يعتقد الجميع أن العرب، بما فيهم المسلمون ومجموعة من الأقليات والأعراق والأديان المختلفة، يعارضون المرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب. لكن بعض الاستفتاءات واللقاءات في المنطقة العربية قد تصدم الكثيرين. في استفتاء طرحناه على موقع تويتر، تحت عنوان "هل تؤيد دونالد ترامب؟"، كانت النتيجة أن 77% من نحو 300 مشارك لا يؤيدونه، في حين يؤيده 23%، أي نحو الثلث.
قد تكون النتيجة صادمة للكثيرين، ولكن عند سؤال بعض المشاركين في التصويت، عن موقفهم، ظهرت وجهات نظر جديرة بالنقاش والتحليل. يرى محمد الجبرين مثلاً، وهو مهتم في الشؤون السياسية، أن ترامب صريح وغير مراوغ على عكس هيلاري كلينتون، التي قد تكون استمرارية لسياسة وعقيدة أوباما في منطقة الشرق الأوسط، وهي سياسة متهمة بالمراوغة، وعدم الوضوح، والأهم الاستفزاز والتحالفات السرية. في المقابل، يرى البعض أن ترامب هو الأفضل للعالم العربي، بسبب نجاحه في عالم التجارة، وإن كانت الأرقام تؤكد عكس ذلك.
يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد الظفيري إن "ترامب ربما يحظى بتأييد لدى العرب، بسبب إما جهلهم بما قد تكون عليه سياساته المستقبلية، أو لأنهم يملكون تصوراً خاطئاً عنه، بأنه ليس إلا نجم تلفزيون الواقع، ولا يشكل خطراً وتهديداً على السلم العالمي". ويضيف: "يأتي تأييد البعض الاخر لأنهم لا يرون أي فرق يذكر بينه وبين المرشحين الآخرين".
يغالبية العرب والمقيمين في الشرق الأوسط يتخذون موقفاً معارضاً لترامب، بسبب تصريحاته العنصرية المطالبة بقوانين أكثر تشدداً ضد المهاجرين، ومنع مؤقت لدخول المسلمين، وتصريحاته المستمرة المعادية للأجانب بشكل عام. ولكن، عند فحص الوضع الحالي، نجد أن تلك القوانين موجودة بشكل آخر في الإدارة الأمريكية الحالية. إذ تقول الأرقام إن إدارة أوباما رحلت العديد من المهاجرين غير الشرعيين، أكثر من إدارة جورج بوش الابن، المحسوب على الحزب الجمهوري المحافظ، والمتحفظ على قوانين أكثر تساهلاً مع الهجرة.
ومع إدارة أوباما، كان الهجوم على العرب في الولايات المتحدة أكثر مما كان عليه حتى بعد أحداث 11 سبتمبر، خلال حكم الجمهوريين. وخسرت حكومة أوباما الحالية الكثير من العرب، وتحديداً العرب السنة، من خلال عدد من القرارات والاستراتيجيات الجديدة، مثل التحالف الجديد مع إيران، والتفاهم الواضح مع روسيا في سوريا، والتصعيد الإعلامي الممنهج ضد السعودية، وفتور العلاقات مع تركيا وغيرها من التحولات التي من الواضح، أنها من ضمن عقيدة أوباما في المنطقة.
ويذكر تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، المعروفة بميولها المحافظة، أن أوباما خسر بالتأكيد العرب السنّة، ويعتبر التقرير أن حكومة أوباما أصبحت على يقين أن الشرق الأوسط لم يعد مجدياً، بسبب الصراع القائم والتنافس على أساس طائفي، أو نفوذ سياسي، بين إيران التي تدعم وتسيطر على أربع عواصم عربية، مقابل الدول ذات السيطرة السنية: تركيا، قطر، والسعودية. لذلك تفضل إدارة أوباما تسليم المنطقة لدولة قوية مثل إيران، وبتفاهم مع موسكو. وبحسب تصريحات مختلفة للمفكر الأمريكي "نعوم تشومسكي"، في لقاءات عدة أقامها في السنوات الأخيرة، كانت الحكومات أمريكا، وتحديداً حكومة أوباما، السبب الرئيسي في حجب الحرية والديمقراطية في المنطقة العربية، وهذا رأي يشاركه فيه عدد هام من نخبة الجمهور العربي من مثقفين ورجال أعمال وغيرهم. لذلك، يصبح من المنطقي أن نجد بعض العرب يؤيدون، أو على الأقل، لا يجدون إشكالية مع ترامب، لأنهم لا يرون ذلك الفرق الكبير بينه وبين الحكومة الحالية، بل صراحته تجعلهم على معرفة واضحة بمن يتعاملون معه.
لا يمانع بعض العرب في المغامرة بدونالد ترامب كرئيس، وإن كانت تصريحاته معادية للعرب… إليكم الأسباب
يبدو واضحاً أن حكومة أوباما تعتبر أن التدخل في الشرق الأوسط لم يعد مجدياً وتسلمه طواعية لإيران… لهذا يفضل بعض العرب ترامبيؤمن الكثير من العرب بشكل عام بأن الحزب الديموقراطي هو الأفضل لهم، بسبب تصريحاته اللطيفة، وسياسته المرسومة في أجندة الترشيح. ولكن المقارنة بين حكومة بوش وأوباما تظهر أن أوباما كان الأسوأ، إذ تدخلت إدارة بوش خلال 8 سنوات عسكرياً في دولة عربية واحدة هي العراق، ولكنها مع أوباما تدخلت عسكرياً في ثلاث دول، هي العراق، وسوريا، وليبيا. وتسببت سياسات أوباما ومعه هيلاري كلينتون بعدم استقرار الشرق الأوسط، خصوصاً بعد التدخل العسكري في ليبيا، الذي حولها إلى دولة فاشلة. ومع بوش كانت إدارة الجمهوريين تعتقل أي مشتبه به مؤيداً، أو منظراً، أو عضواً في القاعدة، وترسله إلى سجن غونتانمو، أما مع حكومة أوباما الديمقراطية، فالحل هو القتل عن طريق طائرة الدرون، بدون طيار، التي تسببت بالمزيد من المتعاطفين مع القاعدة، خصوصاً في اليمن وأفغانستان. ومع حكومة بوش كان الجمهوريون متحالفين مع العرب ضد إيران، في حين تغيرت السياسة مع أوباما، لتصبح إيران هي شرطي المنطقة ضد البلاد العربية. وبالتالي يعتبر الكثيرون بأن الليبراليين في أميركا ضد العرب بشكل سري، بينما يعادي المحافظون العرب بشكل علني. نقطة أخرى ربما شكلت عاملاً إضافياً لعدم إجماع العرب ضد ترامب، هو موقفه من القضية الفلسطينية. لم يظهر ترامب منذ البداية أنه صاحب إيديولوجيا مؤيدة لاسرائيل، وأعلن أنه يقف على الحياد تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي، على عكس غالبية المرشحين في سباق الرئاسة الأمريكية منذ السبعينات حتى اليوم، والذين أعلنوا بشكل صريح وقوفهم التام وغير المشروط مع إسرائيل. واعتبر البعض أن تصريحات ترامب اللاحقة قد يكون الهدف منها عدم التصادم مع الناخبين اليهود، ومنها تصريحه بأن أمريكا ستعترف تحت إدارته بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. ولا ننسى أيضاً أن هناك نسبة لا بأس بها بين العرب في أمريكا، يؤيدون ترامب لأسباب مختلفة، منها أن بعضهم لا يريد المزيد من الهجرة، لتخوفه من المنافسة في التجارة، والتي قد تأتي مع المهاجرين الجدد. بحس استطلاع قام به مدير المؤسسة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز، سامر خلف، فإن 7% من مسلمي أمريكا يؤيدون ترامب على الرغم من تصريحاته المعادية للمسلمين والعرب. لا يمانع هؤلاء في المغامرة في ما يتعلق بدونالد ترامب، وإن كانت تصريحاته معادية للعرب، ومعرفته بالأرقام السرية لإطلاق صورايخ نووية، أمراً خطيراً بسبب عجزه عن سيطرته على غضبه في الكثير من الأحيان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...