يعد القناصة من أدوات القتل الرئيسية في الحرب الدائرة في سوريا. وقد تسببوا بمقتل وإصابة مئات المدنيين الأبرياء على مدى السنوات الخمس الماضية. منهم من كان في الشارع أو في وسائل النقل أو حتى في بيوتهم. ينتشر القناصة في أماكن متعددة في المناطق التي تشهد اشتباكات بين الأطراف المختلفة، وفي المناطق والمباني المرتفعة، وعلى جانبي الطرق الفاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام، وفي محيط المناطق المحاصرة. السكن والتحرك في أماكن رصد القناص، واقع اضطر إليه الكثيرون من السوريين، الذين لا يجدون أماكن أو طرقاً بديلة، ما دفعهم للتفكير والتنبؤ بالطريقة التي يفكر بها القناص، علهم يدرأون خطره عنهم.
في بعض الأحيان يكون غرض القناص زرع الخوف في نفوس المارة، أو الموجودين في المنطقة. فالكثيرون منهم يختارون ضحيتهم بشكل عشوائي. وغالباً يلقب السكان المحليون القناص الذي يرصد منطقتهم باسم المبنى التي يتمركز به، لمساعدة الغير على تجنبه. ولعل أشهرهم في حلب هو قناص القصر البلدي، وقناص القلعة، وفي حي الوعر قناص المشفى.
أحمد الذي سكن في أحد الأحياء المرصودة من قبل القناص في حلب، قال "لا شعورياً كنت أضع نفسي مكان القناص وأفكر كيف يمكن أن يختار ضحيته، ثم أفكر كيف يمكن أن لا أكون هذه الضحية".
وتبعاً لخصوصية المنطقة وتصرفات القناص ابتكر السوريون طرقهم الخاصة، التي يعتقدون أنها تقلل فرص اختيار القناص لهم، أو نجاحه في استهدافهم. وتحول بعضها إلى ما يشبه بروتوكولاً يتبعه الجميع في منطقتهم على الأقل، كما استخدموا وسائل كثيرة لحجب نظره عنهم.
ارتداء الألوان الباهتة
يعتقد كثيرون أن للألوان التي يلبسونها تأثيراً في احتمال اختيار القناص لهم. تعتقد هبة أن من يمر بمنطقة القناص عليه أن لا يلبس معطفه الأحمر مثلاً، والرمادي والبني لن يثير شهية القناص لاختياره من بين عشرات الناس. وتقول: "لم أعش في حي عرضة للقنص، لكنني اضطررت منذ عامين للذهاب إلى القصر العدلي لتصديق أوراق ضرورية في حلب، وتطلب الأمر المرور من شارع عرضة للقنص. فارتديت ألواناً باهتة، وتجنبت الألوان الفاتحة المميزة كما نصحني أصدقائي، لا أعرف إن كان هذا دقيقاً لكنني نجوت".الركض بأسلوب زيك-زاك
الركض هو الوسيلة الغريزية الأولى التي تخطر على بال أي إنسان للهرب من خطر القناص، هذه التجربة يختبرها عشرات السوريين كل يوم في مناطق مختلفة. يقول محمود، الذي يعيش في حلب: "هي لحظات فقط، لكنك تشعر أنها دقائق طويلة، تتمنى أن تبلغ الجانب الآخر الذي تعبر إليه في سلام. في ثوان قليلة تتذكر أشياء كثيرة كأن حياتك بأكملها تصبح أمامك".سكان الأحياء المرصودة من قبل القناصين يخبروننا عن الحيل التي ابتكروها للتقليل من خطر التعرض للقنص...
للركض هرباً من رصاص القناص قوانينه...وفقاً لمحمود فإن الركض من القناص له طريقته: "يجب أن يكون سريعاً، وبشكل زيك زاك -متعرج- للتقليل من احتمال إصابة القناص للهدف، ويفضل أن يحني الإنسان ظهره نحو الأمام وهو يركض، ليقلص المساحة المتاحة من جسده لعين القناص". ويلفت محمود إلى أن الهرب من القناص، في حالات محددة أخطر من المشي، فركض أحدهم في مكان يمشي فيه الناس بشكل طبيعي، قد يعتبره القناص تحدياً ويستهدفه. ويوضح: إذا رأيت الناس يمشون فأمشي معهم، وإذا كانوا يركضون فأركض معهم. وللفت انتباه المارة إلى ضرورة الركض في أماكن محددة وضع البعض لافتات أو كتابات على الجدران للإشارة إلى وجود قناص، منها عبارة: "أركض هنا قناص"، كتبت في أحد أحياء حمص القديمة.
الالتصاق بالحيط والاحتماء بالزوايا
اعتاد الكثير من أهالي الأحياء التي تتعرض للقنص، المشي بمحاذاة الحيطان والاحتماء في الزوايا. يقول عدنان، الذي يعيش في مدينة دير الزور: "كل من أصيب، أصيب في منتصف الشارع، فهو مكشوف بالنسبة إلى القناص.استخدام الدمى كتمويه
واستخدم عدد من السوريين هذه الطريقة وسيلة لاختبار وجود قناص يرصد منطقة أو شارعاً. واستخدمها مقاتلون لتحديد مكان وجود قناص الطرف المقابل. يوضح عباس، أحد أبناء مدينة حمص القديمة: "حين يكون القناص بعيداً لا يميز بسهولة الدمية من الإنسان، ويسارع لقنصها، بهذه الطريقة يمكن الكشف عن وجود قناص ومكانه قبل المرور بشارع معين".حجب الشوارع بستائر قماشية
عمد سكان عدد من الأحياء الذين يعيشون في ظل خوف دائم من رصاص القناص، إلى رفع ستائر كبيرة في منتصف الشوارع لحجب رؤية القناص عن شوارعهم. وبالرغم من أن هذه الستائر لا تحمي من الرصاص الذي قد يطلقه إلا أنها تصعب عليه تحديد الهدف. وتولت المجالس المحلية في بعض المناطق تنفيذ ذلك، كالمشروع الذي قام به المجلس المحلي في حي بستان القصر والكلاسة في فبراير الماضي، حين رفع سكانه ستائر في وجه القناصة المنتشرين في مناطق سيطرة النظام.تحويل الباصات إلى سواتر صلبة
السواتر الصلبة الكبيرة من أشهر الوسائل التي اتبعها الأهالي لحجب الرؤية عن القناص وصد طلقاته، وكانت الأكثر نجاعة. واستخدموا لرفعها كل ما أتيح لهم كباصات أو سيارات قديمة معطلة أو سواتر ترابية، إلا أن هذه السواتر تحتاج إلى جهود جماعية وآليات كبيرة. وفي حالات كثيرة استخدم السوريون "تركسات" لرفع سواتر التراب وتأمين بعض الطرق.استئجار عتال على خط القناص
"مصائب قوم عند قوم فوائد"، ينطبق هذا القول على عدد من السوريين الذين قرروا العمل على خط استهداف القناص لنقل حاجيات الناس بعرباتهم، والمخاطرة بحياتهم عوضاً عنهم، مقابل المال. تحكي سارة، التي تعيش في حلب: "عام 2013، كانت حلب محاصرة ولا يدخل إليها الغذاء، نزلت إلى السوق حينها، وجدت بائعاً كهلاً يبيع الخضار، كان سعر الكيلو 3 أضعاف السعر العادي، وحين سألته لماذا قال لي: هدول حملتن عدمي من المعبر". وتضيف: "في اليوم التالي نزلت إلى المعبر، كان هناك عشرات العمال الذين يجرون عرباتهم وينقلون أي شيء فيها أمام القناص. الكثير منهم أطفال، يستعين بهم من يريد أن يركض ولا يقدر أن يحمل الأغراض التي ستبطئ حركته، أو من يريد أن ينقل شيئاً ولا يستطيع المرور. ومنهم أيضاً من يحمل المسنين الذين لا يستطيعون الركض".تحصين النوافذ بالمتاريس
لجأ سكان حي الوعر في حمص مؤخراً إلى وضع ما يشبه المتاريس المخفية خلف النوافذ المغلقة في بيوتهم، ليحموا أنفسهم من رصاص القناص الذي أودى بحياة العشرات من سكان الحي. فكان يقنصهم وهم داخل منازلهم من خلال النوافذ المكشوفة عليه. يوضح رضوان الحمصي، من حي الوعر: "القناص يكشف أكثر من 70% من أبنية الوعر ولا يهمه من هي ضحيته، امرأة، رجل، طفل. لذا يرفع الناس أكياس رمل وحجر وراء هذه النوافذ بعد إغلاقها، ليحموا أنفسهم في بيوتهم، والبعض الآخر ترك الغرف المكشوفة للقناص فارغة لتسرح رصاصاته وتمرح فيها".ركوب باصات معميّة
لساعات طويلة لا يستمتع الكثير من المسافرين بين المحافظات في سوريا، بالنظر إلى الطبيعة من نوافذ الباصات، إذ تقوم شركات النقل بإسدال الستائر بشكل تام على الطرق. تقول جنى، التي تتنقل دائماً بين حلب وحماه: "يحفظ السائق المناطق الخطرة، لكن الستائر تظل مسدلة معظم الأحيان، حتى لا يميز القناص رؤوس الناس. في الشوارع الأكثر خطورة، يطلب السائق منا الانحناء أو النزول للأسفل، ويمشي بسرعة جنونية حتى نجتاز الخطر".الزحف وعدم الالتفات للمصابين
هذه القاعدة يضعها السوريون في أذهانهم عند قنص أي شخص يمشي بجانبهم. يقول أكرم، الذي كان يعمل مسعفاً في إحدى النقاط الطبية في حلب: "كنا ننصح بالزحف كونه الوسيلة الأمثل للحماية في حال بدأ القناص برمي الرصاص. فإذا بدأ أحدهم بجر الشخص المصاب، فقد يستهدفه القناص، وغالباً يتم سحب المصابين إلى مكان آمن، بحبل طويل".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...