في مطلع العام الجاري، نشرت منظمة الدول الغنية "OECD" تقريراً حول حالة الفقر في الدول الأعضاء فيها، من بينها إسرائيل. وكشف التقرير أن عدد الفقراء في إسرائيل نحو 1،709،300 شخص، ما اعتبرته المنظمة أعلى نسبة بين دول العالم الغربي.
الأرقام تتحدث
وتشير المعطيات إلى أن نحو 444 ألفاً و900 عائلة، بينها نحو 776 ألفاً و500 طفل يعانون من الفقر داخل إسرائيل، التي جاءت في المرتبة الثانية في قائمة الأطفال الفقراء بين دول الـOECD. وتعتبر قطاعات العرب والحريديم في المجتمع الإسرائيلي، من أكبر القطاعات التي تتأثر بالفقر، وينتشر بينها بصورة كبيرة، تصل إلى نحو 50% بحسب ما ذكرت صحيفة معاريف في بداية عام 2016، وارتفعت هذه النسبة في المجتمع العربي بإسرائيل من 51.7% عام 2013 إلى 52.7% عام 2014. وفي المجتمع الحريدي، نحو ثلثي الأطفال يعيشون في حالة فقر، و54.3% من الأسر تعيش تحت خط الفقر. أما المجتمع اليهودي بشكل عام، فارتفعت نسبة الفقر فيه من 20% عام 2013 إلى نحو 21.6% عام 2014، بحسب صحيفة معاريف. وبلغت نسبة الفقر بين عائلات المسنين 23.1%.العجائز والفقر
في تحقيق تلفزيوني أعدته القناة الثانية الإسرائيلية حول معيشة المسنين الفقراء في إسرائيل عام 2014، ورد أن الآلاف منهم يعيشون بلا مصدر دخل، ويواجهون واقعاً صعباً من خلال الاعتماد على المعاش البسيط الذي تقدمه لهم مؤسسة الضمان الاجتماعي. ويزداد وضعهم خطورة خلال فصل الشتاء، إذ لا يمتلكون المال اللازم لدفع ثمن التدفئة أو شراء الأغطية والأدوية. ونقلت القناة عن مسنة إسرائيلية تدعى جيلا قولها: "تحطم باب منزلي بفعل الأمطار، ولا أملك المال اللازم لإصلاحه. نشعر أن الدولة تخلت عنا عندما شخنا وكبرنا في السن". جيلا (70 عاماً) تعيش بمبلغ 2000 شيكل، أي ما يعادل 500$، هو مجموع معاش الضمان الاجتماعي ونفقة الإعاشة من زوجها، الذي ألقى بها في الشارع بعد بلوغها سن 67 عاماً. تضيف: "أعيش في كوخ من الجص، وبسبب الأمطار، التوى الباب، وأنا محبوسة بالداخل كالعادة، وفي الشتاء عندما تكون الرياح قوية، لا يكون لدي ما يسترني ويحميني منها، وجل ما يمكنني فعله هو الصلاة والدعاء".الاقتصاد في الاستحمام
وبسبب حالة الفقر، وارتفاع الأسعار، يلجأ بعض المسنين في إسرائيل إلى الاقتصاد في الاستحمام، لتوفير المال اللازم للمعيشة. يقول أهارون وجاليت، وكلاهما تخطى الـ60 عاماً، إنهما يعيشان بنحو 4000 شيكل (نحو ألف دولار) شهرياً، يحصلان عليها من الضمان الاجتماعي. وتعاني جاليت من آلام في الفقرات القطنية، وتضطر للتحرك بواسطة عكازين، لكن لسوء حظها انكسر أحدههما، ولا يمكنها توفير 80 شيكلاً (20$) للحصول على عكاز جديد.أعلى نسبة فقر بين دول العالم الغربي موجودة في إسرائيل
أكثر من 50% من المجتمع العربي والحريدي في إسرائيل يعيش في فقر، مقابل 20% فقط في المجتمع اليهودي بشكل عامويضيف الزوجان في تصريحات للقناة الثانية الإسرائيلية: "نضطر للاستحمام مرة واحدة في الأسبوع لترشيد النفقات، وننام على سرير تبرز أخشابه من على الجوانب، ما يؤدي إلى إصابتنا بأوجاع، ونتدثر بغطاء رقيق لا يحمينا من البرد، ولا يمكننا العناية بأسناننا التي تساقط معظمها".
غلاء الأسعار والإنفاق
يقول معهد تاوب الإسرائيلي، المختص في أبحاث السياسات الاجتماعية، ومقره القدس، في تقريره عام 2014، تحت عنوان "حالة الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي في أرقام"، إن القضية الرئيسية في الفقر بإسرائيل هي غلاء الأسعار بشكل غير طبيعي. وأشار إلى أن 90% من الأسر يبلغ اجمالي نفقاتها أكثر بكثير من إجمالي دخلها الشهري، حتى لو كان الأب والأم يعملان. وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 2012 في تقرير أعدته ميخال مرجليت وإيلنا كورئيل، تحت عنوان: " لا ينهون شهرهم... متعايشون من القروض... الآباء لا يمكنهم المساعدة إلا بالقليل"، إلى أن معظم الأسر الإسرائيلية التي في مقتبل حياتها، تضطر إلى الاستعانة بالوالدين، على الرغم من أن دخل هذه الأسر قد يراوح في بعض الأحيان ما بين 3 آلاف دولار و5 آلاف. وبسبب الارتفاع الكبير للأسعار، تضطر تلك الأسر إلى التخلي عن بعض مستلزمات الحياة، مثل الأدوية وغيرها، مقابل إتمام الشهر انتظاراً للراتب الجديد. ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن رجل يدعى لاونيد (67 عاماً): "وصلت إلى هذا العمر، وكان من المفترض إحالتي للمعاش، وتقاضي راتب الضمان الاجتماعي، لكن بسبب ارتفاع الأسعار، وقلة المال، ومتطلبات الحياة الكثيرة، أضطر للعمل وأنا في هذه السن. أقف يومياً في مدخل السوبرماركت 8 ساعات متواصلة، كعنصر أمن، وفي نهاية الشهر أحصل على 4500 شيكل. ويضيف: "الحكومة تطمر رأسها في الرمال وتتجاهل أزمة الفقر المدقع بين أوساط المسنين، فأنا أضطر للعمل، ولو لم أفعل، لمت من الجوع".مسنّات في مواجهة الفقر
تضطر النساء أيضاً للعمل في سن متقدمة لمواجهة الفقر، تقول روثي (65 عاماً) إنها مستمرة في العمل رغم تجاوزها سن الستين، فهي تقف في محل ملابس وأدوات تجميل، للحصول على راتب بسيط، لأنها لولاه لما استطاعت أن تعيش بواسطة معاش الضمان الاجتماعي الذي تقدمه الدولة. وتوضح حوري مسعودة (75 عاماً) من منطقة "بئر سبع"، أنها تحصل على معاش ضمان اجتماعي مقداره 2400 شيكل، بالكاد يكفي ثمن استهلاك الكهرباء، علماً أن هناك أشياء أخرى، ضرائب، ماء، طعاماً... أما ليعازر (78 عاماً)، وهو أب لخمسة أبناء و12 حفيداً، يعمل موظفاً بأحد المحالّ في وسط القدس، يقول: "عملت في القطاع الخاص عشرات السنين، ولا أدري كيف يمكنني العيش بنحو 400$ من المساعدات التي تقدمها الدولة. أنا قاربت على الـ80 عاماً، ومع ذلك أنا مضطر للعمل". ويضيف: "هاجرت من كردستان العراق منذ أن كان عمري 15 عاماً، وخدمت في سلاح المظليين، واليوم أرى مسؤولين في الضمان الاجتماعي يتقاضون ما بين 7 و10 آلاف دولار شهرياً، أشعر بالندم على هجرتي، ولو أن الأمر بيدي لهاجرت إلى أي دولة أخرى".الشحاذة أمام الأماكن الترفيهية
تمثّل الشحاذة الجانب الآخر من الفقر في إسرائيل، في تقرير نشرته يديعوت احرونوت تحت عنوان "شكل الفقر.. الاختيار بين الدواء والطعام". أشار التقرير إلى أن بعض الفقراء، خصوصاً المسنين، يتجمعون أسفل مقار دور السينما والأماكن الترفيهية للحصول على الطعام. وقال رئيس جمعية "فتح قلب"، نسيم تسيوني، في تصريحات لصحيفة "معاريف" ضمن تقرير بعنوان "ارتفاع معدل الفقر في إسرائيل"، إنه من خبرته في العمل الاجتماعي وتوزيع المساعدات على المسنين الفقراء مدة 17 عاماً، إن القضاء على مشكلة الفقر المتفشي بين المسنين، لن تُحلّ إلا بنقل المسؤولية عن المسنين من الجمعيات الأهلية إلى الحكومة.الفقر وسرقة الطعام
معروف أن الفقر المنتشر في المجتمع الإسرائيلي دفع باتجاه ظاهرة أخرى بين الأطفال، وهي سرقة الطعام للتغلب على الجوع. وقالت صحيفة "ذا ماركر" في تقرير بعنوان "عشرات الآلاف من الأطفال يضطرون لسرقة الطعام من أجل العيش" عام 2013، إن ادعاءات الحكومة بشأن انعدام الفقر بين الأطفال في إسرائيل، يكذبها الواقع وما ترصده المراكز الحقوقية والجمعيات الأهلية. ونقلت الصحيفة تقريراً أصدرته جمعية "اعطي" العاملة في مجال رعاية الفقراء، وخلاصته أن نحو 12% من أطفال الأسر الفقيرة اضطروا إلى سرقة الطعام، أو جمعه من على الرصيف وصناديق القمامة. ولفت التقرير إلى أن قرابة 60% من الأسر الإسرائيلية التي تتلقى دعماً من الحكومة، اضطرت إلى تخفيض كمية وعدد الوجبات التي تقدمها لأطفالها. وقال نحو 50% من الآباء إن أطفالهم اضطروا إلى البقاء يوماً كاملاً من دون طعام بسبب الفقر.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...