عنف، ألم، ذل، أكسسوارات لكل استخدام، من حبال وأصفاد وعصا وشمع وسلاسل وكعب عالٍ... إليكم السادو-مازوشية، بالعربي.
"أنا عاوز واحدة تهزأني تهزأني تهزأني"...
من سمحت له فرصة مشاهدة الفيلم المصري "درب الهوى"، يتذكر العبارة الشهيرة التي هزّت الرأي العام. فبقي الفيلم، الذي أنتج عام 1983، ممنوعاً من العرض حتى التسعينيات، كونه أول فيلم عربي يسلّط الضوء على الشخصية المازوشية في الجنس، ناهيك بتناوله موضوع الدعارة. تدور أحداث الفيلم حول الفنان حسن عابدين الذي يؤدي دور عبد الحفيظ باشا، وزير ورئيس حزب "الفضيلة والشرف"، الذي لطالما طالب بضرورة إغلاق بيوت الدعارة. ومع ذلك، كان يتردد إليها كل ليلة لإشباع رغباته الجنسية بطريقة مازوشية.قد يخال البعض أن هذه التصرفات الخارجة عن المألوف لا تحدث إلا في السينما والتلفزيون. غير أن الشاشة هي مرآة الواقع، وبالتالي هذه الأفعال المنحرفة، قد تظهر وراء الجدران وتغيب في الغالب مع خيوط الشمس الأولى.
أصل التسمية
المازوشية مأخوذة من إسم الروائي النمساوي ليوبولد فون ساشر مازوخ Leopold von Sacher-Masoch، الذي عاش في القرن التاسع عشر، وكان أبطال رواياته يستمتعون بالألم الجسدي والإهانات والتعذيب.أما السادية فتعود الى دونتيان الفونس فرانسوا دي ساد Donatien Alphonse François de Sade، الذي ولد عام 1740 في عائلة أرستقراطية فرنسية. وكان الابن الوحيد لأب يقال إنه كان ثنائي التوجه جنسياً، وكثير العلاقات الجنسية. أما والدته، فكانت منهمكة بعلاقاتها الاجتماعية. من هنا، كان غياب اهتمام الأب والأم عاملاً في نضجه الجنسي الاجتماعي المبكر، وبداية علاقة مع إحدى عشيقات والده، وهو في عمر 13. وبعد سنتين، اختبر تجربة جنسية جديدة، كانت بداية إدمانه على العلاقات الجنسية مع العديد من النساء.
في العالم العربي، أبطالها مصريون ولبنانيون
يعتبر عالم الجنس السادي من المواضيع التي يصعب الحديث عنها بسهولة في الشرق الأوسط. لكن التطور التكنولوجي، وانتشار صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت، فتحا مجال الحديث واسعاً بشأن الممارسات الجنسية المحظورة، التي يجد فيها البعض الوسيلة الوحيدة للحصول على اللذة الجنسية.ينتشر هذا النوع من العلاقات الجنسية المحرّمة في مختلف البلدان، لا سيما في مصر، إذ نجد على الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل العديد من الصفحات الإلكترونية التي هي بمثابة "غرف سرّية" لأعضاء "مملكة السادية". تختلف المسمّيات داخل تلك المملكة، فيسمّى الرجل المسيطر "ماستر"، والأنثى "ملكة". بينما توجد العديد من الألقاب التي تدلّ على الإهانة والاحتقار للذكر أو الأنثى المعرضين للتعذيب، مثل "خادم"، أو "خادمة".
يعتبر عالم الجنس السادي من المواضيع التي يصعب الحديث عنها بسهولة في الشرق الأوسط. لكن التطور التكنولوجي، وانتشار صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت، فتحا مجال الحديث واسعاً بشأن الممارسات الجنسية المحظورة، التي يجد فيها البعض الوسيلة الوحيدة للحصول على اللذة الجنسية
أما طريقة التعارف بين الأعضاء فبسيطة، إذ يتحدث كل شخص عما يفكر من دون خجل. فهناك من يقول: "أنا سادي أريد كلبة مطيعة تعشق الخضوع والتعذيب"، أو آخر يكشف عن حبه للخضوع: "أريد ملكة أخدمها وأكون كلباً تحت قدميها".
وفي لبنان، رغم الانفتاح الأكبر على الغرب، يبقى الحديث عن السادو-مازوشية محصوراً بوشوشات الجيران والأصحاب، نظراً لصعوبة البوح عن تلك الممارسات في العلن. لكننا تمكننا من الحصول على مداخلتين، مع التأكيد أن اسمَيْ بطليها سيبقيان طيّ الكتمان.
دنيز طالبة جامعية، على علاقة غرامية برجل حاد الطبع يكبرها بـ10 سنوات، كان يقلّها من الجامعة، وحين تتأخر يوّبخها أمام الجميع ويعاملها بقسوة، وهي سعيدة بهذه العلاقة، التي توّفر لها "الأمان" على حدّ قولها. وتحكي عن مدى عشقها "لعصبيته"، وتكشف أنها أثناء اللحظات الحميمة بينهما، تتعطش لحزمه، وتسلّمه نفسها برضاها الكامل.
وتتحدث عن "رجولته المفرطة": "عنيف معي في السرير، يشدّني من شعري، ويطلب مني أن أؤدي دور الخادمة المطيعة، ويقوم بعدها بضربي (تماماً كما كانت تفعل بي أمي عندما كنت صغيرة في السن)".
توضح دنيز أنه مع ازدياد الألم، تزداد لعبة الإثارة، وتضيف: "أشعر وكأنه يغتصبني وهذا ما يثيرني".
ويروي هادي كيف تعرف على زوجته عبر الإنترنت: "لم أكن أعلم أنه سيأتي اليوم الذي سألتقي فيه بشخص يفهمني جيداً. بعد عدة أحاديث تقابلنا وإكتشفنا أننا نتشارك الهوايات نفسها، ولدينا الميل نفسه للأغاني الرومانسية الحزينة، خصوصاً أغاني هاني شاكر وكاظم الساهر، فضلاً عن لذة مشاهدة أفلام الرعب".
وعن علاقتهما الحميمة يقول هادي: "لطالما شعرت أن هناك كيمياء بيننا غير أن الصدمة الأكبر كانت حين تصارحنا في بعض الأمور الجنسية، فقد بحت لها أنني أعشق المرأة التي تجمع بين النعومة والأنوثة في العلن والشراسة في العلاقة الحميمة. لتجيبني أنها تهوى بدورها هذا النوع من العلاقات، وتحب أن تكون المسيطرة في السرير".
وعن أول لقاء جنسي بينهمت يذكر هادي: "أستطيع أن أجزم أن أول علاقة بيننا كانت شعلة حبنا، إذ فاجأتني بشخصيتها الشرسة، فأخذتني إلى المطبخ وأمسكت سكيناً، وقالت ممازحة إنها ستقتلني إذا لم أنصع لأوامرها في السرير، الأمر الذي أثارني".
السادية العربية في فيلم جنسي
حاول عدة منتجين القيام بأفلام تهدف إلى إلقاء الضوء على ظاهرة "السادو - مازوشية". ولعلّ الأبرز بينها كان فيلم "نساء الشرق الأوسط"، الصادر عن شركة "بورن فيديليتي". الفيلم أثار الكثير من الجدل كونه أول فيلم جنسي طويل، يعرّف الجمهور إلى السادية ضمن قالب ديني، من خلال استخدام عدة رموز إسلامية: الحجاب، النقاب، البرقع.شنّ الكثيرون هجوماً عنيفاً على الفيلم الإباحي، الذي أخرجه ريان ماديسون وزوجته كيلي، على إعتبار أنه يحمل إساءة بالغة للعرب، لإدراجه صورة رجل بزي عربي تقليدي يتحرش بامرأة، ويتلذذ بجلدها وتعنيفها، بينما هي مرغمة على إمتاعه بشتّى الطرق. فضلاً عن تصوير امرأة منقبة تجرّ رجلاً مقيّداً بالسلاسل، وتعامله كعبد لإشباع رغباتها. كما انتقد الكثيرون تكريس الفيلم للصورة النمطية عن النساء في الشرق الأوسط.
سينما مصرية سادية
في السياق نفسه، وتحديداً عام 2014، أبصر فيلم "بنت من دار السلام" النور، تأليف وإخراج طوني نبية. أحدث الفيلم ضجةً كبيرةً في الإعلام، كونه يتضمن مشاهد جنسية تركز على المازوشية في العلاقة الجنسية.فالفيلم يتناول قصة فتاة تعيش في منطقة دار السلام بالقاهرة، تنال الثانوية التجارية، وتبدأ رحلة البحث عن عمل. وبمساعدة صديقتها تجد وظيفة في منزل رجل كبير في السن يعتدي عليها، فتنقلب حياتها رأساً على عقب وتجد نفسها مضطرة للزواج منه. لكنها تكتشف أن الرجل مازوشي، يحب الخضوع والتعرض للضرب والذل أثناء الجنس. يتضمن الفيلم عدة مشاهد تم حذفها نظراً لتضمنها "ممارسات سادو- مازوشية في العلاقة الجنسية".
مسرحية "فينوس" اللبنانية واختلاط الألم باللذة
أثارت مسرحية "فينوس" للمخرج جاك مارون والمقتبسة من مسرحية دايفيد آيفز "ڤينوس مرتدية الفراء"، الكثير من الجدل بسبب جرأتها اللامحدودة ومعالجتها موضوع السادية والمازوشية بطريقة ذكية وسلسة بعيداً عن الابتذال.
تتحدث المسرحية اللبنانية عن كاتب ومخرج (بديع أبو شقرا) يبحث عن ممثلة تؤدي دور ڤاندا (ريتا حايك)، بطلة مسرحيته المقتبسة من الرواية السادية المازوشية الألمانية الصادرة عام 1870. وبعد يوم طويل اختبر فيه عدداً من الممثلات، تدخل إلى المسرح ممثلة يائسة غريبة الأطوار، فإذا بالإثنين يتخطيان الحاجز الفاصل بين المسرح والواقع. فالبطل يريد فتاة تستطيع أن تحقق رغباته المدفونة أي أن تعذّبه. وتأتي "فاندا" الفتاة البسيطة التي تتحدث بلهجة قروية، لتقلب الأمور رأساً على عقب. فتكشف عن وجهها الحقيقي، وتعطيه مفاتيح السيطرة قبل أن تنقلب عليه، وتبدأ بإهانته وتلبسه طوق كلب وتجعله خادمها. بينما يصبح هو في حالة سلام داخلي وتحقيق الذات. تعتبر المسرحية فريدة ومميزة، كونها المسرحية الأولى لبنانياً وعربياً التي تعالج موضوع السادية والمازوشية أمام الجمهور العربي.
السادو-مازوشية المقنّعة في العالم العربي
توضح المتخصصة في علم النفس العيادي ليتيسيا بطيش، أن ظاهرة "السادو –مازوشية" في العلاقات الجنسية متعشعشة في العالم العربي، خصوصاً في المجتمع "الذكوري"، لكن من الصعب الحصول على إحصاءات رسمية عن هذه الممارسات ومدى انتشارها نظراً لحساسية الموضوع.وتشير إلى أن الأفعال السادو-مازوشية تحصل غالباً بين الأزواج، بالتراضي والاتفاق المسبق، خلف جدران المنازل ولا تخرج إلى العلن. واعتبرت أن هذا النوع من العلاقات الجنسية قد يكون مثمراً بالنسبة إلى الثنائي، خصوصاً في حال وجود انسجام تام بين الطرفين، فيستطيع كل منهما إرضاء الآخر، على طريقته، وبالتالي إرضاء رغباته الخاصة والوصول إلى النشوة".
الأفعال السادو-مازوشية تحصل غالباً بين الأزواج، بالتراضي والاتفاق المسبق، خلف جدران المنازل ولا تخرج إلى العلن
وكشفت بطيش أن السبب الكامن وراء تلك الممارسات، يعود إلى المرحلة الشرجية. المرحلة الثانية من مراحل النمو الجنسي البدائي لدى الطفل التي حددها فرويد. وإلى التربية والوضع العائلي. تقول: "غالباً يبحث الشخص، الذي لديه مثلاً أم قاسية ومتسلّطة، عن زوجة قريبة من أطباع والدته، من هنا يحاول العثور على شريكة تسيطر عليه وتعامله بدونية فيشعر حينها باللذة. كما أن حالات الاغتصاب أو التحرش أو التعرض لمواقف عنيفة، كلها أمور تؤثر في طبيعة الطفل الهشّة، وقد تقوده إلى إحدى الحالتين".
وتؤكد بطيش أن السادية تتأرجح بين عدة مستويات: الخفيف والمتوسط والشديد. السادية الخفيفة، يمارسها الناس دون وعي، بينما المتوسطة يمارسها شخص مع إدراكه لها، وغالباً لا ينتج عنها أضرار، أما السادية الشديدة، فيمارسها الشخص كسلوك قهري ويمكن أن تتسبب بالوفاة. أما بالنسبة إلى المازوشية فهناك درجات أيضاً: الخفيفة التي يمارسها الناس دون إدراك كالأسماء المستعارة ذات الدلالات الحزينة مثل ملك الأحزان، بطل المأساة. المتوسطة مثل ممارسات الإيمو وأشهرها جرح الرأس، والمازوشية الشديدة، سلوك قهري وأضرارها جسيمة، إذ قد تدفع البعض إلى الانتحار.
ولا تعتبر السادو- مازوشية اليوم مرضاً كما في السابق، بل ممارستها بالتراضي في العلاقة الجنسية بين الأزواج، قد تقود إلى حالة من الاستقرار أشبه بتلك الحالة التي نشعر بها بعد ممارسة اليوغا. هذا ما جاء في دراسة أجراها باحثون على 14 ثنائياً من جامعة إلينوي الأميركية. وبيّنت الدراسة أن ظاهرة السادو- مازوشية قد تعد تجربة تأملية بامتياز، وأن الثنائي الذي يخوض هذه التجربة هو أقل عرضة للاكتئاب فالألم الناجم عن الممارسات الجنسية المتطرفة يجعل المرء في حالة سلام وهدوء تماماً كالشخص الذي يمارس اليوغا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين