في 20 أكتوبر 2011، أي بعد 8 أشهر من اندلاع الثورة في ليبيا، ظهر معمر القذافي في تسجيل مصور مقبوضاً عليه، ويتعرض للضرب على يد من اعتقله. ثم تم الإعلان عن مقتله، ودفن في مكان مجهول، في نهاية غير متوقعة لحاكم سعى لعقود وراء الزعامة العربية والأفريقية والإسلامية. ذلك هو مشهد النهاية لقصة بدايتها كانت في قرية جهنم بمدينة سرت عام 1942، عندما ولد معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي. وتناولت طفولته رواية الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا "ليلة الريس الأخيرة"، الصادرة عن دار "جوليار" للنشر. يقول الكاتب إنه عانى في طفولته الفقر والذل، اللذين شكلا الدافع لثورته على قبيلته، وتمكنه من متابعة دراسته بخلاف جميع أفراد عائلته، وإنهاء هذه الدراسة في بريطانيا، ثم ترقيته داخل الجيش. وفي كتابه "انقلاب بقيادة مخبر"، يتناول الدكتور محمد المقريف التحاق القذافي الصبي بمدرسة مصراتة. وقدّر صاحب الكتاب أن القذافي حينذاك قُبل في المدرسة لأنه كان موكلاً بأداء دور الوشاية والتلصص على زملائه الطلاب، الذين عملوا بالمجال السياسي، فكان مخبراً لأجهزة أمن النظام الملكي. حكاية طويلة بين مشهدي البداية والنهاية في حياة القذافي، وكان هناك الكثير من الأحلام التي دفنت في ذلك المكان المجهول، الذي دفن فيه صاحبها، والتي كان بعضها كبيراً مثل حلم القنبلة النووية، بينما كان بعضها الآخر صغيراً، مثل حلم رؤية المسلسل الذي كتبه يظهر على الشاشة الصغيرة في رمضان عام 2011.
فما هي أشهر أحلام القذافي؟
القنبلة النووية
في 15 سبتمبر 2008، ذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن ليبيا وصلت إلى مرحلة متقدمة في برنامجها النووي، بمساعدة العالم الباكستاني عبد القدير خان. وكان تقرير نشرته الوكالة الذرية أكد أن الاتصالات التي أجرتها ليبيا مع عبد القدير خان، تمت منذ عام 1984. وبعد غزو العراق عام 2003، وافق القذافي على تفكيك البرنامج النووي الليبي، وهي العملية التي بدأت عام 2004 واستغرقت ست سنوات.
المشاريع الوحدوية
فشلت جميع محاولات الوحدة التي سعى إليها القذافي مع العديد من الدول العربية، مثل مشروع اتحاد الجمهوريات العربية مع مصر وسوريا عام 1971. وكان أسرعها فشلاً مشروع الوحدة مع تونس في 12 يناير 1974، الذي لم يستمر سوى 24 ساعة فقط، وكان يحمل اسم الجمهورية العربية الإسلامية.النهر الصناعي العظيم
ذكر موقع الجزيرة نت في 28 أكتوبر 2010، أن الاتفاق الليبي التركي لتوريد مياه نهر مانغفات التركي إلى الجماهيرية، فتح ملف أزمة المياه في ليبيا، ليعصف بالمبالغات التي أحاطت بمشروع النهر الصناعي العظيم، الذي أطلق عليه "الأعجوبة الثامنة". ووفق الأرقام الرسمية، أنفقت ليبيا على المشروع أكثر من 9 مليارات دينار (نحو 11 مليار دولار)، لنقل المياه من الآبار الجوفية في الجنوب إلى المناطق السكنية في الشمال.دولة إسراطين
في مطلع القرن الحادي والعشرين، ألف القذافي كتاباً اسمه "الكتاب الأبيض"، اقترح فيه قيام دولة تجمع بين إسرائيل وفلسطين. وكتب مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قال فيه إن "الحرب على غزة ستنتج المزيد من العنف حتى يقتنع الإسرائيليون والفلسطينيون بقيام دولة موحدة يطلق عليها اسم إسراطين يعيشون فيها بسلام".تفكيك سويسرا
ذكر التلفزيون السويسري في 4 سبتمبر 2009، أن العقيد الليبي معمر القذافي طلب رسمياً من الجمعية العامة للأمم المتحدة تفكيك سويسرا، وتوزيعها على الدول المجاورة. وكان القذافي تقدم بهذا الطلب خلال قمة مجموعة الثماني في يوليو 2009 في إيطاليا، وذلك بسبب اعتقال السلطات السويسرية أحد أبنائه لإساءته معاملة شخصين يعملان لحسابه.صاروخ الجماهيرية
نُشرت في يوليو 2015 صور لسيارة، قيل إن القذافي صممها عام 2009، ووصفها بأحسن سيارة لضمان السلامة ومعالجة مشكلات المواصلات، وحوادث النقل في ليبيا. وأطلق عليها "صاروخ الجماهيرية". وتم الإعلان عن السيارة لأول مرة في مؤتمر لمنظمة الوحدة الأفريقية. وكان من المقرر البدء في إنتاج صاروخ الجماهيرية في مدينة طرابلس، بعد الانتهاء من بناء المصنع الذي سيتم تصنيع وتجميع السيارة فيه.عرض المسلسل الذي كتبه
نسبت صحيفة القدس العربي في عددها الصادر بتاريخ 10 سبتمبر 2010، للكاتب والروائي السوري فضل عفاش، أن مسلسل "الفرار إلى جهنم"، الذي كتب قصته القذافي، سيبدأ تصويره قريباً. مشيراً إلى أنه والشركة السورية المنتجة، بانتظار مباركة العقيد للبدء بإنتاج العمل، الذي وصفه عفاش بأنه سيكون ضخماً وبتكنولوجيا عالية المستوى. وقال إن المسلسل يدور حول حياة القذافي، والمرشح للقيام بالدور هو الممثل المصري محيي إسماعيل نظراً للتشابه بينهما.اغتيال عادل إمام
نقلت صحيفة النهار عن خبير التجميل المصري محمد عشوب بتاريخ 10 يناير 2014، القول إن القذافي حاول قتل الممثل القدير عادل إمام على خلفية مسرحية "الزعيم"، بعد أن بلغه أن إمام يقلده في هذه المسرحية. فطلب عرض المسرحية في ليبيا للتخلص من عادل إمام. وأضاف عشوب: "أخبرني صديق بعد ذلك، وهو قريب من القيادة والمخابرات الليبية، بنية النظام، فلجأت إلى وزير الإعلام آنذاك عبد الله منصور، وحذرته من حدوث مشكلة ديبلوماسية كبيرة في المنطقة العربية، إذا حدث أي مكروه لعادل إمام في ليبيا. وعليه أصدر الوزير قراراً بإلغاء عرض المسرحية في ليبيا. فأصدر القذافي على الفور قراراً باعتقال وزير الإعلام".
الشخصية الغريبة
اشتهر القذافي، أو عميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا، كما كان يحلو له تسمية نفسه، بغرابته. ولطالما أثارت بعض "حِكمه" سخرية العرب. ومن أشهر أقواله، إن "أصل شكسبير عربي وهو الشيخ زبير"، و"والد أوباما هو حسين ابو عمامة"، و"للمرأة حق الترشّح سواء كانت ذكراً أو أنثى"، و"برّ الوالدين أهمّ من طاعة أمك وأبيك"، و"الفرق بين الرجل والمرأة هو أن الرجل ذكر والمرأة أنثى"، و"الثورة هي أنثى الثور"، و"من الواجب تحديد جنس الموت، ومعرفة إن كان ذكراً أو أنثى، فإن كان ذكراً وجبت مقارعته حتى النهاية، وإن كانت أنثى وجب الاستسلام لها حتى الرمق الأخير". ويقول الكاتب الصحافي أسامة عجاج، مدير تحرير صحيفة الأخبار ومسؤول الشؤون العربية فيها، لرصيف22: "أول مرة التقيت القذافي كان عام 1990.في رأيي هو شخصية مركبة، كان يحمل أفكاراً قد يصفها البعض بأنها أحلام ليس لها أي مقومات لتنفيذها على أرض الواقع. لكنه هو نفسه كان على قناعة تامة بها، وعبر عنها في كتابه الأخضر، الذى ألفه بعد توليه السلطة في ليبيا". وأضاف عجاج: "كان حلمه الأكبر توحيد العالم العربي، ومن أجل هذا الحلم دخل في صراعات أشهرها مع مصر والسعودية. وعلاقاته لم تكن مستقرة مع الجزائر والسودان، وعندما اكتشف أن حلمه غير قابل للتحقيق، انتقل بحلمه إلى منظمة الوحدة الأفريقية.
ومن خلال إمكانات ليبيا، نجح في استمالة دول أفريقية، وسمى المنظمة الاتحاد الأفريقي على أساس أنها تمثل خطوة في طريق الوحدة الأفريقية". وتابع: "وكان يتصور أيضاً أنه يقود العالم العربي في مواجهته مع الغرب، لكن بعد سقوط صدام حسين، سعى إلى إزالة كل أسباب الخلاف مع الغرب، وأنهى أزمة لوكيربي. وكانت لديه رؤية اعتبرها البعض نوعاً من الخروج على الإجماع العربي تجاه إسرائيل، فهو من تحدث عن دولة ديمقراطية تضم الإسرائيليين والفلسطينيين، بعيداً عن كونها دينية. ومع ذلك حين سعى ياسر عرفات لعقد اتفاقية غزة-أريحا، سارع القذافي لطرد الفلسطينيين من ليبيا، ومثل هذا مأساة إنسانية، ثم تراجع عن قراره". وأضاف: "اللافت أيضاً أنه سعى للخروج عن شكل الدولة المعتاد، بوضع نظام سياسي مبتكر لا تجده في أي بلد آخر في العالم، ويمثل الشعب ذلك النظام. ولهذه الأسباب بإمكاننا أن نقول إن القذافي كان شخصاً حالماً أكثر منه سياسياً. وفي رأيي كان على عكس ما يردده البعض عنه بأنه مجنون، يتمتع بذكاء فطري غير عادي، مكّنه من حكم ليبيا، التي يمكن وصفها بأنها قارة، والمدهش أنه سيطر على الحكم بـ10 دبابات فقط، وبالرغم من صراعه مع الغرب، فقد أحكم قبضته عليها كل هذه السنوات". وختم: "أحد الصحافيين سأل القذافي حين كان في الهند، وقال له ما رأيك؟ الرئيس السادات يقول إنك مجنون، فرد القذافي: أنا أعرف السادات كرئيس مصر وليس كطبيب نفسي يقرر من هو المجنون. وقد استفاد القذافي من الصفات التي تروج عنه من أنه خارج عن المألوف وغير منضبط في تثبيت حكمه واستمرار قبضته على البلاد".
وقال الدكتور هشام ناصف، استشارى الطب النفسي لرصيف22: "القذافي كان قائداً عسكرياً متواضع الإمكانات العقلية، فهو لم يكن غبياً ولم يكن شديد الذكاء. كانت إمكاناته لا تؤهله للنهوض ببلد، وكان يحترم السلاح أكثر من حامله". وأضاف: "كانت مشكلته الأساسية هى إصابته بجنون العظمة، فلم يكن لديه ذلك الذكاء الذي كان يظنه في نفسه، ومن تتبعي لفصول حياته، أرى أنه كان هوائياً يفتقر للتحليل المنطقي في غالبية قراراته". قبل 41 عاماً، كتب الشاعر نزار قباني مقالاً عن القذافي، تحت عنوان قراءة في كف معمر القذافي، يقول فيه: "إن معمر القذافي ليس زعيماً كلاسيكياً ليناقش بطريقة النقد الكلاسيكي، وليس تمثالاً محدد القسمات في متحف الشمع العربي. إنه ظاهرة استثنائية، كالبرق، والرعد، ورياح الخماسين”.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت