتأثر طريقة تعامل النظام المصري مع الإخوان بتحسن علاقته بأميركا، مشيراً إلى أن تلك القضية أزمة داخلية لا ينبغي مناقشتها مع الإدارة الأميركية، لكنه أشار إلى أن الرئيس الأميركي الجديد سيمارس سياسة خارجية هدفها الوحيد تحقيق المصالح الأميركية مع الدول المختلفة بغض النظر عن انتهاكها لحقوق الانسان.تقدير المخابرات
ويرجّح مصطفى خضري، رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر)، أنّ المخابرات المصرية كان لديها تقدير موقف يرجح فوز ترامب، ولذلك تمادى السيسي في علاقته وتمجيده لترامب أثناء زيارته الأخيرة لأميركا، واعتماداً على هذا التقدير كانت خطة الإعلام الرسمي المصري ترويج الدعم الإعلامي لترامب في خطوة استباقية لإظهار الحميمية مع الرئيس المحتمل. وفسر خضري عداء ترامب للإخوان بأنه أمر طبيعي يتسق مع الخطاب الانتخابي العنصري الذي تبناه تجاه الجماعة بصفتها أكبر جماعة إسلامية سياسية سنية في العالم، على حد وصفه. واستبعد أن يطلق ترامب يد السيسي للانتهاء تماماً من الإخوان، مشيراً إلى أنه لا يوجد شيء لم يفعله السيسي ضد الإخوان حتى ينتظر قرار ترامب، لافتاً إلى أن العلاقات المستقبلية بين الأطراف الثلاثة ستحكمها المصالح التي تطغى دائماً في العلاقات السياسية. كما استبعد تماماً إعلان الإدارة الأميركية الجديدة الإخوان منظمة إرهابية، مبيناً أن هذا القرار تم حسمه منذ أيام في البرلمان البريطاني بإعلان الإخوان جماعة سياسية سلمية، كاشفاً أن بريطانيا هي العقل المدبر للسياسة الأميركية بخصوص الإخوان. ونفى خضري إمكانية تلقي نظام السيسي مزيداً من الدعم الأميركي، مضيفاً "أعتقد أن مرحلة السيسي في طريقها للأفول، وربما نتساءل عن العلاقة بين ترامب والنظام القادم”.بروباغندا
من جانب آخر، وصف الدكتور خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية، أحد الكيانات الداعمة للإخوان، مواقف ترامب وفريقه التي تم الترويج لها ضمن الحملة الانتخابية، بأنها بروباغندا وليست مقياساً لأي مواقف مستقبلية، مستغرباً حالة الهلع التي أصابت البعض والضجة المثارة دون جدوى. وأوضح أن موقف ترامب من الإخوان أو غيرهم تحكمه المؤسسات المهيمنة العريقة، والعلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل، وموازين القوىالعالمية، مستبعداً تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، لأن ذلك يفتح الطريق نحو انضمام أفرادها إلى داعش. وقال الإسلامي المعارض أن علاقة نظام السيسي بالإدارة الأميركية الجديدة "لن تعدو علاقة العبد بسيده، في ظل استجدائه لأي اعتراف أو دعم أميركي". وأشار إلى أن إدارة ترامب ستكون سياستها إزاء مصر بين أمرين، إما أن يفهموا أن السيسي انتهى أمره وحان وقت سقوطه فيتخلوا عنه بعد أن يتركوا الأوضاع الداخلية تصفي نفسها بحيث تخرج مصر ضعيفة ومنهارة، وإما أن يستمروا في دعمه ويتدخلوا بكافة الطرق للحفاظ عليه. ورأى أن هناك حالة ضعف ووهن وعجز حقيقية في بوصلة صانع القرار الأميركي تشوش قدرته على تحديد الوجهة الصحيحة. ولم يستبعد القيادي السلفي إعدام بعض قادة الإخوان من قبل السيسي في عهد ترامب، مشيراً إلى أن ذلك ربما يكون الحل الوحيد للنظام إذا استمر، لتغطية فشله وأزماته.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين