"اللي بيحتاجه البيت بيحرم عالجامع". هذه مقولة يعرفها الفلسطينيون جيداً، وتعني أنه لا يجب التبرع للمسجد إذا كان هناك حاجة لبيتك أو عائلتك.
لكن هذه المقولة غالباً لا تطبق في قطاع غزة. فإذا قمت بجولة في أراضي القطاع، ستلاحظ أعداد المساجد المنتشرة فيها، ما بين مكتمل البناء والمدمر بسبب الحروب الإسرائيلية، ومساجد أخرى قيد الإنشاء.
مبدأ بناء المساجد وحرية العبادة أمر يكفله القانون، لكن أن تجد استمرار الدعوات لبناء المساجد، ومنها بني بشكل فيه الكثير من البذخ، في مجتمع يعاني من الفقر والبطالة والبيوت المدمرة، فالأمر هنا يستوجب وقفة وتساؤلاً.
تقول وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة، إنها لا تتدخل في بناء المساجد، ودورها لا يتعدى الدور الإشرافي. ومعظم المساجد بنيت إما على نفقة أهل الخير والمتبرعين المحليين، أو الداعمين الدوليين لبناء مساجد جديدة بدلاً من المساجد التي دمرتها الحروب الإسرائيلية. فتقوم الوزارة بتشكيل لجنة إعمار المسجد، وهي مكونة من أهل الحي، ويتم اعتمادها من الوزارة لتشرف على بناء المسجد وفق مواصفات الدائرة الهندسية من الوزارة. بينما في المساجد المدمرة المطلوب إعادة إعمارها، تقوم الوزارة بتقييم حجم أضرار المسجد وتكلفة إعماره وتقدمه للمانحين، ومن بينهم تركيا وقطر والإمارات، الذين يشرفون على إعماره بما يرونه مناسباً، وفق ضوابط الوزارة. وهذا يعني أن الجهة المانحة لإعادة الإعمار لا ترصد مبلغاً أقل من المعروض وفق تقديرات الوزارة، لكن إذا قررت أن تزيد المبلغ لمتطلبات تقدّرها، فإن الوزارة لا تمانع.
في غزة نحو 1150 مسجداً، يتبع وزارة الأوقاف نحو 950، منها 62 مسجداً ما زالت مدمرة كلياً، و74 مسجداً يعانون من أضرار جزئية. وقد قدرت الوزارة كلفة إعادة إعمار المساجد المدمرة كلياً بأكثر من 29 مليون دولار بمتوسط يقترب من نصف مليون دولار لإعادة بناء المسجد الواحد.
[caption id="attachment_53267" align="alignnone" width="700"]
مسجد الأمين محمد المدمر[/caption]
هذه المبالغ الكبيرة المخصصة لبناء المساجد، جعلت بعضها ممتلئاً بالإضافات التي قد توصف بأنها تحمل الكثير من البذخ والزخرفات. فهناك مساجد لا تصدق أنها موجودة في قطاع شهد 3 حروب إسرائيلية، ويقبع تحت حصار حتى الآن. المفارقة المؤلمة هي أن تخرج من الصلاة في هذا المبنى الفخم لتجد المحتاجين يقفون أمام أبواب المساجد، يطلبون أقل القليل من الناس لمساعدتهم في توفير احتياجاتهم الأساسية. فقد ازدادت نسبة الفقر والبطالة في القطاع لتصل إلى 45%. ودعوات المحتاجين للمساعدة، تقابلها، وبمفارقة غريبة، دعوات القائمين على المسجد للمصلين بالتبرع لتسديد ديون بناء المسجد، أو ثمن مشتريات جديدة له، فأحياناً تزيد تكاليف البناء عن الأموال المتوفرة والمجموعة من المتبرعين.
[caption id="attachment_53387" align="alignnone" width="700"] مسجد الخالدي الذي بلغت تكلفة بنائه ملايين الدولارات[/caption]
على الجانب الآخر مئات من المشردين داخل مراكز الإيواء والكرافانات شمال وجنوب القطاع ينتظرون إعادة إعمار منازلهم المدمرة في الحرب الأخيرة قبل عامين، غير قادرين على احتمال المزيد من برد الشتاء أو حرارة الصيف في صفائح حديدية، لا يمكن أن تسمى منازل. ولا يوجد فيها أدنى مقومات القدرة على العيش، متسائلين عن حق العباد في الحياة الكريمة.
ويقول سكان الكرافانات، إنهم بعد عامين على تشردهم وتدمير منازلهم ولجوئهم إلى هذه الكرافانات المقدمة لهم من المانحين، باتوا اليوم منسيين من دون أي أفق لحل أزمتهم، ولا يخفون استياءهم من التقصير في حل الحكومة ووزاراتها لمشكلتهم. كما أن التقصير يتسع ليشمل المجتمع، الذي لا يتردد في بذل المال لتشييد مبانٍ فخمة يصلي فيها جمع قليل من الناس، ويتجاهل مأساة مشردي الحروب.
الكلفة المقدرة لبناء مسجد واحد بهذه الفخامة، يمكن أن تعيل أكثر من 200 عائلة في غزة لمدة سنة، إذا أخذنا التقدير الأعلى لمعدل الأجور، الذي يبلغ 80 شيكلاً/اليوم (20 دولاراً أمريكياً) كمقياس. كما أن الكلفة الكلية لإعادة بناء أو ترميم المساجد المتضررة، يمكن أن تبني منازل لـ580 عائلة، إذا أخذنا معدل 50 ألف دولار كلفة بناء أو ترميم لمنازل المشردين حسب نسبة الضرر.
من الناحية الدينية، يرى جمهور الفقهاء أنه يكره زخرفة المسجد بذهب أو فضة أو نقش أو كتابة أو غير ذلك، لما فيه من مخالفة شرعية. ويقول الشيخ عبد الباري خلة، الداعية الإسلامي من غزة لرصيف22: "زخرفة المساجد من علامات الساعة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها تشتيث لفكر المصلي، وعدم خشوعه".
أما من الناحية الإنسانية والعملية، فهل من المقبول أن يتم بناء مساجد بهذا البذخ والإسراف ليعبد فيها الله، في وقت يقف المحتاجون والمعوزون على أبواب هذه المباني، يتوسلون المتعبدين؟ المشكلة هنا، هي مشكلة نظرة أو فهم لدور الدين في الحياة، وهو ما يعانيه المجتمع العربي بشكل عام. فالتعلق بالمظاهر والقشور أسهل بكثير من تطبيق المضمون. من السهل جداً القيام بالشعائر، ولكن من الصعب على الكثيرين أن يطبقوا في حياتهم ما تدعو إليه هذه الشعائر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع