"أحلام الزواج حقائق"، بتلك العبارة وغيرها من العبارات الدالة على مكاتب تيسير الزواج تمتلئ شوارع القاهرة. لكنها تحولت إلى مأزق أمني واجتماعي جديد، بعد أن ضبط الأمن الكثير من المكاتب الوهمية التي تتخذ من الفتيات "بضاعة" يتاجرون بهن بعد استغلال مأساتهن.
طريق الدعاية عن إتمام الزواج من خلال تلك المكاتب، يتخذ مسارات عديدة، تبدأ بإعلان صغير ورقم هاتف للتواصل لحين الاتفاق المبدئي، تحت مسميات دينية لطمأنة المقبلين على التجربة. بينما تتجاوز بعض المكاتب في عروضها، وتعرض على من يريد الزواج "زواج متعة" من مصريين وعرب, مقابل آلاف من الجنيهات.
وتتجاوز إعلانات عدة كل الخطوط الحمراء، وتذكر أن الجمال في حال الزواج العرفي من أغنياء، شرط أساسي، وبناءً عليه، يتم تحديد قيمة الشبكة والمهر المقدم إلى العروس، وعمليات الإجهاض يتكفل بها المكتب.
التقينا عدداً من اللواتي تعرضن للخداع من قبل مكاتب الزواج. دعاء (30 عاماً)، قالت إنها لجأت لذلك المكتب بعد أن ظنّ أهلها أن تلك الطريقة الأفضل لإيجاد العريس المناسب. وبدأت بالبحث عن أماكن تلك المكاتب من خلال الإنترنت، حتى وصلت إلى أحدها وذهبت بصحبة والدتها لتقديم البيانات.
وأضافت: "ملأت الاستمارة، ثم حصل المكتب على مبلغ 500 جنيه (60 دولاراً تقريباً) كمقدم تعامل حتى يتم الزواج، بالإضافة إلى أكثر من صورة شخصية، وطلب منا انتظار مكالمة لتحديد مقابلات مع عدد من راغبي الزواج".
وتابعت: "اتفق المكتب معي أن ألتقي العريس الأول داخله، وهناك تعرضت لعملية نصب، بعد أن قام المكتب بالاتفاق مع من يديرون شقق الدعارة، وخدعوني وأهلي لنظن أن العريس من الخليج، وعلي الزواج منه بعقد عرفي بسبب الأموال التي تأخذها الدولة لتوثيق عقود الزواج من الأجانب".
وتابعت: "تزوجت بالفعل، وبدأت معاناتي مع زوجي سعيد. م، الذي قدم لي شبكة صينية. وبعد الزواج بـ3 أيام حاول إجباري على ممارسة علاقة مع أحد زبائنه، الذي أدخله إلى غرفة نومي". اتضح بعد لجوئها إلى الشرطة وتحرير محضر، أن للرجل سوابق، ومطلوب على ذمة قضايا نصب.
ما زالت دعاء تتردد على المحاكم في محاولة للحصول على حقوقها، لكن زوجها هرب بعد أن علم أنه سيكشف. والمكتب نقل مكان عمله إلى مجال مجهول، وتسعى قوات الأمن للوصول إليه.
تقيم أسماء (20 عاماً) بعيداً عن أهلها، الذين يقطنون في صعيد مصر، وتدرس في كلية التجارة في جامعة القاهرة. إلا أن رغبتها في الزواج المبكر كشرط فرضه أهلها للاستمرار في القاهرة، كان دافعاً وراء لجوئها إلى أحد مكاتب الزواج بالقرب من جامعتها في الجيزة.
وقالت أسماء إنها فكرت كثيراً قبل أن تأخذ تلك الخطوة، لكنها وجدت نفسها أمام مقر المكتب للزواج الشرعي، فلم يكن لها من خيار غير الصعود إلى الطابق الثالث، حيث مقره. وتضيف: "كان هناك شاب جالس أمامي في صالة الشقة، قام من مقعده وصافحني وحاول طمأنتي بأن الستارة التي تفصل المكتب عن بقية الشقة، خلفها زوجته وابنته. لم يمر وقت طويل حتى طلب مني أن أوقّع على استمارة تحمل 15 شرطاً قبل التعامل مع المكتب، الذي سيوفر لي عريساً. أهمها توفير 3 لقاءات للعميل كحد أقصى، وكون المكتب لا يوفر أي زواج عرفي أو مسيار، ثم الالتزام بدفع 400 جنيه بعد إتمام الزواج".
وأشارت إلى أنه ضمن الشروط، كان ممنوعاً تبادل رقم الهاتف أو أي وسيلة للتواصل مع أحد العرسان، وفي حال مخالفة هذا البند يجري دفع غرامة 5 آلاف جنيه.
وروت: "بعد أيام قليلة اتصل بي المكتب، وأخبرني أنه وجد عريساً بالمواصفات التي أطلبها، وحدد موعداً في شقة مجاورة للمكتب للقاء. لكنني فوجئت أنني أمام ذئاب بشرية وليس أمام فرد واحد، كما أخبرني، وجميعهم يحاولون الحصول على موافقتي على الزواج العرفي، لكنني تمكنت من الإفلات منهم".
وقال المحامي سعيد خضر، الذي يتولى الدفاع عن ضحايا تعرضن لعمليات نصب شركات تيسير الزواج، أن موكلته الأصغر سناً تبلغ 14 عاماً، وقعت ضحية لتجربة أشد قسوة عندما لجأت إلى مشايخ مسؤولين عن أحد المكاتب، فقاموا بتزويجها من ثري عربي يكبرها بـ30 عاماً. وعندما وصلت إلى بلده أجبرها على العمل في الدعارة، ولولا السفارة المصرية في بلد العريس لما كانت تمكنت من الإفلات.
وأكد: "هنالك شركات تقوم بتيسير زواج المسيار أو الزواج العرفي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وللأسف غالبية الضحايا قاصرات يقعن في الفخ، وتنتهي القصة بمأساة، إما بالإجهاض أو العمل في الدعارة أو الطلاق من دون حقوق".
وأوضحت إحصائية حقوقية أصدرتها مؤسسة المرأة الجديدة، عن استغلال الإناث في العمل بالدعارة، أن 48% من الرجال الذين يتزوجون عبر المكاتب، منحرفون يبحثون عن ضحاياهم بالاتفاق مع المكتب. وأن 7% من صفات الرجال المتقدمين للمكاتب، الطمع وجمع الثروة. كما أن نسبة تحول الزوجات إلى متهمات في قضايا جنائية وصلت إلى نحو 44%.
وأصدر مركز البحوث الجنائية المصري عدة تقارير عن وصول عدد المقبوض عليهم من أصحاب مكاتب تيسير الزواج، التي تدفع الفتيات للعمل بالدعارة عام 2014 - 2015 إلى 1098 متهماً، وكان عدد الضحايا اللواتي لجأن إلى أقسام الشرطة بعد تعرضهن للنصب من مكاتب وهمية للزواج وصل العام الماضي فقط إلى 2320 حالة.
وقالت عزة الجزار، المحامية والناشطة في مركز قضايا المرأة إن هناك تقصيراً أمنياً في التعامل مع تلك المكاتب والوصول إليها، وبالتالي فإن المئات من الفتيات هن عرضة للوقوع في قبضة تلك المكاتب.
وأضافت: "يأتي إلينا ضحايا كثر مروا بتلك التجربة القاسية. ورغم محاولة عقد ندوات لمحاولة تثقيف الأهالي، فهنالك فتيات ما زلن يتعرضن للاتجار بهن للحصول على مبالغ مالية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه