لا أحد يعرف هل كان الأمريكي روبرت بيرشيتغ وادلو (1918-1940) أسعد رجل على الإطلاق، لكن الأكيد أنه ما زال حتى اليوم، أطول رجل (272 سنتيمتر) في تاريخنا الطبي على هذه الأرض. ولا يمكننا تخيل كيف كانت حياة النيبالي شاندرا دانغي، أقصر رجل عرفه التاريخ (54.6 سنتيمتراً)، ولكن لا شك أن تساؤلاتنا حول طول القامة كثيرة. هل شعرتم يوماً بأنكم غير راضين عن طول قامتكم؟ أو شعرتم بنقص ما، لأنكم قصار جداً وحلمتم لو كنتم ممشوقي القامة لئلا تحتاجوا أحداً ليجلب لكم كتاباً عن رف عالٍ؟ أو ربما العكس، فهل شعرتم بمشاكل لكونكم طوالاً، كشعوركم بعدم الارتياح في السرير أو صعوبة معانقة صديق، أو الانتقادات التي تواجهونها في حفل موسيقي لأنكم تحجبون النظر؟ غالباً، يحظى طول الفرد ببعض الأهمية، حتى لو أكد كثيرون أن الشكل غير مهم! وأخيراً توقف بحث علمي بعنوان "قرن من الاتجاهات في طول قامة الإنسان"، أجراه علماء في الكلية الملكية البريطانية، ونُشر في مجلة "إي لايف"، عن طول الإنسان في مختلف العالم وتطوره عبر السنوات، والفروق الواضحة بين دولة وأخرى لأسباب متعددة. شارك في إعداد البحث فريق من 800 شخص بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وركّز على بيانات من مصادر متنوعة لجمع معلومات متعلقة بطول السكان في عمر 18 سنة، عام 1914 مقارنة بالطول نفسه عام 2014.

من الأطول إذاً؟

ككل شيء في هذا العالم، طول قامة الإنسان ليس نفسه في البلدان كلها، كذلك زيادته أو انخفاضه عبر السنوات. يقول جيمس بينثام، مؤلف مشارك في الدراسة "أجزاء العالم التي لم يزد فيها طول قامة الناس بشكل كبير في المئة عام، والتي شملها التحليل، تتمثل في جنوب آسيا كالهند وباكستان وبنغلادش وفي أفريقيا جنوب الصحراء، حيث راوحت الزيادة بين سنتيمتر وستة سنتيمترات". أما الرجال الأطول على مستوى العالم، فكانوا من هولندا بمتوسط طول 182.5 سنتيمتراً، في حين أن أطول النساء في العالم هنّ نساء لاتفيا، بمتوسط طول 170 سنتيمتراً. ولا بد من الإشارة إلى أن الأوروبيين سيطروا على قائمة الجنسيات الأطول في العالم للنساء والرجال. إذ تربعت في المراتب الخمس الأولى هولندا، وبلجيكا، وإستونيا، ولاتفيا، والدانمارك للرجال. أما بالنسبة للنساء الأطول في العالم، فكانت البلدان التالية: لاتفيا، هولندا، إستونيا، جمهورية التشيك، وصربيا. أما الأميركيون الذين كانوا، قبل 100 عام، من بين أطول شعوب العالم واحتلوا المركزين الثالث والرابع للرجال والنساء على التوالي، فتراجعوا الى المركزين الـ37 و42 على التوالي، عام 2014. كما شهدت بعض الدول في منطقة الصحراء الإفريقية وشمال إفريقيا والشرق الأوسط انخفاضاً في متوسط الطول على مدار العقود الثلاثة الأخيرة. وأشارت الدراسة إلى أن الرجال الإيرانيين ونساء كوريا الجنوبية كانوا الأسرع نمواً في ما يتعلق بطول القامة خلال العقد الماضي، فباتت النساء الكوريات أطول بـ20.2 سنتيمتراً والرجال الإيرانيين بـ16.5 سنتيمتراً.

ومن الأقصر بين رجال ونساء العالم؟

وقد كشفت الدراسة أن الأقصر في العالم عام 2014 هم رجال تيمور الشرقية، بمتوسط طول 160 سنتيمتراً. في حين أن نساء غواتيمالا هم الأقصر على الإطلاق، بمتوسط طول 149 سنتيمتراً. وجاء ترتيب الدول التي تضم أقصر الرجال على الشكل التالي: تيمور الشرقية، اليمن، لاوس، مدغشقر ومالاوي. أما ترتيب الدول التي تضم أقصر النساء، فهي: غواتيمالا، الفليبين، بنغلاديش، نيبال، تيمور الشرقية.

ماذا عن العالم العربي؟

كيف نولد طوالاً أو قصاراً؟

يختلف طول قامة النساء والرجال باختلاف الدول. وحتى لو أن طول أو قصر قامة الإنسان تعتبر من أكثر السمات الوراثية على الإطلاق، فإن عوامل أخرى باتت تلعب دوراً كبيراً في هذه الظاهرة. مثلاً يتأثر طول الإنسان كثيراً بالتغذية والعوامل البيئية. فإذا عانى الأطفال والمراهقون من سوء التغذية أو من أمراض خطيرة، يتحولون غالباً إلى راشدين قصار. كما أن صحة الأم وتغذيتها خلال الحمل تشكلان عاملاً أساسياً في تكوين طول أبنائها. غالباً، يعيش الطوال لسنوات عديدة، وهم أقل عرضة لأمراض القلب والسكتات الدماغية، إلا أنهم قد يعانون من خطر أكبر هو الإصابة ببعض أنواع السرطان. قد لا تولون أهمية كبيرة لطول قامتكم أو قصرها في حياتكم اليومية أو ربما العكس، إلا أن الأكيد هو أن المعلومات عن طول القامة وتقلباتها عبر السنوات في مختلف الدول، يساعد في فهم التأثيرات الصحية للتغذية والبيئة، خلال الطفولة والمراهقة ولمحدداتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، على الأمراض غير المعدية وعلى صحة حديثي الولادة من الجيل المقبل.