"العباءة السوداء واللثام لن يكونا عائقين، وآلام الكتفين لقلة اللحم فيهما لن تمنعني من حمل سلاح الكلاشنكوف المحشو بالرصاص"، هذا ما تقوله الشابة العدنية، التي تحولت إلى امرأة عسكرية، وشكلت فصيلة مقاومة في غضون شهر من دخول الحوثيين إلى مدينة عدن.
"حولتني الحرب في مدينتي عدن من ممرضة إلى مقاتلة"، قالت لرصيف22 العشرينية مها علي. كان لزاماً عليها رغم القصف الحوثي الكثيف على ضواحي وأحياء عدن، أن تنقذ الجرحى كونها ممرضة، لا أن تقف موقف المتفرج، وهذا ما جعل السلاح يرافقها طوال اليوم.أضافت علي: "دفاعاً عن نفسي أولاً، فبطبيعة الحال كان الطاقم الطبي مستهدفاً أيضاً، وعن الجرحى الذين كنت أخشى أن تتمّ تصفيتهم". وأكدت أنها لم تكن تنتمي إلى أي فصيل في المقاومة، وليس هناك أي فصيل فتح باب انضمام النساء إليه، فهم لا يقبلون النساء في القتال، "ربما لأن ذلك ينتقص من رجولتهم"، تقول. واستمرت مها بالتنقل من مستشفى 22 مايو الحاضنة الطبية الأولى لها، إلى مختلف المستشفيات الميدانية، التي تقدر بالعشرات مع شباب المقاومة الجنوبية بحسب توزع الجرحى وعددهم.
ومن حي المنصورة في عدن، خرجت الشابة منى إلى الشارع تحمل سلاح الكلاشنكوف للمرة الأولى في حياتها، لمواجهة الحوثيين، الذين بسطوا سيطرتهم على حيها آنذاك. تصويباتها الأولى من ذاك السلاح الرشاش الذي يرج جسدها رجاً قوياً يضطرها لالتقاط أنفاس لاهثة بين الدقيقة والأخرى، كانت عشوائية. ذاك الكلاشنكوف أعطاها إياه أحد شبان المقاومة، بعد أن ألحت في طلبه، وشرح لها آلية عمله. وتقول منى إنها تعجبت من شجاعتها التي ظهرت فجأة، والتي كلما فكرت في كم الرصاص الذي أطلقته والقتال الذي انخرطت فيه، لا تصدق أنها هي نفسها، الشخص الذي كانت عليه قبل الحرب.
وأضافت: "كان للحوثيين وأعوان الرئيس السابق علي عبدالله صالح إمكانات وعتاد عسكري هائلان في شوارع حيّنا، وكان الكثير من طلاب المدارس والجامعات، يقومون بمقاومتهم بما يملكونه من إمكانات بسيطة وأسلحة رشاشة، والحمد لله انضمت إلى جانبي بعض الفتيات، وقاتلنا معاً". وقالت: "أستطيع أن أقول إننا شكلنا فصيلاً خاصاً من فصائل المقاومة، ونجونا مرات عدة من الموت على يد القناصين المنتشرين على المباني".
الطالبة الجامعية نادية، من مقاتلات حي خور مكسر، منحها شقيقها سلاح كلاشنكوف صيني الصنع، "لأدافع عن أسرتي في حال اعتدى عليها أحد، وانطلق هو يقاتل مع رجال المقاومة في حي كريتر المسمى عدن"، تقول لرصيف22. وأضافت: "لم أكن أتردد في الصعود إلى أحد الأماكن المخفية في سقف المنزل، وإطلاق النار صوب تجمعات الحوثيين، وكنت أردد الشهادتين، وجسدي كله يرتجف، خصوصاً يداي اللتان لم تتوقفا عن الارتعاش إلا بعد أن ألفت إطلاق الرصاص وأصواته الكثيفة".
لم تكن نادية تخاف وعائلتها من تفتيش الحوثيين للمنازل، أو إطلاقهم لقذائف صاروخية على المكان الذي تطلق منه النار، فأصوات المدافع وقصف طيران التحالف والرصاص، ساعدها على التمويه، وحال دون معرفتهم لمصدر صوت الرصاص. أما نوال فاستنكرت فكرة اقتصار تحرير عدن على الرجال، وقالت إن "النساء ساهمن في تحرير المدينة بالقتال، والمشاركة في نقاط التفتيش، وفي تقديم وإعداد الطعام للمقاومة، وإغاثة الجرحى والمتضررين".
وعن الحيل التي كان يعتمدها الحوثيون قالت: "كنت في نقطة تفتيش ذات مرة بسلاحي، أقوم بتفتيش النساء، وكان الحوثيون يتنكرون بزي النساء للدخول إلى الأحياء السكنية والسيطرة على أماكن استراتيجية، فقبضت ومن معي من المقاومة أكثر من 3 مرات على حوثيين مرتدين أزياءً نسائية".
وقد رصدت انتصار بن سميط رئيسة منظمة عدالة للحقوق والحريات، الانتهاكات التي طالت محافظتي عدن ولحج، فقالت إن "الحوثيين قتلوا نحو 1275 شخصاً، بينما بلغ عدد الجرحى 10,332 من المدنيين، أما عدد النساء اللواتي قتلن فبلغ 230 امرأة، والجرحى النساء 188. وبلغ عدد النازحين في عدن نحو 184 ألفاً".
تنقلت انتصار بين المستشفيات الميدانية لرصد انتهاكات الحوثيين، لكن رجال المقاومة لم يتقبّلوا وجودها، واعتبروا أنها عميلة للحوثيين، وقاموا بمصادرة كاميرتها، ومنعوا الحالات المصابة من التحدث إليها. إلا أن ذلك لم يثنها عن عملها، بل استمرت فيه، وفتحت مكتباً لها في حي المنصورة. وعن عدم خشيتها من أن يغتالها الحوثيون أو رجال المقاومة الجنوبية، قالت: "كنت بين مطرقة المقاومة وسندان الحوثيين، لكنني لم أخشَ أحداً لأن لدي رسالة أؤديها، وهي رصد الانتهاكات لتعويض المتضررين، وإيصال الحقيقة للعالم عما تتعرض له المرأة تحديداً من انتهاكات في اليمن".
المرأة العدنية
تقول الدكتورة سعاد يافعي، الخبيرة الاجتماعية في عدن ورئيسة جمعية المرأة العدنية، إن "المرأة في عدن تعرضت للظلم بعد حرب عام 1994، إذ تم استبعادها بوسائل شتى أحدثها استغلال الدين لمحاربتها. فالدين لم يطلب من المرأة أن تتغطى بخيمة سوداء، وأن لا تخرج من منزلها، كما يحصل الآن". وتضيف: " ثم جاءت الحرب الأخيرة بين المقاومة والحوثيين لتزيد من الظلم في حق المرأة، فالفتيات يذهبن إلى الكليات كالمكرهات، لابسات النقاب خوفاً من قيام الجماعات الدينية برشهن بمادة الأسيد الحارقة في حال لم يرتدين النقاب".
قبل الوحدة اليمنية كان القانون يحمي المرأة، ويعطيها حرية كبيرة، إلا أن نخبة النساء الأكاديميات والقياديات تمت إحالتهن إلى التقاعد بعد الوحدة، واستبعدوا المرأة من المصانع والمؤسسات كلها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...