"من يتولى سجن مقاتلي داعش حين تزداد أعدادهم؟". بات هذا السؤال يؤرق قادة التحالف الدولي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، مع تقدم العمليات باتجاه الموصل العراقية، والرقة السورية.
ما يُعرف عن "انغماسيي" التنظيم، هو استمرارهم في القتال حتى الموت، ما يجعل عدد الأسرى أقل من المعتاد في حرب مماثلة. لكن توسع العمليات ينبىء بأعداد متزايدة من الأسرى، ولا يوجد من هو مستعد لتولي مسؤوليتهم.
لم تنس واشنطن بعد الضريبة الباهظة التي دفعتها خلال العقود الماضية، وهي تبدو مصممة اليوم على عدم إحياء عمليات الاعتقال الواسعة. فقد ذاقت لوعة هذا الملف في العراق وأفغانستان. لكن غياب الخطة الواضحة بشأن تسلم حلفاء واشنطن على الأرض مسؤولية أعداد كبيرة من المعتقلين، يطرح احتمال تصفيتهم بطرق بشعة، تترك تداعياتها في مرحلة ما بعد أي انتصار.
وكان تقرير "نيويورك تايمز"، الموقّع من تشارلي سافاج ومايكل وإريك شميت، بمشاركة فالح حسن من العراق، طرح هذه المسألة، تحت عنوان "الافتقار إلى خطة لمعتقلي داعش يثير مخاوف تتعلّق بحقوق الإنسان". ونقل في هذا الإطار عن رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر مورير، خوفه في حال "لم يقتلوا وتمّ اعتقالهم، ماذا ستكون عليه معايير الرعاية ومن سيتولى المهمة وبأي طريقة؟".
في الإطار نفسه، تنقل الصحيفة عن المسؤول الذي أشرف على سياسة الاعتقال في وزارة الدفاع الأميركية بين عامي 2010 و2013، وليم ك. ليتزو، التخبط الدائر داخل الإدارة الأمريكية. إذ ثمة معارضة "واسعة" في المستويات العليا، للاعتقالات خصوصاً في فترة الحرب، لكن البديل "قد يؤدي إلى ارتكاب جرائم حرب في حال كان المقاتلون المحليون، المدعومون من الولايات المتحدة، في مواجهة مساجين أكثر من قدرتهم على التعامل معهم". يقول ليتزو: "إذا استمرت الأعداد بالتزايد، فسيطلقون النار على المساجين ولن نسمع بأمرهم أبداً".
كابوس أفغانستان
لا يريد أحد استحضار الفوضى التي أثيرت في فترة سقوط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001. حينها قُتل المئات، بل الآلاف، من سجناء الحرب الموالين للحركة، بعدما استسلموا لقوات تتبع أمير حرب كانت تدعمه واشنطن. أما منظمات حقوق الإنسان الدولية المعنية بالمعاملة الإنسانية للمعتقلين، فلا تبدو متحمسة لتولي واشنطن المهمة. هذه المنظمات أمضت العقد الماضي، تنتقد الانتهاكات بحق المعتقلين في قاعدة بغرام العسكرية في أفغانستان، وفي سجن أبو غريب في العراق، وسجن غوانتانامو الذي ما زال مفتوحاً في كوبا. ولأسباب مشابهة، لا يرغب مسؤولون أميركيون في تولي مسؤولية مماثلة مع معتقلي التنظيم. ويقول الناطق باسم مجلس الأمن القومي مايلز كاغينز، إن بلاده لا تنوي التورط في اعتقال طويل الأمد لسجناء "داعش"، ويضيف: "لن نرسل هؤلاء إلى غوانتانامو".مخاوف من السلطات المحليّة
في إحدى مقابلاته الأخيرة، كشف نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار، أن القوات العراقية اعتقلت في الرمادي 1870 شخصاً، من بينهم 330 معتقلاً، اعترفوا أنهم كانوا أعضاء في التنظيم، في حين أن البقية كانوا مدنيين. ومع ذلك يبدو صعباً اعتقال عناصر التنظيم خلال أو بعد المعركة، فهم معظمهم من الانتحاريين أو يقتلون في المعارك، في حين أن آخرين يرمون السلاح ويتماهون مع المدنيين. هذا السيناريو يخيف بدوره المعنيين بحقوق الإنسان، فيقول الباحث في "هيومن رايتس ووتش" المتخصص في العراق كريستوف ويلكي، إن هذا السيناريو يتيح لعناصر التنظيم الذين ارتكبوا مجازر مروعة، أن يفروا من المحاكمة. لذلك أنا مهتم بقضية الاعتقال من أجل تحقيق العدالة". بحسب كاتبي التحقيق، قد يكون البديل هو تطويق عدد كبير منهم، ونقلهم إلى معتقل، واستجوابهم والعمل على تحديد هوياتهم، والجرائم التي ارتكبوها. ولكن التحدي يبقى في تحديد الجهة القانونية المخوّلة محاكمة أشخاص في منطقة تعمها الفوضى كسوريا. ويوضح هؤلاء أنه أياً كان من سيتولى مسؤوليتهم، فسيضطر لوضع خطة طويلة الأمد، للتعامل مع معتقلين يصنفون خطرين. لكن لا يمكن لأي سبب محاكمتهم، إذا لم تتوفر الأدلة المقبولة لذلك، ولا يمكن ترحيلهم بسبب مخاوف من تعرضهم للتعذيب. يقول التقرير إن هذه المشاكل هي التي أحبطت محاولات أوباما لإغلاق سجن غوانتانامو، وفي حالة عناصر داعش، فهم من جنسيات مختلفة ومنهم من أوروبا، ما قد يؤدي إلى تعقيدات دبلوماسية بسبب التفاوض مع بلدانهم. ولكل منها معاييرها المختلفة في التعامل مع المعتقلين. وهذا كان مثار نقاشات مطولة بين إدارة أوباما وأعضاء التحالف الدولي. وفي ظل انعدام الخيارات الجيدة، يمكن لإدارة أوباما أن تتولى التحقيق مع قيادات الصف الأول في داعش، وهو ما قامت به في وقت سابق مرتين فقط، قبل إعادة تسليم الشخصين إلى السجون الكردية. وهنا تتعزز المخاوف من انتقام تنفذه القوات الشيعية أو الكردية عند اعتقالها لأحد عناصر التنظيم. يقول الكولونيل ستيف وورن، الناطق الرسمي باسم القوات الأميركية في العراق: "لسنا مجهزين في العراق لهذا النوع من الاعتقالات، ما يعني أننا خارج هذا العمل". وبدوره، يشير ويلكي إلى شكاوى عدة تلقتها المنظمة، من انتهاكات في السجون الكردية، وأكثر منها في السجون التابعة للسلطات العراقية. وذكّر ويلكي بحكم الإعدام الذي اتُخّذ في حق 40 شخصاً اتهموا بالانتماء للتنظيم، في محاكمة صورية اعتمدت على اعترافات التعذيب. في المحصلة، تصف المسؤولة في "هيومن رايتس فرست" راها والا، الأمر بـ"المعضلة". وتفسر ذلك بأن ما جرى بعد أحداث 11 سبتمبر وضع الولايات المتحدة أمام إشكالية قانونية، ولكن من ناحية أخرى، تضيف: "لا يمكن أن نغسل يدينا من المسؤولية ونترك العملية للأطراف المحلية، التي قد لا تتبع معايير حقوق الإنسان، ما يعني أن المعنيين عالقون اليوم بين المطرقة والسندان".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...