رغم الكثير من المحاولات التي تشهدها المنطقة العربية على يد الفاعلين الثقافيين في سبيل تحرير الجسد العربي، وتكوين هويته الجنسية والجمالية، فإن الموضوع ما زال مقتصراً على النصوص والدراسات. عالم الصورة لم يشهد نهضة "إباحية" عربيّة مؤسساتية محترفة، فمنصات النشر الإباحي الغربية تحوي ما يسمى "عربي" أو "شرقي" كفئة مستقلة، لكنها مجرد فيديوهات لهواة عرب، أو منتجات غربية تحمل موتيفات عربية كتجربة ميا خليفة، أو كفيلم "نساء الشرق الأوسط".
ما أثار الجدل وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي، هو خبر "أول فيلم بورنو سوري". بعد البحث نجد المدعو "أنطونيو سليمان"، شاباً سورياً أشقر مفتول العضلات، أنشأ عدة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويروج لنفسه على أنه "أول ممثل إباحي سوري”، أخرج ومثّل في فيلمه الأول "الملك العربي”.
من هو "الملك العربي"؟
أول ما يفاجئ في الفيلم هو عنوانه، إذ حين نبحث عنه لا نجده تحت هذا الاسم، بل بعنوان "لاجئ سوري يضاجع فتاة جميلة". بمدة لا تتعدى 10 دقائق من أصل 30 دقيقة مفترضة، يتسم الفيلم بضعف الأداء، والعجز عن إيصال المشاهد للـ"ذروة"، إذ تهرب الممثلة في النهاية.
كما أن عنوان "الملك العربي" لا يحمل ما يمت لمضمون الفيلم بصلة. ما نراه عربياً هو العبارات البسيطة التي ينطق بها أنطونيو في البداية، أمّا الفضاء والأزياء والديكور فكلها مستمدة من المشاهدة السطحيّة للبورنو الغربي. أنطونيو يستنسخ ما رآه، وفيلمه لا يحمل أي خصوصية ترتبط بالتراث الإيروتيكي للعالم العربي. الفيلم من وجهة نظر "بورنولوجيّة" أقل من عادي، واستخدام أنطونيو لكلمة "لاجئ سوري"، لا تغدو سوى سعي للوصول للشهرة عبر هذه الكلمة، حاله كحال الكثيرين. فصفة "لاجئ" للترويج لمنتجهم تجعل القيمة/ الشهرة تأتي من "السياسي" لا "الفني"، وهذا ما وقع فيه أنطونيو الشاب.
أنطونيو يختزل بجسده العاري الممارسات الفارغة التي يمارسها البعض لتحويل الوضعية السياسية للضحية إلى منتج فني تجاري
أنطونيو أو ابراهيم
أثار أنطونيو وسائل التواصل الاجتماعي وردود الأفعال المختلفة في ما يخص أداءه أو السخرية منه، إلى جانب المحاولات الجديّة لتحليل تجربته. نشر أنطونيو عبر حسابه على Facebook: "شهرتي سببها العالم المتوحش الذي تشارك على قتل شعبي المظلوم وممارسة جميع أشكال العنصرية عليه". فبدأ روّاد وسائل التواصل الاجتماعي النبش في تاريخه، ليقول البعض إن اسمه الحقيقي ابراهيم سليمان وعمره 21 عاماً، من مدينة حلب التي غادرها إلى ألمانيا عام 2012، وليشير البعض إلى أنه "مثلي الجنس". وحين حاولنا التواصل مع أنطونيو، رد بوضوح: "شكراً لكم، تأتيني الكثير من العروض، ما هو المبلغ الذي ستدفعونه لي مقابل اللقاء”؟
أجرى أنطونيو حتى الآن لقاءً وحيداً باللغة الألمانية، لا يتعدى بضع جمل وعبارات. وفيه يقول إن عمره 19 عاماً، وقريباً سينشر الفيلم الذي شاركته فيه ممثلة إسبانية مجاناً، كما يقول إنه يحلم بأن يكون ممثلاً. وقد عمل في المسرح في سوريا، لكنه في ألمانيا دخل التمثيل من باب البورنو، وحلمه الآن هو أن لا يكون نجماً إباحياً، بل جذب الاهتمام إلى المعاناة في بلده منتقداً الجماعات الأصولية، خصوصاً عبر موضوع الفيلم الذي يمثل جارية تقدم لأمير حرب. ويضيف أنه برغم التهديدات التي تصله، وبالرغم من محاربة أسرته له وقطعهم سبل التواصل معه، لكنه سيستمر، ويقول إنه أبلغ مكتب العمل في ألمانيا عن عمله هذا، ولم يعد يحصل على المساعدات من الحكومة الألمانية، بل يعيش على عائدات الإعلانات والفيلم.
ما يثير الدهشة هو تصريح أنطونيو بأن ما يقوم به لا ينبع من خبرة أو معرفة بالبورنولوجيا العربيّة، بل مجرد محاولة للوصول إلى الشهرة عبر توظيف "العنف الذي تشهده سوريا". فمنذ استخدامه كلمة لاجئ في الترويج للفيلم، حتى طلبه بدلاً مادياً مقابل اللقاء، جعله يتحول إلى مجرد سلعة خالية من المضمون، عكس ما كان يتوقعه المهتمون بالإيروتيك العربي من خطوة كهذه، خصوصاً أن قراءة اللقاء الذي أجراه مع المجلة الألمانية يتطلب دفع نقود واشتراكاً شهرياً.
تحولات الجسد السوري
المثير للاهتمام في حالة أنطونيو أنه أضاف وضعية جديدة إلى تحولات الجسد السوري واستهلاكه بصرياً، في منصات النشر الإعلامية وغيرها. فالسوري "اللاجئ" أو "الضحية"، كان دائماً سلعة متبادلة وفق مقاييس "الناجي" أو "ساكن المخيمات"، أو "الناجح في بلدان المنفى"، أو "عابر الحدود". هذا ما استغله أنطونيو في الترويج لنفسه، الضحية التي قررت استغلال الصفة "السياسية" التي تمتلكها -لاجئ- في سبيل الترويج لنفسها تجارياً. هذا التوظيف مماثل لما نقرأه من منتجات كثيرة مرتبطة بالثورة السوريّة، التي توظف السياسي في سبيل اكتساب الشرعية الفنية أو الأدبيّة. فأنطونيو استخدم كلمة "لاجئ" ضمن منصة النشر "موقع Pornhub"، في حين أن المضمون خال منها أو من أي إشارة لما يمكن أن توحي له كلمة "فيلم بورنو سوري". أنطونيو، باستخدامه الصيغة "الإباحية" و"الفضائحية"، يشابه الممارسات الأخرى "الخفيّة" التي يمارسها البعض، والتي توظف السياسي في سبيل الترويج الإعلامي والفني، لكن بصورة أقل وضوحاً وأكثر مجازية. أنطونيو يختزل بجسده العاري الممارسات الفارغة التي يمارسها البعض لتحويل الوضعية السياسية للضحية إلى منتج فني تجاري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...