هناك العديد من الأماكن التي يذهب إليها الشباب في غزة لقضاء أوقاتٍ جميلة مع عائلاتهم وأصدقائهم، منها المقاهي الشعبية، التي انتشرت بوتيرة عالية على امتداد شاطئ غزة وداخل المدينة، والمقاهي الثقافية التي تهتم بالمثقفين من الشباب.
أما في المخيمات، فيفضل غالبية الشباب السهر على أعتاب بيوتهم. هؤلاء يجدون أن هذا هو الحلّ الأفضل، لأنهم لا يملكون المال ليذهبوا إلى مقهى شعبي.
مركز للحراك الشبابي
برغم الظروف الاقتصادية الصعبة، تحوّلت المقاهي على اختلافها إلى مراكز للحراك الشبابي، خصوصاً في ظل انقطاع التيار الكهربائي. لكن وتيرة الإقبال عليها تتغير تبعاً لفصول السنة.
ففي الصيف ينشط التوجه نحو المقاهي المنتشرة على شاطئ البحر، ويمتد السهر حتى ساعات متأخرة من الليل. بينما في فصل الشتاء يُفضل الشباب التوجه نحو المقاهي القائمة داخل المدينة ومن دون إطالة وقت السهر.
لا يكاد يخلو حي في منطقة الشيخ رضوان، غرب غزة، من مقهى شعبي. أحمد حسونة، 26 عاماً، متخرّج من كلية الهندسة، اعتاد أن يقضي سهراته في أحد هذه المقاهي ليجتمع مع بعض أصدقائه. قال لرصيف22: "الشباب في غزة يملكون أوقات فراغٍ أكثر من شباب أيّة مدنية أخرى في العالم، وذلك بسبب البطالة، والمعابر المغلقة والظروف التي تزداد سوءاً، ما يدفعهم إلى قضاء أكبر قدر ممكن من أوقاتهم مع أصدقائهم خارج البيت".
أحاديث السهر
يجتمع حسونة مع أصدقائه في المقهى حول فنجان قهوة ونرجيلة ومجموعة من علب السجائر. يحاولون أحياناً، من خلال الحديث عن أخبار الفن والرياضة، الهرب من ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. يروي أن "الغالب على حديث السهر هو مناقشة حال الشباب ومشاكلهم، والحديث عن الظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها الناس في غزة".
وتابع: "لا ساعة معينة لموعد العودة إلى البيت لأن لا عمل ينتظرنا في الصباح. وقد جعلت مشكلة الكهرباء التي تتفاقم من المقاهي المكان المفضّل لدينا".
وأشار حسونة إلى أن معدل ساعات السهر داخل المقاهي يصل إلى 3 ساعات، ثم يكمل الشباب سهرتهم بالمشي على شاطىء البحر أو في الشوارع. المهم بالنسبة إليهم عدم العودة إلى البيت والشعور بالملل.
وقال محمد خليفة، 23 عاماً، لرصيف22: "آتي مع أصدقائي إلى المقهى. لكنّي أفضّل أن أقضي وقت السهر في البيت مع عائلتي أو أصدقائي، بسبب غلاء المعيشة، وإن كانت أسعار الخدمات التي تُقدمها المقاهي زهيدةً. فمع ذلك، هي لا تُناسب من لا دخل له".
تخوّف من المقاهي
يتخوف بعض الأهالي على أبنائهم من رفاق المقاهي. ويرون أن هذه الأماكن تؤثر سلباً على سلوك أولادهم الاجتماعي. لكن خليفة يعتقد أن "الشاب الواعي لا يمكن أن يتأثر سلباً أينما وُضع، فها أنا ألعب الورق والبلياردو في المقهى مع أصدقائي لكنني لا أدخن السجائر أو النرجيلة"، ويضيف أن "البعض يرى في هذه الأشياء ما يُنفس عنهم ضغوط الحياة، أحترم رؤيتهم لكنني لم أنجرّ إليها".
وماذا عن المشروبات الكحولية إذن؟ يُجيب: "نحن نعيش في مجتمعٍ محافظ. حتى الذين يتناولون المشروبات لا يُفصحون عن ذلك حِفاظاً على مكانتهم بين عائلاتهم وأصدقائهم ومجتمعهم".
مقهى ثقافي
مقهى ومطعم "قرطبة" يقدم خدمة ثقافية لرواده نظراً لموقعه وسط الجامعات الفلسطينية في القطاع. على جدران إحدى زواياه، رفوف تحوي كتباً لمن أراد القراءة، ومواضيعها متنوعة بين الروايات الأدبية وكتب الدين والتاريخ، إضافة إلى السير الذاتية لمشاهير العالم، وقصص النجاح، والكتب السياسية وواقع القضية الفلسطينية.
هند الخضري، 21 عاماً، طالبة جامعية وناشطة اجتماعية، تأتي بشكلٍ مستمر إلى المقهى. قالت لرصيف22: "أجلس برفقة صديقاتي أو زملائي في العمل، نتحاور في قضايا المجتمع، نعقد بعض اجتماعاتنا، أيضاً نقرأ الروايات، لا نشعر بالوقت لأن المكان هادئ وجميل". وأضافت: "كثيرة هي المكتبات والمقاهي الثقافية في غزة لكنها تفتقر لمَن يقرأ، وذلك لأسبابٍ عدة منها عدم توفير المكان والجو المناسبين اللذين يجذبان الشباب".
يفتح المقهى أبوابه حتى منتصف الليل، ويُوفر قسماً خاصاً بالعائلات، ما يُتيح للفتيات إمكانية المجيء مع صديقاتهن أو العائلة. لكن الخضري تُحبذ التنوع في قضاء أوقاتها، خصوصاً في المناسبات. فهي تسهر أحياناً مع صديقاتها في أحد الفنادق الفاخرة على شاطئ البحر.
وقالت: "هذه المقاهي والمطاعم المنتشرة على شاطئ بحر غزة نقضي فيها أوقاتاً جميلة ولا يقتصر حديثنا على جانبِ معين". وماذا عن الأهل؟ تجيب: "ما دام الأهل واثقين من ابنتهم فلمَ الخوف؟". تتحفظ مارينا أبو سيف، 22 عاماً، في المقابل على خروج الفتاة وحدها أو مع صديقاتها ليلاً، "لأن ذلك لا يليق بخصوصية الفتاة في مجتمع محافظ كغزة". وتضيف: "المجتمع ينظر بسلبية إلى المقاهي بشكلٍ عامٍ، لأنها تؤثر بشكلٍ أو بآخر على روادها بمَن فيهم الفتيات، لذلك لا أذهب ليلاً إلى هذه الأماكن إلا مع أهلي".
وقالت أبو سيف التي كانت تلعب مع صديقاتها الشطرنج في مقهى قرطبة: "أقضي معظم وقتي نهاراً هنا بين القراءة واللعب والحوارات، وليلاً إذا قررنا السهر، فغالباً يكون التجمع في البيوت وليس خارجها. ونذهب أحياناً إلى المطاعم والمقاهي ليلاً لكن برفقة الأهل".
حرية مقيدة بالعادات
تحاول المقاهي في القطاع الحفاظ قدر الإمكان على العادات والتقاليد المجتمعية لاستمرار عملها. أبو كريم صاحب مقهى الواحة في الرمال الجنوبي، لا يستقبل الشباب ما دون سن الـ18 عاماً للابتعاد عن المشاكل. ويقول: "نحاول توفير جو هادئ ومريح للزبائن، بعيداً عن الملاحقات الأمنية التي تزداد مع تزايد الأمور غير المشروعة، كالمشروبات الروحية، وبعض الإشكالات المتعلقة بأسماء معينة".
وقد أثار سؤالنا عن "المشروبات غير المشروعة" استهجان الشباب وأصحاب المقاهي أيضاً. فهم يأخذون في الحِسبان عدم تجاوز المحظورات، إلا أن هذا الاستهجان لا ينفي وجودها بين فئة من الشباب، ولكن بسرية تحافظ على وجودهم بين عائلاتهم ومجتمعهم.
لا يقتصر ارتياد المقاهي على العاطلين عن العمل، فبحسب أبو كريم: "من روادَها أطباء وأساتذة جامعات ومهندسون ومحامون وطلبة وغيرهم من الطبقات المثقفة وكبار السن. يأتون إلى هنا لتوفر الكهرباء وخدمة الإنترنت".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع