لم تمنعها أشكالها المخيفة أحياناً، وإمكانية افتراسها للآدميين من أن تكون ضيوفاً دائمة في بيوت بعض المصريين، بل لتبدأ بالحلول محل الحيوانات الأليفة من قطط وكلاب.
تربية الحيوانات التي كان يصنّفها المصريون مفترسة، من ثعابين وتماسيح وصقور وأسود، هي ظاهرة انتشرت بقوة منذ سنتين، فصار للحيوانات المفترسة تجار مختصّون يجلبونها من دول بعيدة لتلبية الطلب عليها. ولكل راغب دوافع مختلفة من وراء تربيتها.
أحمد درويش، هو مبرمج وواحد من المولعين بتربية الثعابين والزواحف، ولديه العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لتوعية الهواة على طرق تربية الزواحف والثعابين والحشرات أيضاً.
بدأ أحمد هوايته في تربية الزواحف منذ عام 2008، وكان عمره حينذاك 22 عاماً. يحكي لرصيف22 أنه كان يتجول في سوق الجمعة، ورأى ثعباناً يسمى "أبو السيور" فقرر شراءه، ولكن البائع خدعه بالقول إنه يأكل بيضاً حتى يقنعه بشرائه، وهذا غير صحيح، فكانت النتيجة أن مات الثعبان جوعاً.
لم يترك أحمد هذه الهواية، فأعاد الكرّة واشترى ثعبان "بول بايثون" بـ600 جنيه (60 دولاراً حينذاك).
جاذبية الجمال
يرد درويش على منتقدي اقتناء الثعابين بأن الثعبان لا يختلف عن باقي الحيوانات الأليفة مثل السمك أو القطة أو الكلب، مشيراً إلى أن ما يجذبه إلى الثعابين هو جمالها. ويرى درويش أن الكلب أو القط ربما يهاجم صاحبه إنْ أساء التعامل معه، والأمر نفسه يحدث مع الثعابين. فمن وجهة نظره، جميع الحيوانات تحتاج إلى الحذر في التعامل معها. ولفت إلى أن مربّي الثعابين يعاني من عدم وجود أطباء بيطريين يستطيعون علاج الثعابين. وقال لرصيف22: "لو دخلت على دكتور بيطري بثعبان هيطردك برة". أحمد كان له أيضاً نصيب في تربية التماسيح ولكنه ينصح الآن بعدم تربيتها، فما اكتشفه أنه لا يمكن ترويضها، ودعم حديثه بأن أحد التماسيح التي كان يربيها لم يكن طوله يتجاوز 50 سنتيمتراً، وفي لمح البصر قضم إصبعه أثناء تنظيف حوضه. وقال: "شعرت أن أسنانه اخترقت عظم إصبعي وشعرت بشلل كامل في ذراعي". بخلاف ما ذهب إليه أحمد، اعتبر سيد عبد المنعم، منسق مشاهد سينمائية ومشهور في منطقته بسيّد تمساح نظراً لتربيته تماسيح، أن التماسيح كائنات مسالمة ولكنها تحتاج إلى الحذر في التعامل معها، لأنها عنيدة وقوية، ويجب مسكها من رقبتها للسيطرة على حركة فكها. وبرغم قضم التماسيح ليده التي تظهر عليها ندبات عدة، لا يزال سيّد مولعاً بها. ولكن مشكلة تربية التماسيح وفق سيد تكمن في أن طولها يصل إلى قرابة خمسة أمتار وهو ما يصعّب استمرار الاحتفاظ بها في منزله، خشية على أبنائه منها، لأن التماسيح تظل حيوانات مفترسة، وهو ما يدفعه إلى إحضار تماسيح صغيرة ويربيها حتى يصبح طولها متراً أو أكثر بقليل، ومن ثم يبيعها ويحضر غيرها لأنه لا يستطيع العيش بدونها. وعن ظاهرة تربية التماسيح، قال سيد إنها أصبحت منتشرة بقوة في الفترة الأخيرة، فبات العديد من الشباب يشترون تماسيح منه، ويمكن إطعامها "الكبدة والسمك وأجنحة الفراخ"، ما يعني أنها ليست مكلفة كثيراً. "توتة"، ابنة سيد التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، اعتادت أيضاً حمل التماسيح وهي صغيرة، ولكن عندما تطول تتجنبها لخطورتها، وتقول إنها كائنات جميلة. أما زوجته فقالت إنها ليس لديها مشكلة في تربية تماسيح في منزلها ما دامت لا تقترب منها، ولكن يحدث أحياناً أنها تخرج من الحوض الزجاجي المخصص لها فترعبها، وتظل تلاحق زوجها بسؤال متكرر: "ما الفائدة منها؟".الافتتان بالشراسة
"حباً في الشراسة"... هكذا بلور سيد فلسفته في حب تربية التماسيح، وهو ما دفعه أيضاً إلى تربية ذئب في الماضي، وقد أحضره صغيراً وربّاه حتى أصبح عمره شهرين ولكن الذئب لم يحتمل الأسر فمات. وقال: "أحضرته لأني أحب الشراسة، ورغبةً في الاختلاف".حب الاختلاف والتميّز
الحب في الاختلاف والتميّز كان دافعاً أيضاً لعماد العبساوي، محاسب، إلى اقتناء تمساح منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، ويتخطى طوله حالياً المتر. اتهامات الناس المتلاحقة له بالجنون يعتبرها ميزة، فهو يربّي ما ليس لدى الناس. اللافت في أمر عماد أنه لا يحبس تمساحه في مكان محدد بل يتركه يتجول في شقته فيجده تارة في الحمام أو المطبخ أو في أي مكان، ولكنه يوضح أنه لا يهاجمه إلا إذا حاول شخص الاقتراب منه. زوجة عماد كانت تحمل التمساح عندما كان صغيراً، ولكن بعدما كبر أصبح محظوراً عليها الاقتراب منه. ومع أن التمساح قضم إصبع عماد مرة، إلا أنه لا يرضى التخلي عنه. ويتجنب عماد إطعامه كثيراً حتى لا يطول بسرعة ويضطر إلى التخلص منه.جاذبية الألوان
حب أحمد شريف، أعمال حرة، للثعابين دفعه إلى الإتجار بها، لأن ظروفاً خاصة تمنعه من اقتنائها في منزله. وأوضح أحمد أن حبه للثعابين جاء من خلال أصدقائه الذين يقتنونها. ألوان الثعابين الجميلة كانت سبباً في ولع أحمد بالثعابين، وبرغم خوفه منها في بادئ الأمر، إلا أنه بعدما تعامل معها وحملها، وجدها مسالمة. وتنمي الثعابين لدى أحمد الإحساس بالاختلاف، وقال لرصيف22 إن إحساس حمل الثعبان ممتع في حين قد يغمى على كثيرين بمجرد رؤيته. بدأ تعلق أحمد شريف بالثعابين منذ سنة، ولم يتردد في دخول مجال استيرادها من الخارج. وأشار إلى صعوبات يواجهها أثناء استيرادها، فضلاً عن نظرة الناس السلبية للثعابين.تجارة آل طلبة
لا يمكن الحديث عن تربية الحيوانات المفترسة وتغافل عائلة طلبة، أحد أهم مصادر استيراد هذه الحيوانات منذ سنوات. محمد صلاح طلبة المقيم في منطقة أبو رواش تحدّث لرصيف22 عن أسباب حبه للحيوانات المفترسة وعن الزبائن الذين يقبلون عليها. قال إنه يحب جميع الحيوانات، وخصوصاً الثعابين وبدأ بتربية الأصلات منها، وهي الثعابين العاصرة. ويرى أن الثعابين كائنات لطيفة إن روّضتها. كذلك، هو يحب الأسود بشدة، وحاول الجمع بين حبه للأسود والاستفادة منها مادياً نظراً لتكلفة تربيتها وذلك من خلال افتتاح منتزه صغير يسمح للناس بمشاهدتها مقابل أجر زهيد وأيضاً بالتقاط الصور معها مقابل مبلغ آخر. وقال إن "الأسود تصير أليفة إن ربيتها من الصغر، وإذا لم تجوّعها لن تغدر بالإنسان". والشبل الواحد يحتاج لحوماً بـ100 جنيه (8 دولارات) يومياً وعندما يكبر بـ400 جنيه (32 دولاراً) يومياً. زبائن محمد أكثرهم يقبلون على شراء الثعابين خاصة المصرية منها والتماسيح نظراً إلى انخفاض أسعارها، ويشترون الفئران كغذاء للثعابين. وأعمار الزبائن تبدأ من 8 سنوات ويشترط أن يحضر الصغار أولياء أمورهم، ليتأكد من موافقتهم على اقتناء أطفالهم للثعابين.أفلام محمد رمضان
فيلما "عبده موتة" و"قلب الأسد" كانا نقطتي تحوّل في تربية الحيوانات المفترسة. وروى طلبة أن الإقبال زاد بشكل غير مسبوق على الثعابين والأسود بعد صدور هذين الفيلمين، في محاولة للتشبه ببطلهما محمد رمضان الذي يحمل الثعبان والأسد. ولكن تكلفة تربية الأسود الباهظة وحاجتها إلى تراخيص كثيرة تجعلاها ظاهرة غير واسعة في مصر.لماذا كل هذا؟
الدكتور جمال فيروز، أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة، قال لرصيف22 إن الشباب مثل الطفل الصغير يقلّدون ما يشاهدونه باستمرار على التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصةً في ظل نقص الثقافة الحاد الذي تضاعف في عهدي الرئيسين الأسبقين محمد أنور السادات وحسني مبارك. وأضاف أن الشباب المصريين يقلّدون أثرياء الخليج الذين بدأوا بتربية الأسود والحيوانات الضارية الأخرى. واعتبر أن ظاهرة تربية الحيوانات المفترسة هي عملية تعويضية لنقص يتعرض له هؤلاء الشباب فيرغبون في الاختلاف والقول إن لديهم قدرات لا يمتلكها الباقون. من جانبه، ربط أستاذ علم الاجتماع السياسي في أكاديمية الشروق محمد سيد أحمد هذه الظاهرة بما يحدث في مصر من أحداث سياسية عقب ثورة 25 يناير. وقال لرصيف22 إن مشاهد الاشتباكات والعنف ولّدت في قلوب المصريين، خاصة الشباب منهم، حب الشراسة والعنف. وشرح أحمد أن غالبية مقتني هذه الحيوانات هم من الطبقة المتوسطة، وهي الطبقة التي فجرت ثورة يناير، وهي أيضاً سبب قوة ظاهرة الألتراس التي ترفض السلطوية أو النظامية. وبرأيه إن هؤلاء الشباب يميلون من خلال تربية هذه الحيوانات إلى أن يكونوا مختلفين عن البقية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع