شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"موتورة" و"عديلة": نجمتان في سماء فيسبوك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 9 أغسطس 201605:04 م
هل تعلم أن عديلة ليست من المعجبين بالمغنية البريطانية أديل، وأن موتورة لا "تنوَتِر" في الحياة اليومية إلا في ما ندر؟ هذا ما يسر به إلينا مبتكرا الصفحتين الساخرتين اللتين غيّرتا تجربة فيسبوك في لبنان. لا يشبه منشطا الصفحتين شخصيتيهما الافتراضية كثيراً. يحرصان على إيضاح هذا التفصيل خلال اللقاء معهما في مكتب رصيف22. كلّ منهما في مطلع الثلاثين من العمر، ويقيمان في لبنان بعد هجرة دامت سنوات لدراسة الهندسة في الخارج. يعمل الشابان في مجال اختصاصهما، ويفرّغان له معظم وقتيهما. في حديثهما تواطؤ جميل، فهما صديقان قبل إطلاق الصفحتين، ويتشاوران في شؤون منشوراتهما الفيسبوكية أحياناً. ربما يستمتعان معاً بسرّهما الصغير، وبحيرة اللبنانيين في شأن هوية "عديلة" و"موتورة" الخفيّة. يقول أدمن "موتورة" إنه يجد لذة بسماع روايات الناس عن شخصيته الافتراضية، "إحدى المعجبات بالصفحة مقتنعة أني امرأة أربعينية مطلّقة". أما أدمن "عديلة" فيسمع تخيّلات من نوع آخر عن حقيقة شخصيته: "وصلني أن هناك من يتخيّلني مصفّف شعر في الثاني والعشرين من العمر، وأني أقيم في برج حمود".
ينصرف أدمن "موتورة" إلى تحديث صفحته في وقت الفراغ، أو خلال استراحة الغداء، ويحظى بتشجيع والدته المعجبة بالتجربة، لأن الصفحة كانت سبباً في نيل ابنها عروض عمل تلفزيونية (تركها لاحقاً لانهماكه بالتدريس الجامعي). أما أدمن "عديلة"، فذوقه الموسيقي تسعيناتي أصيل، يحب مادونا وسيلين ديون، وليس من "فانز" بنات اليوم، لا أديل ولا غيرهما. لا يعرف أهله أنه خلف الصفحة شاغلة الناس، ولو عرفوا "سيُصدمون، ولن يتخيّلوا أن لي أي علاقة بأخبار الفنانات".
لا يحكي الشابان كثيراً عن نفسيهما، ويبدوان من القلّة التي لا "تنوَتِر" بفعل الأضواء والاهتمام. يحكيان أكثر عمّا يُضحِك وما لا يضحك اللبنانيين اليوم، وعن الرقابة العامة والذاتية، وعن تأثير النكتة على مواقع التواصل الاجتماعي.

السخرية الجديدة

إحساس عارم بالخديعة يحاصر عالم ما بعد الربيع العربي. موت، ومصائر مبددة بانتظار انتهاء الحروب، ومحاولات يومية (فاشلة) لفهم تفاقم الغرابة في الواقع. معظم الوقت نحتار إن كان ما نشهده محزناً بالفعل، أم مضحكاً لدرجة لا توصف. بغض النظر عن سرياليّة المشهد وبشاعته، علينا الاعتراف على الأقل، أننا ضحكنا كثيراً خلال السنوات الخمس الماضية. صحيح أننا نختلف على ماذا أو ممن نضحك (وفقاً للاصطفافات السياسية في الغالب)، وصحيح أن النكتة السياسية قد تتسبب بالنفي أو القتل أو السجن أكثر من أي زمن مضى، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت انزياحات مهمة في طبقات السخرية عربياً. يكفي أن ننظر إلى النجاح الذي حقّقه باسم يوسف وأبلة فاهيتا في مصر، وإلى شعبية مشاريع مثل "تلفاز 11" في السعودية والخليج، لكي نفهم أن الناس لم تعد تكتفي بالسخرية من الراهن على طريقة عادل إمام أو دريد لحام، وأنها لم تعد تريد السخرية من "الوطن" في موضِع التغزل به. أكيد، هناك من لا يزال يجد في مشاهدة شريط مسرحية قديمة لعادل إمام، أفضل وسيلة لتمضية السهرة. وهناك من تضحكهم حلقات "صح النوم" و"الدنيا هيك" وأفلام اسماعيل يس، أكثر من تغريدات أبلة فاهيتا. من غير الدقيق الحديث عن انزياحات في السخرية والكوميديا، كأن هناك اختفاءً تامّاً لمرحلة، وظهوراً مدوياً وكاسحاً لمرحلة أخرى. هناك كثر لا يفهمون باسم يوسف، ولا يجدون فهد البتيري جريئاً، ولا كارل شرّو طريفًا... كثر ما زالوا يظنون أخبار المواقع الساخرة حقيقية، ويتلقون النكتة كشتيمة أو إهانة لمعتقداتهم المقدسة، حتّى لو كانت النكتة موجّهة إلى فستان ارتدته فنانتهم المفضلة مثلاً. وهناك من يطلقون على تويتر دعوات لقتل ممثل أو إقفال قناة بسبب بثّها مسلسلاً كوميدياً، ومسلسل "سيلفي" على "أم بي سي" أحدثُ الأمثلة. وهناك من يحرقون الاطارات في الشوارع إن تطرّق برنامج كوميدي لشخصية سياسية أو دينية يدعمونها. وهناك شخصيات كاريكاتورية تُضحِكنا من دون الحاجة إلى جهد إبداعي، مثل عبد الفتاح السيسي، أو دونالد ترامب. الحديث عن التحولات يصح أكثر من زاوية الانتاج، وليس من زاوية التلقي. ليس المقصود أن مبتكري النكتة العرب، سابقون لعصرهم، وأنهم يجترحون إبداعات سنحتاج نحن "العوام" سنواتٍ لفهمها. المقصود أننا أمام عملية إنتاج جديدة للأفكار، تقف على زاوية مختلفة من الواقع، وتشتغل أبعد من الشعارات المعلوكة والبليدة المستهلكة في بعض أنواع الكوميديا. لننظر إلى تويتر: الجميع تقريباً كتّاب ساخرون. التلفزيون لم يعد يحتكر قول ما يضحكنا.

ما الذي يُضحك اللبنانيين؟

سؤال ما الذي يضحك العرب، يأخذ بعداً آخر في السياق اللبناني. تجارب اللبنانيين مع إنتاج الكوميديا تكاد تكون الأكثر ركاكةً. اللهجة اللبنانية غير محبوبة عربياً، وترتبط فوراً في ذهن المتلقي العربي بحقبة مذيعات البرامج الترفيهية على روتانا أواخر التسعينيات. الفهم السائد عن اللهجة اللبنانية أنها ليست لهجة كوميديا، بعكس اللهجة المصرية مثلاً، أو اللهجة السورية في تجارب مثل "بقعة ضوء" و"ضيعة ضايعة". على الصعيد اللبناني، انحصر تعريف النكتة السياسية لفترة طويلة، بمسرحيات زياد الرحباني التي ارتبطت بشخصية صاحبها، وباتت مانيفستو سياسياً انتقادياً لجيل الحرب (والأجيال اللاحقة). وبعد الحرب، تضخّمت تجارب مسرح الساعة العاشرة، بنكتته الخفيفة، المطعّمة بشيء من الذكورية والبلاهة. وانتقلت تقاليد مسرح "الشانسونييه" إلى برامج تلفزيونية أشهرها تجربة فريق SLCHI ("لا يمل" و"ما في متلو" لاحقاً)، وتجربة شربل خليل في الهجاء السياسي مع "بس مات وطن" و"دمى قراطيّة". قدّمت تلك البرامج نموذجاً مغايراً للكوميديا المعروفة في لبنان حينها، أي كوميديا شوشو، وابراهيم مرعشلي، وفريال كريم، وأبو سليم (نجوم الستينيات والسبعينيات ومرحلة الحرب الأهلية). بعد نجاح تلك البرامج في مواسمها الأولى خلال التسعينيات، تحولت مع الوقت إلى جزء من منظومة التنمر اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين، ولاحقاً السوريين، وإلى استعراض أسبوعي للذكورية الأبوية اللبنانية بأبهى حللها. فالنكتة في برامج الهجاء الأسبوعية، لم تشكل يوماً تحدياً حقيقياً لرموز السلطة والفساد، بل كانت تمنحهم مساحة إضافية للظهور خارج نشرات الأخبار، والبرامج السياسية. تنتقدهم كأنها تدلعهم أو تربت على أكتافهم، من خلال تقليدهم، وإظهار الجانب "الطريف" في شخصياتهم. بعض نجوم كوميديا الألفيّة، اختار خلال العامين الماضيين تكرار تجربة باسم يوسف على الطريقة اللبنانية في برامج مثل "هيدا حكي" مع عادل كرم، و"لهون وبس" مع هشام حداد، من دون أن يقدّم خطاباً مختلفاً. في حين شكّل برنامج "شي أن أن" (انطلق العام 2009)، إحدى التجارب الرائدة لما يمكن تسميته بالسخرية اللبنانية الجديدة، من خلال تقديم نكتة جريئة ومتخففة من القوالب السابقة. بتأثير "شي أن أن" وبعده "البرنامج؟"، اكتشف التلفزيون اللبناني نمط البرامج الساخرة على طريقة "اللايت نايت" الأميركية، ودخلت الفرقة الموسيقية إلى الأستوديو، وطُعمت الحلقات بمقابلات يراد منها إظهار الجانب الطريف لدى السياسيين والفنانين... المفارقة، أن مضمون تلك البرامج ارتكز بجزء كبير منه على إبداعات المستخدمين الساخرة على تويتر وفيسبوك.

لا نحب التلفزيون

عمل صاحب صفحة "موتورة" لفترة قصيرة في برنامج "لهون وبس" من تقديم هشام حداد على شاشة قناة lbci. أعدّ فيديوهات نالت شعبية واسعة، تقوم على اقتصاص مشاهد من مسلسلات مكسيكية وتركية، وجعل الشخصيات فيها تَرْطن باللهجة اللبنانية. الفكرة بسيطة، ولكنها مضحكة ولاذعة: أن تركّب قصة ذات سياق محلّي بحت، على شخصيات معروفة على الشاشة في المسلسلات العاطفية المدبلجة التي يدمنها اللبنانيون. يخبرنا أدمن "موتورة" أنه انسحب بعد مدة من البرنامج، لأن الوقت لم يساعده، ولأنه لم "يحب التلفزيون". صاحب صفحة "عديلة" تلقى بدوره عروضاً للمشاركة في كتابة فقرات لبرامج تلفزيونية، لكنه لم يستكمل المفاوضات مع الجهات المعنية، لأنه "غير مهتم بالأضواء"، ولأنه وجد أن "أجواء" العمل التلفزيوني لا تناسبه. إن كان التلفزيون معبراً لتكريس حضور بعض نجوم السخرية، فإنّه لم يضف شيئاً إلى "موتورة" و"عديلة". على العكس، قد يكون انتقالهما من فيسبوك إلى الشاشة، سبباً في تراجع تأثيرهما، ومثال برنامج "أبلة فاهيتا لايف من الدوبلكس" خير دليل على ذلك.

محتوى Viral

خلال أشهر، حصدت صفحة "عديلة" أكثر من 208 آلاف إعجاب على فيسبوك، في حين بلغ عدد متابعي "موتورة" على فيسبوك (والصفحة في الأساس امتداد لمدوّنة) نحو 65 ألفاً. يتشارك اللبنانيون مضمون الصفحتين بالآلاف، عبر تويتر وفيسبوك وواتساب. وتتحوّل منشوراتهما أحياناً إلى مواد لأخبار ساخرة على بعض المواقع. خلال الأشهر الماضية، تحوّلت الصفحتان إلى جزء أساسي من المشهد اليومي، وأحاديث الناس. يمكن القول إن صفحتي "موتورة" و"عديلة" تنجزان منفردتين الجزء الأكبر من المحتوى الـViral (المتفشّي أو المنتشر بكثافة) على مواقع التواصل في لبنان، في تجربة لم تعهدها الشبكة محلياً. هناك محاولات مشابهة لمدونات أو صفحات محاكاة ساخرة لنجوم غناء أجانب، لكنها لم تحرز الانتشار ذاته. تنوّع "موتورة" مضمونها بين السياسي والفني والاجتماعي، من خلال مخاطبة الآخرين بلسان شخصية امرأة غاضبة من كل شيء، كما يشير اسمها. من أشهر منشورات الصفحة حديثًا، صورة محوّرة لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي كتب عليها: "صورة نادرة لنبيه برّي عندما كان رئيس مجلس في القرن الرابع عشر". حصدت الصورة أكثر من 3 آلاف لايك. كما نشرت الصفحة صورة لاجتياح البوكيمونات لمحيط السرايا الحكومي في وسط بيروت، مرفقةً بتعليق: "الطريقة الوحيدة لدفع الشباب اللبناني إلى النزول للشارع"، للسخرية من الاهتمام الزائد بلعبة "بوكيمون غو". وللسخرية من الفراغ الرئاسي، لجأ أدمن "موتورة" أيضاً إلى البوكيمونات، فصمّم صورةً لبيكاشو جالساً على كرسي الرئاسة.
يعمل أدمن "عديلة" في إطار مختلف، حيث يعطي الحيّز الأكبر من نقده للفنانات اللبنانيات والعربيات، انطلاقًا من الـPersona التي خلقها لعديلة "كوكب الغرب"، كما يسمّيها. وعلى نمط قريب من شخصيات أبلة فاهيتا أو أبو البراء، تتماهى منشورات صفحة "عديلة" مع الشخصية المُتخيلة، وهي هنا النسخة العربية من أديل، إحدى أشهر المغنيات في العالم اليوم.
تمنح الصفحة أديل اسماً عربياً، وطباعاً مستقاة من طباع الفنانات العربيات كما نعرفها على صفحات المجلات: الغرام الزائد بالنفس، الغيرة، و"السمسمة" على المنافسات. بذلك، يجعل أدمن "عديلة" من شخصيته ديفا عربية بحق، هوايتها المفضلة "الشخر". نتابع على الصفحة يوميات "عديلة"، وكيف دهست فراس أبو فخر، أحد أفراد "مشروع ليلى"، في طريقها إلى حفلة الفرقة في "مهرجان بيبلوس"، وكيف تعدّ لأغنية جديدة مع وائل كفوري، وكيف تمضي "الصبحيات" مع صديقاتها الفنانات. تخصص "عديلة" جزءاً كبيراً من صفحتها لمراقبة مكامن الطرافة في ملابس بعض المغنيات، فتبيّن التقارب بين بعض فساتينهن وأقمشة الستائر، وتحور أشرطة من حفلات حية لأديل، وتركّب عليها أغاني لسميرة توفيق. يقول أدمن "عديلة": "لم أكن أتخيل أن يصل عدد متابعي الصفحة إلى 200 ألف، كنت أعرف أن لأديل شعبية عربياً، أنا شخصياً لست مهتماً بأخبار الفنانات. لكني وجدت فيها مادة خصبة للسخرية".

سخرية أم إساءة؟

لا تحقق كل منشورات "عديلة" و"موتورة" الصدى ذاته، وليست كلها بالمستوى ذاته لناحية خفة المضمون وطرافته. بعضها لامع، بعضها يمرّ من دون أثر. العمل باسم مستعار منح صاحبَيْ الصفحة ميزة رفع سقف الانتقاد. وذلك ما يضع الصفحتين أمام سوء فهم كبير، خصوصاً أن الخطوط بين السخرية والشتيمة، متداخلة ومبهمة في الثقافة اللبنانية السائدة. فكرة النقد من أساسها موضع تشكيك وتجريح ورفض في الخطاب العام، إذ توضع دوماً في خانة الإساءة والقدح والذم. أي مقال ينتقد سياسياً قد يحال صاحبه إلى محكمة المطبوعات بتهمة التشهير. وحتى الانتقادات الموجّهة لشخصيات عامة من مجالات فنية أو إعلامية، تصنف في نطاق "الشر، والغيرة والحسد والشتم ورشق الشجر المثمر بالحجارة". فما بالنا بالسخرية؟ قلّة تتقبّلها أو تفهم منطلقتها. هكذا، يعيش منشطا صفحتَيْ "عديلة" و"موتورة" تحت وطأة التهديد بالأذى الشخصي، أو وقف الصفحتين يومياً، بسبب نكات لا تدّعي تغيير العالم، أو قلب النظام السياسي. يخبرنا أدمن "موتورة" إنّه نشر مرّة صورة لزعيم سياسي لبناني، وكتب بما معناه أنّه يدخل إلى الحمام كجميع البشر، فتلقّى تهديدات من مناصريه في حال لم يزل الصورة، وعلِّق حسابه لثلاثة أيام، بسبب تبليغاتهم. وفي مرة أخرى، نشر صورة معدلة لشفتَيْ إحدى الفنانات المعروفة بمبالغتها في عمليات التجميل، فتلقى تهديدات مماثلة من أدمن صفحتها على فيسبوك. يقول: "المواقف الأكثر طرافة هي في عروض الزواج التي أتلقّاها عبر الانبوكس، أو المطالبات بالتشهير بأفراد لا أعرفهم. يرسل لي البعض صوراً لناس على الشاطىء، أو لزملاء لهم في المكتب، ويطلبون مني السخرية منهم. للأسف ترتبط السخرية في ذهننا بالإيذاء والشتيمة، وهي ليست كذلك في فهمي". ويضيف: "مرّة نشرت صورة لسيدة في فستان سهرة، وعلّقتُ "هكذا تذهب اللبنانية إلى العمل"، بعد تمويه وجه السيدة. فإذا بي أجد كل أفراد عائلتها على صفحتي يهددونني، لأني أسخر منها، بالرغم من أني موّهت الوجه، وأخذت الصورة من صفحة عامة على فيسبوك، ولم أقصد التعرض لها كشخص، بل السخرية من ظاهرة معيّنة في المجتمع". يعترف أدمن "موتورة" أنه تجاوز أحياناً الحدّ نحو العنصرية في بعض المنشورات، فأزالها. لكن أكثر ما يثير استغرابه هو التعاطي الحرفي أحياناً مع منشوراته الساخرة، إذ يجد بعضها في عناوين الأخبار. ويذكر في هذا السياق تغريدته المزوّرة الشهيرة بلسان الممثلة المصرية يسرا، حين أبدى وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق إعجابه بمسلسلها الرمضاني الأخير "فوق مستوى الشبهات".
بواسطة فوتوشوب، ابتدعت "موتورة" حينها تغريدة بلسان يسرا، ترّد فيها على الوزير بالقول "شكراً حبيبتشي انتِ مين؟". تحوّل الردّ المزوّر إلى خبر، حتى اضطرت يسرا للردّ من حسابها الرسميّ على المشنوق، لإبعاد الشبهات عنها.

حروب وتهديدات

من جهته، يقول أدمن صفحة "عديلة" إنّه قد يضطر لإقفال الصفحة إن شعر أن هناك ما يتهدد سلامته الشخصية، بعدما عملت إحدى الفنانات على البحث عن هويته بطرقها الخاصة، للتأكد من "الجهة التي تقف خلف عديلة". وقبل أيام، وبعد معركة طويلة مع "العجارم" (جمهور معجبي نانسي عجرم)، أُقفِلت صفحة "عديلة" لساعات، بسبب حملة تبليغات على صورة ساخرة، وصفها "العجارم" بأنها تحوي مضموناً يشجّع على "البيدوفيليا". كما اتهمه البعض بأنه يروج لخطاب كاره للمثليين، بالرغم من أنه نشر صورة لعديلة وهي تحمل العلم الملوّن بألوان قوس قزح.
تسخر منشورات "عديلة" من إطلالات بعض الفنانات، من دون الوقوع في مطبّ التنمّر، إلا في حالات نادرة خلقت جدلاً. سخرية عديلة اللاذعة من الفساتين وعمليات التجميل، تندرج في إطار انسجام صاحب الصفحة مع "الكاراكتر" الذي اختاره عنواناً لتجربته، عبر تضخيم بعض جوانب الشخصية، كأن تطعِّم الـ"ديفا" عديلة نميمتها على زميلاتها الفنانات، بشيء من "الشرّ". ذلك ما جعل البعض يتخيّل أن أدمن "عديلة" متحالف مع بعض الفنانات ضد أخريات، إذ أنه يخصّ إليسا ونانسي عجرم بنسبة كبيرة من منشوراته. يقول: "أعترف أن شخصية "عديلة" سمحت لي أحياناً بأن أفجّر غضبي. ولكن لناحية السخرية من الفنانات، تعمّدت اتباع هذا النمط من الانحياز، لأبين أن الفرد لا يمكن أن يكون ضدّ كل الناس، أو أن يحب الجميع. يحق لكل واحد منا أن يكون عنده رأي بشيء ما، وأن يقوله علناً، ولأنه صاحب رأي، فمن حقّه انتقاد رأي الآخرين، لا يعني ذلك أنه يشتمهم أو يسيء إليهم". ويلفت في هذا السياق إلى أن مغنيات مثل هيفاء وهبي، يتفاعلن بإيجابيّة كبيرة مع منشوراته، ويضحكن حين يسخر منهن، "لفهمهن أن الأمر نكتة، ولا يجب تحميله أبعاداً ماورائية أو تضخيمه".

مقدّسات

يؤكّد أدمن "عديلة" أنه بات يراعي بعض الحساسيات عند النشر، لأنه يتلقى شتائم، وتهديدات، تفوق الحد المتخيل. "اكتشفت من خلال تجربة عديلة، أن البعض يقدّس الفنانات العربيات، وأن "الفانز" شرسون بشكل غريب في الدفاع عن محبوباتهم. ربما أتفهم أن يجري التعامل بهذه الطريقة مع بعض الزعماء السياسيين، لأغراض نفعية، لكن ما سبب هذا التعصب في الدفاع عن المغنيات والممثلات؟ لست أفهم".
نسأل "موتورة" و"عديلة" إن كانا يستمتعان بتأثيرهما الواسع على مواقع التواصل. يتفقان على إجابة واحدة، أنهما لا يشعران بذلك على نطاق فردي، بل يسمعان به من الآخرين. ويلفت أدمن "عديلة" إلى أنه يفصل حياته وشخصه كلياً عن الصفحة، لأن اهتماماته الفكرية في مكان آخر، ولأنها لم تعد تمتعه كالسابق بفعل ما يتلقاه من شتائم. يخبرنا أن أحد معجبي الصفحة أوصل أحد فيديوهات "عديلة" إلى أديل، خلال حفلة في لندن. فكان تعليقها الوحيد: "هاها، أنا أغني العربية". يقول أدمن الصفحة: "ذلك طبيعي، فمن الصعب أن تفهم ما الذي يُضحك اللبنانيين بغنائها على موسيقى لا تعرفها". من جهته، يقول أدمن "موتورة" إنه يستمتع كثيراً بانتقاد سعد الحريري ونبيه برّي على وجه الخصوص، "لأن بعض الشخصيات تبدو كأنها تناديني كي أسخر منها". لكنه يمتعض من ضيق مفهوم السخرية في الثقافة اللبنانية، واضطراره أحياناً لشرح بعض المنشورات، بالرغم من أن السخرية فيها واضحة.
إذًا، يبدو أن العمل باسم مستعار لم يحمِ "موتورة" و"عديلة" من ممارسة بعض الرقابة الذاتية على نفسيهما. يطمح أدمن "موتورة" إلى يوم نستطيع فيه أن ننتقد ونسخر من رجال الدين علناً. يشاركه أدمن "عديلة" في طموحه، لكنه يعلّق ساخراً: "سيكون علينا أن نحطّم أولًا تابو انتقاد الفنانات".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image