حفر الباذنجان تحت القذائف في غزة
الأربعاء 7 سبتمبر 201607:08 م
نهاية عام 2008، شنّت إسرائيل حرباً شرسة على قطاع غزة، تابعها العالم من خلال وسائل الإعلام، التي كانت تنقل ما يحدث في الشارع من قصف وقتل وتدمير. لكن، ما كانت تخفيه جدران المنازل، كان مختلفاً تماماً عن ذلك الذي كانت تنقله وسائل الإعلام. غزة التي لا تعرفونها جيداً، هي غزة مجنونة بالحياة والحب والضحك والأطباق الذكية، خصوصاً المحشي منها، مهما اشتدت القذائف وانتشر الإعدام.
أحمد سالم شاب فلسطيني من قطاع غزة، يتذكر تلك الفترة: "في تلك الأيام الصعبة كان جل تفكير الناس في مدة الهدنة، التي أقرتها إسرائيل بين الساعة الرابعة والسادسة مساءً، هو ما يحتاجونه من محالّ البقالة من سجائر وطعام. فعلى صعيد المنزل الذي كنت أسكنه، وكان بداخله أكثر من 170 شخصاً من الأقارب والجيران المهددة منازلهم بالقصف، أو يجاورون أحد المنازل المهددة، تذوقت وقتها بعض الأطعمة التي لم أرها إلا خلال تلك الفترة، بسبب وجود ناس من ثقافات مختلفة في المنزل نفسه. وكانت تلك تقريباً المرة الأولى التي أتناول فيها طعاماً سُويَ على نار الخشب بسبب انقطاع الغاز والوقود".
يتحدث أحمد (32 عاماً)، وهو جالس على كرسي متهالك في أحد مقاهي القاهرة، التي جاءها مرافقاً لوالده في رحلة علاجية: "حين سألت عن سبب شهيتهم على الأكل بهذه الطريقة الغريبة في ظل هذه الظروف، جاءت الإجابة من إحدى السيدات اللواتي كن يحفرن الباذنجان استعداداً لعمل المحشي: يعني يرضيك نموت وإحنا جوعانين. لم يدهشني الرد بقدر ما أدهشتني نوبة الضحك التي اجتاحت المكان، في وقت تتصاعد أصوات انفجارات القذائف الإسرائيلية من كل مكان حولنا".
شهيد وسيجارة
وعن المواقف الغريبة التي شهدها خلال فترة الحرب، يقول أحمد: "في اليوم الثالث عشر من الحرب، قصفت الطائرات الإسرائيلية سيارة كانت تسير على مقربة من المنزل. هرعت إلى المكان لأجد بعض المواطنين يتجمعون حول السيارة المشتعلة ويحاولون إخماد الحريق. وصلت سيارة الإسعاف وكان بداخلها رجلان (السائق والمسعف)، ترجلا من السيارة لنقل الجثة. سائق الإسعاف كان يجمع أشلاء القتيل بيد وباليد الأخرى يمسك سيجارة! ترى كيف وصل سائق الإسعاف إلى هذه المرحلة من القسوة؟ أم كان ذلك مجرد نوع من اللامبالاة؟ ربما روتين".حب فلسطيني على مكسيكي
يضيف أحمد: "بما أن الهاتف هو وسيلة الاتصال التي تكاد تكون الوحيدة المتاحة لخلوة العاشقين في قطاع غزة، بسبب انغلاق المجتمع بطريقة تدعو إلى الكآبة، كانت حبال الود مقطوعة بيني وبين تلك الجميلة التي تعرفت إليها خلال فترة دراستي الجامعية. إذ كانت شبكات الاتصال معطلة. ونتيجة لتلك القطيعة، أيقنت أن ذلك الحب كان شعوراً وهمياً كشفت الحرب زيفهۚ". وعن العلاقات والمشاعر الإنسانية بين الجنسين في غزة، يوضح أحمد: "المجتمع في غزة لا يتقبل العلاقة بين الرجل والمرأة إلا في حالات معينة، كالزمالة في العمل، وتنتهي تلك العلاقة مع انتهاء أوقات العمل الرسمية. لكن العلاقات العاطفية منتشرة بشكل كبير بين الشبان هناك، شريطة عدم اللقاء في الأماكن الخاصة أو حتى العامة لأن أي لقاء من هذا النوع قد ينتهي بكارثة".رجل الإسعاف يجمع الأشلاء بيد وبيده الأخرى سيجارة والعميل يتحول إلى شهيد حسب الوساطة: أهلاً بكم في غزة
غزة التي لا تعرفونها جيداً، هي غزة مجنونة بالحياة والحب والضحك والأطباق الذكية، مهما اشتدت القذائف وانتشر الإعدامولمن لا يعرف طبيعة المجتمع في غزة، فإن عدد السكان في تلك البقعة نحو مليوني نسمة. يقول أحمد: "لا أبالغ حين أقول إنهم جميعاً يعرفون بعضهم بعضاً، فمن لا تربطهم صلة القرابة، يجمعهم النسب أو الصداقة، أو حتى الوجع نفسه. مساحة القطاع البالغة نحو 360 كيلومتراً، ساهمت في ذلك الأمر أيضاً، فقطاع غزة بعدد سكانه، يعتبر أصغر من أصغر شوارع القاهرة".