لجأت الكنيسة الأرثوذكسية في مصر إلى حيلة دورات المشورة الأسرية كشرط إلزامى لإتمام الزواج، بدءاً من العام المقبل، للحفاظ على صورة المجمع المقدس والكهنة أمام الشباب القبطي، بعد فشلها في حل مسائل الأحوال الشخصية وتزايد قضايا الطلاق في المحاكم. خصوصاً مع اتجاه البعض إلى الزواج المدني، وبحث آخرين عن طائفة أخرى أقل تعقيداً مثل الإنجيلية. وحُرم آلاف الأقباط من أحقيتهم في الطلاق والبحث عن الزواج الثاني منذ عام 2008، نتيجة قرار البابا شنودة بعدم جواز الطلاق، ملغياً بذلك لائحة 1938 التي كانت تتيح ثمانية أسباب للطلاق. وهذا ما أحدث شرخاً في علاقة الكنيسة بالشباب خلال السنوات الأخيرة، مع تعثر إصدار قانون أحوال شخصية ينظم علاقة المسيحي بكنيسته والدولة، ويفتح الباب أمام التطليق عبر المحكمة المدنية.
وللحيلولة دون الاستمرار تحت وطأة السيطرة الدينية للكنيسة، بدأ البعض يوثق عقود زواجه في المحاكم المدنية من دون الحصول على اعتراف الكنيسة، خصوصاً أن محكمة الأسرة المصرية اعترفت في يناير الماضي بأول عقد زواج مدني لزوجين مسيحيين، وهو الحكم الذى اعتبره البابا تواضروس، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، مخالفاً للدستور الذي يترك للمسيحيين الحكم بحسب شرائعهم. "الزواج المدني هو في عداد وسائل الفرد المسيحي للالتفاف على قوانين الكنيسة،يلجأ له المُطلق الذي ترفض الكنيسة زواجه مرة أخرى"، يقول أيمن عطية، المحامي في الأحوال الشخصية ومؤسس رابطة "فرصة ثانية" المطالبة بطلاق الأقباط، لافتاً إلى أن حالات الزواج المدني لا تتعدى العشرات في مصر، نظراً للعقبات التي تواجه من يحلمون بفرصة ثانية للزواج. ويشرح عطية، في دراسة له بعنوان "طلاق الأقباط"، الأسس القانونية للزواج المسيحي الذي يقوم على عقدي زواج، مدني وكنسي في الوقت نفسه. الأول له طريقة في الإشهار وسجلات خاصة لقيده وتنطبق عليه قواعد الصحة والبطلان المعمول بها في القوانين الوضعية، ويجوز فسخه أو إبطاله أو إبطال أثره أو إلغاؤه. أما العقد الكنسي فهو سر مقدس ليس لإرادة أيٍ من طرفيه دخل في تعديله ولا ينتهى أثره حتى بوفاة أحد طرفيه لأنها رابطة إلهية أبدية.
ويشير مؤسس رابطة "الفرصة الثانية" لرصيف22، إلى أن الكنيسة لجأت إلى فكرة كورسات الزواج (دورات الزواج) لعدم جديتها في تقديم قانون الأحوال الشخصية للبرلمان المصري، ورغبتها في عدم توسيع حالات الطلاق. خصوصاً أن محكمة الأحوال الشخصية تنظر في نحو 3 آلاف قضية طلاق لم تحل منذ عام 2012 حتى الآن.
دورات تأهيل نفسي وديني وجنسي قبل الزواج، هكذا تحاول الكنيسة حلّ مشكلتها التاريخية مع الطلاق
الاعتراضات والدعاوى القضائية تلاحق البابا تواضروس... ومحاكم الأحوال الشخصية تعجز عن حل 3 آلاف قضية طلاقويضيف عطية: "كورسات الزواج هي مجرد طريقة جديدة للالتفاف لعدم إيجاد مبرر لفشل الزواج بعد إتمامه، فهدفها هو تحجيم الشباب المتزوج ومنع العصيان على قرارات الكنيسة في الأحوال الشخصية”. مهدت الكنيسة لقرارها بتعميم تجربة دورات المشورة الأسرية بدايةً من يوليو 2017، بعدما دعت الشباب الراغب في الزواج العام الماضي للخضوع إلى دورات تأهيل نفسي وديني وجنسي بغرف المشورة في أبرشياتها، بدعوى تعزيز التواصل بين شريكي الحياة قبل منحهما شهادة خلو موانع للزواج، إحدى الأوراق الأساسية في إتمام الزواج داخل الكنيسة.
ويتلقى المقبلون على الزواج عدداً من المحاضرات خلال كورس المشورة، منها محاضرة أساليب اختيار شريك الحياة وسيكولوجية الرجل والمرأة، ومحاضرة حل لغز الناس، التي تساعد الشباب على تحديد نمط شخصية شريك الحياة. ومحاضرات أخرى عن مفهوم الترك والالتصاق وإدارة المال في الأسرة، ومحاضرة المشاجرة الناجحة، التي توضح كيفية التعامل وقت المشاجرات الأسرية والسيطرة على الغضب. كما يشمل الكورس محاضرة عن الثقافة الجنسية في المسيحية، وتشارك في إعداد مواد المحاضرات وإلقائها مجموعة من الكهنة المتخصصين وأخصائيين نفسيين ومدربي مشورة أسرية. لم يسلم قرار البابا تواضروس بجعل كورسات الزواج إلزامية من الدعاوى القضائية. فتقدم المحامي أشرف أنيس، مؤسس حركة الحق في الحياة، الأسبوع الماضي، بدعوى أمام محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة مختصماً فيها البابا تواضروس، للمطالبة بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إلزام المقبلين على الزواج بالالتحاق بدورة المشورة، والحصول على شهادة من الكنيسة، لتكون أحد المصوغات الإلزامية المشروطة لموافقة الكنيسة على عقد الزواج. فمثل هذه القرارات تقابله دائماً معارضة من خارج أسوار الكنيسة، وتحديداً من الحركات المتخصصة في الأحوال الشخصية مثل "منكوبي الأحوال الشخصية"، التي يرى مؤسسها هاني عزت، أن كورسات الزواج آخر مظاهر فرض سطوة الحرس القديم على القرار داخل الكنيسة. وتحدث عزّت عن "المغالاة في تطبيق النصوص الدينية، وهو ما يمكن تسميته بالسلفية الأرثوذكسية”.
ويعتبر أن القرار محاولة للنفاق لجني الأموال بهدف فرض الرسوم بعد الخطوبة، كما أنه قد يكبد الراغبين كلفة اقتصادية إضافية، لدى عدم إتمام الزواج بعد حضورهم كورسات المشورة. هذه الأجواء تتسبب في إحباط الشباب داخل الكنيسة. ويقول عزت إن النفاق السياسي والتعقيدات غير اللازمة على مستوى الدين، خلقا مناخاً من التمرد خلال الفترة الأخيرة، برزت ملامحه في الانتقال إلى طوائف أكثر عقلانية. موضحاً أن آلاف الأرثوذكس انتقلوا إلى الكنيسة الإنجيلية للهروب من تطبيق النص المقدس في الزواج تحديداً، إذ يسمح لها بتوقيع عقود بطلان للزواج. لكن الصورة لا تبدو كذلك على المستوى الرسمي، إذ يعتقد الكهنة أن الكنيسة تقدم خدمة للأقباط لضمان وصولهم إلى مرحلة من الألفة والتجانس، قبل إتمام الزواج، ثم تقليل فرص الطلاق، كما يقول القس أيوب يوسف، راعي كنيسة مار جرجس بالمنيا، التي أجرت الكورسات منذ فترة.
يوضح أيوب لرصيف 22، أن المشوار لا يزال طويلاً أمام تحقيق الهدف خصوصاً مع تخوف البعض في الصعيد، من الخضوع لتلك الكورسات. لافتاً إلى أن 50% من الأقباط استجابوا لها، في حين يتوجس النصف الآخر من الشائعات، خصوصاً أنهم ينتمون لمجتمع محافظ. ويشير أيوب إلى أن الدورات تحاول تقريب وجهات النظر بين شركاء الحياة قبل إتمام الزواج، ويصل الأمر إلى إجراء الكشوف الطبية للاطمئنان إلى فرص الإنجاب. نافياً ما تردد عن إجراء كشوف عذرية على الفتيات، وأكد أنها مجرد كشوف نسلية. ماريان ميشيل وبيتر صفوت، خضعا لكورس الزواج في كنيسة العذراء والملاك ميخائيل بالخلفاوي، إحدى مناطق شبرا ذات الكثافة المسيحية بالقاهرة، عقب إعلان خطبتهما في أغسطس 2015، وبعد عام واحد من الارتباط. لم تتحمس ماريان (24 عاماً) في البداية لفكرة حضور كورسات الزواج الحديثة بالكنيسة، لكنها عادت وتقدمت بصحبة خطيبها لحضورها. تشرح ماريان أن الكورس عبارة عن سلسلة محاضرات مختلفة، لكل محاضرة هدف ومعلومات جديدة تتلقاها على مدار 3 أشهر، بمعدل محاضرة كل أسبوع، كان منها محاضرة عن كيفية اختيار شريك الحياة وأنماط الشخصية، ومحاضرات عن كيفية التعامل مع الأهل، وصدمة ما بعد الزواج والتعامل مع الخلافات التي تواجه الثنائي.
اكتسب ماريان مهارات جديدة في التعامل مع بيتر، تقول: "الكورس مفيد، وأثر على علاقتي مع خطيبي بالإيجاب، إذ اكتشفت خلاله أخطاء كنت أفعلها وحاولت التقليل منها وتعلمت أشياء عن سيكولوجية الرجل لم أكن أعرفها من قبل”. ويقول بيتر، الذي يكبر ماريان بثلاث سنوات، أن الاستفادة الحقيقية تمثلت في تعلم كيفية إدارة مشاجرات ناجحة والاختلافات الجوهرية بين الرجل والمرأة. فقد أدرك الشاب العشريني أن لخطيبته متطلبات ومشاكل تختلف عن الرجل، وهو ما يتوقع أن يساعده لتجنب أي أزمات مستقبلية بينهما. وتختم ماريان: "الكورس يجعلك تفكر بشكل مختلف وتأكدت أن هناك أشخاصاً تركوا شريك حياتهم بعد الحصول على الكورس، لشعورهم أنه غير مناسب لهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع