الـprom هي إحدى أهم التجارب التي يخوضها المراهق نهاية أعوامه المدرسية. وهي ثقافة عالمية انطلقت من أميركا لتجتاح حلم كل مراهق. هي الحجة الأولى لتبقى فتاة في الـ16 من عمرها خارج منزلها بعد الساعة 12 ليلاً، هي أول استخدام لأحمر شفاهٍ فاقع اللون، وأول مرة يسمح فيها الأهل لابنهم استعارة سيارتهم. كيف أبصرت تلك الثقافة النور؟ ولماذا لم تعش نهضةً بعد في البلاد العربية، إليكم أكثر الذكريات مرحاً من المراهقة، أو تلك التي لم تتذوقوا طعمها.
السهرة الانتقالية من المراهقة إلى البلوغ
Prom أو مختصر Promenade، كلمة فرنسية الأصل تعود إلى القرن السادس عشر، تعني المشي بروية. وترمز إلى المشية التمهيدية الرسمية للضيوف في حفلةٍ ما آنذاك. انطلقت ثقافتها في أوائل القرن الـ19، في كليات وجامعات شمال شرق الولايات المتحدة، كمجرد سلوكٍ اجتماعي للخريجين. أول استخدامات الكلمة يعود إلى العرض التقليدي الذي كانت تقيمه كليات Ivy League عام 1879، ويتخلله لباس رسمي وحفل موسيقي. وتم ذكر العبارة أيضاً في مذكرات أحد تلامذة Amherst College المخصصة للشباب آنذاك. كان مدعواً لحضور حفلة Prom في الـSmith College المجاورة المخصصة للبنات. مع بداية القرن العشرين بدأ مصطلح الـprom يأخذ رواجاً أكبر في المدارس والجامعات، وكان عبارة عن لقاءٍ بسيط لاحتساء الشاي والعصير في صالة الجيم الخاصة بالمدرسة. فيرتدي التلاميذ لباس يوم الأحد ويرقصون تحت لافتات من ورق الكريب. عند مطلع الثلاثينات، أصبحت الـprom رمزاً لا يتجزأ من الثقافة الأميركية، وأخذت تتوسع نشاطاتها إلى أن دخلت الخمسينات، أي فترة ازدهار الاقتصاد ما بعد الحرب، بميزانيةٍ أكبر نقلتها من صالات الجيمنازيوم إلى الأندية والفنادق. شهدت حقبة الستينات والسبعينات انحداراً في استخدام عبارة prom في الولايات المتحدة، أمرٌ يدل على الضغوط السياسية والاجتماعية التي أتت مع حرب فيتنام، والتحرك الاجتماعي المضاد لها، الذي خاضه الشباب الأميركي آنذاك. ورغم ذلك شهدت الولايات المتحدة أضخم حفل تخرج في تاريخها عام 1975، من تنظيم سوزان فورد، ابنة الرئيس الأميركي جيرالد فورد، في البيت الأبيض وغطته وسائل إعلامية شهيرة منها People Magazine وWashington Post. عاشت الثمانينات نهضة اجتماعية لثقافة الـprom، وبدأت تتفاقم مع مرور الأعوام حتى اليوم. ومنذاك، تخصص لها السينما الهوليوودية أفلاماً موجهة للمراهقين مثل She’s all that وMean Girls وNever Been Kissed وسلسلة أفلام American Pie. وهي قصص تتمحور حول مشاكل المراهقين مع حلول موعد سهرة حفل التخرج، من اختيار الفستان اللائق، وانتظار دعوة من لاعب كرة القدم الجذاب، للدخول معه إلى الحفل، والذي ينتهي بدعوة إحدى مشجعات الفريق الشقر. اختيار ملك وملكة الـprom، والسيناريو الشهير بفقدان العذرية مع فارس الأحلام. سهرة حفل التخرج هي حلم المراهق الذي يتذوق أسلوب حياة الكبار للمرة الأولى، كما يظن، والتي بإمكانها أن تتحول أيضاً إلى كابوسٍ أو خيبة أمل للكثير من الفتيات والفتيان الذين يضعون آمالاً كبيرة في تلك الليلة. ومهما كانت النتيجة تبقى الحدث الأهم في نظر المراهق أينما كان في العالم، مواكباً تطورات المجتمع، إذ اختيرت منذ بضعة أسابيع ليندسي وبري فتاتين مثليتي الجنس في أميركا، ملكة وملك الـprom في مدرستهما في فلوريدا. النهضة الثانية التي تعيشها ثقافة الـprom منذ أعوامٍ قليلة، مع هاشتاغ #prahm الذي يجتاح التواصل الاجتماعي في مثل تلك الفترة من السنة، وتخصص له المجلات صفحات لصور أولاد نجوم هوليوود. لكن وجود تلك الثقافة في مجتمعاتنا العربية شبه معدوم، ونراها تلقى رواجاً خجولاً في بعض المناطق من لبنان ومصر وسوريا سابقاً. هل السبب يتعلق بالأسطورة الشهيرة التي ترافق مصطلح الـprom، والتي تقول إن قسماً كبيراً من المراهقات يفقدن عذريتهن بكل إرادتهن في تلك الليلة؟من سيقبّلني الليلة؟
القبلة الأولى أو حتى ممارسة الجنس للمرة الأولى، هي الفكرة التي ترسخها في عقولنا أفلام المراهقين التي تتناول موضوع الـprom night، على أنه الهم الأول والأخير للفتيات والفتيان في تلك الليلة. تشير الأرقام، وفق إحصاءات موقع [external_link destination=" "]statisticbrain.com[/external_link]، متخذاً عينة من 12843 تلميذاً، إلى أن 5% من الفتيات، و3% من الشبان يفقدون عذريتهم في ليلة التخرج، فهل هذه قاعدة تطبق في كافة الثقافات وعلى مختلف التلاميذ؟ "إنها التظاهر بعادات الراشدين"، تقول Laura Carpenter أستاذة في جامعة Vanderbilt في تينيسي. فالمراهقون يرتدون الملابس الفاخرة كالكبار، ويخرجون لإمضاء السهرة في مكانٍ راقٍ، ويتصرفون ويتحدثون كالبالغين، كما يرونهم من بعيد. والجنس ليس إلا جزءاً من تلك الليلة الانتقالية إلى حياة البلوغ. فكرة فقدان العذرية شهدت رواجاً في الثمانينات لدى المراهقين، في وقتٍ عاشت الحقبة نهضة ثقافة الـprom بأوجها. إضافة إلى اشتهار الأفلام المخصصة لحفلات التخرج على الشاشات في الفترة نفسها. اجمعوها سوياً تجدوا الأسطورة الشهيرة المترسخة في ذهننا لدى التفكير بالـprom night. وكأن ذلك "الكليشيه" هو بنفسه يضع ضغطاً على بعض الفتيات والفتيان، لضرورة فقدان العذرية في تلك الليلة المنتظرة. بينما في الأصل ما من ظاهرة أو دراسة محددة ومؤكدة لتكون عنصراً أساسياً في اختلاق ذلك المعتقد. حتى يظن بعض الخبراء الاجتماعيين أن فكرة الجنس ليلة الـprom، أصبحت في خبر كان، والتلاميذ لم يعودوا يهتمون لذلك الأمر. ربما لأن النظرة الاجتماعية للجنس اختلفت من الثمانينات حتى الفترة الحالية، وأصبح التعاطي معها أكثر إيجابياً. إذاً لماذا لا يحتفل معظم المراهقون العرب بالـprom night كما يعيشها الآخرون، لماذا تلك الثقافة الأميركية الأصل لم نتبناها مثلما تبنينا مختلف الثقافات الأخرى من الغرب؟ لماذا نعيش سهرات هالوين صاخبة ونعيّد حتى بعضنا بكل غرابة في عيد الشكر أو Thanksgiving day، ولا نستمتع بالـprom night على أصولها؟ حين أتذكر أواخر التسعينات، يوم أقمنا مع الخريجين من المدرسة سهرة حفل تخرج راقية في أحد الفنادق الكبيرة في بيروت، لا يمر على بالي لا قبلة أولى ولا رغبة بالجنس ولا إخفاء أسرار عن الأهل. بل أتذكر أجمل مشاعر المراهقة، من شغف وخجل وجنون لا مبالٍ، أتذكر الأساتذة يرقصون كالمراهقين معنا. أتذكر الخوف البريء من حياة البلوغ، أتذكر مشاكل المراهقة المضحكة التي كانت تسبب الاحمرار. أتذكر الدعوة الخجولة التي تلقيتها من شاب لدخول السهرة معه، أتذكر أجمل فستان، الذي لم أكن أنا أرتديه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...