"بالكاد أستطيع بيع الآلات الموسيقية، وإن رغب أحدهم بشراء آلة ما، فلكي يضعها في منزله كديكور. قلّما ألتقي بزبون راغب في تعلم الموسيقى، وكيف لا، والمعاهد الموسيقية في السعودية لا وجود لها". هكذا يلخص أحمد صبري معاناته في بيع الآلات الموسيقية، في ظل انعدام المعاهد الموسيقية في السعودية.
كي تتعلم الموسيقي، كل ما عليك فعله هو أن تقصد أحد الفنانين أو الملحنين في السعودية، ليمنحك بعضاً من وقته ليعلمك أصول العزف أو التلحين. هذا ما يؤكده عمر الجاسر، مدير الجمعية السعودية للثقافة والفنون بجدة، إذ قال لرصيف22: "يتوجه الهواة والراغبون في اكتشاف وتطوير مواهبهم إلى الملحنين ليتعلموا أصول الموسيقى وطرق العزف، وهو الحل الوحيد في ظل عدم وجود معاهد موسيقية". تعيش الموسيقى في السعودية حالة جدلية، في ظل تضارب الفتاوى الدينية حول إباحتها أو تحريمها. إلا أن تدريسها أو إنشاء معاهد فنية، أمر قد يصعب أن يجد طريقه إلى الواقع نتيجة الجدل بين تيارين، المحافظين والليبراليين. لكن هذا الجدل لم يمنع المواهب السعودية في الغناء والعزف من مقارعة نظرائهم من الدول العربية في برامج المسابقات الفنية، التي ذاع صيتها في منطقة الشرق الأوسط. كما ذاع صيت العديد منهم كمواهب غزت شاشات التلفاز، في خطوة فاجأت النقاد الفنيين. يقول أحمد صبري، الذي امتهن بيع الآلات الموسيقية أكثر من 20 عاماً في السعودية: "ليس من الصعب شراء آلة موسيقية، لأنك ستجد كثيراً من المعارض الخاصة بذلك، من العود إلى الغيتار إلى البيانو، ولكن القليل من الزبائن يرغبون بشراء هذه الأدوات. في الماضي، كان يأتي إلينا محترفو العزف الموسيقي راغبين في تدريس الموسيقى للمبتدئين بأجر مقابل كل ساعة، تاركين رقم هاتفهم لمن أراد، إلا أن تلك الفئة اختفت مع تقادم الزمن".
أول مبادرة
عام 2013، أحيت جمعية الثقافة والفنون بالإحساء، مبادرة تكاد تكون الأولى من نوعها من أجل تعليم الموسيقى. فقامت بتنظيم دورة الموسيقى الأولى “الصولفيج”، التي نظمها قسم الموسيقى في الجمعية، بعد توقف دام عشرين عاماً، وبمشاركة 24 متدرباً، وإدارة الأكاديمي خليل المويل الذي حرص على تقديم مادة علمية تجمع النظريات العلمية الموسيقية والتطبيق العملي.
في ظل تضارب الفتاوى الدينية حول إباحة الموسيقى أو تحريمها، لا أمل في وجود معاهد موسيقية في السعودية...
أصوات سعودية كثيرة تشارك في برامج المواهب وتبدع... علماً أن لا معاهد تعلمها الموسيقى والغناء في السعوديةويعول الكثير من هواة الفن والموسيقى على الجمعيات الثقافية والفنون في جدة، لتقوم بمبادرات مدروسة لإعطاء جرعة حياة في الجسد الفني، عبر إقامة برامج تدريبية في المسرح أو الفن التشكيلي، وغيرهما من الفنون الأخرى. ويوضح عمر الجاسر أن هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية لا بد أن تضطلع بدور أكبر من أجل تشجيع الشباب، فهناك العديد من المواهب التي هي في أمس الحاجة إلى تنميتها. ويضيف أن الفن لا يزال على هامش الحياة في السعودية، وهناك مواهب قد تكون في طريقها إلى الانقراض، في ظل تجاهل الأجهزة الحكومية المعنية بالثقافة. وأضاف: "من الصعب التنبؤ بخطط الحكومة السعودية في شأن افتتاح مراكز للترفيه أو تشجيع المواهب، وذلك في ظل سياق الرؤية السعودية الجديدة لعام 2030، إلا أننا نأمل في افتتاح معاهد لتشجيع أصحاب المواهب ودعمهم بكافة الوسائل، عوضاً عن تهميشهم".
السفر هو الحل
باتت القاهرة، لبنان، دبي والمغرب الوجهات المفضلة لمن أراد تعلم النوتة الموسيقية. فبعض الشباب السعوديين أو المقيمين، يفضلون استغلال أوقات الفراغ خلال دراستهم الجامعية، لتعلم الموسيقى في المعاهد المنتشرة في المدن العربية. إيهاب فاضل خاض هذه التجربة، وهو شاب فلسطيني مقيم في مدينة جدة، أتيحت له فرصة الدراسة الجامعية في القاهرة، وهناك، تمكن من إشباع موهبته في تعلم العزف على العود. ويؤكد فاضل لرصيف22 أنه كان قد مل البحث عن معاهد لتعليم العزف على العود في السعودية، بالرغم من شهرة وشعبية آلة العود في المملكة بشكل خاص. مضيفاً: "فوجئت بوجود العديد من السعوديين الذين تسجلوا في المعهد لتعلم العزف على شتى الآلات الموسيقية، إذ أتى غالبهم للدراسة في مصر، واستغلال أوقاتهم في معهد موسيقى لتطوير موهبتهم".المستقبل
وفي سياق الرؤية السعودية الجديدة لعام 2030، أنشأت السعودية هيئة حكومية جديدة أطلق عليها الهيئة العامة للترفيه. إلا أن دور الهيئة لا يزال غامضاً، والكثير من المهمات الخاصة بها مجهولة. علماً أن الأوساط الفنية تعقد الكثير من الآمال في تعزيز القطاع الفني في البلاد، في الوقت الذي طالب فيه الفنانون أن تعمل الهيئة على إنشاء المعاهد وصالات السينما، وعلى تنظيم حفلات موسيقية ومهرجانات. وفي الإطار نفسه، يؤكد عمر الجاسر عدم وضوح مهمات تلك الهيئة، بالرغم من أنها تجسد الرؤية المستقبلية للمملكة لعام 2030، التي خصصت منها جزءاً لدعم المواهب الفنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...