شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"المطبق والمعصوب": حكاية المطبخ السعودي وزوار الحجاز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 19 يوليو 201602:16 م
في عصر العولمة أصبح العالم قرية صغيرة، تمتزج فيها النكهات والمذاقات من كل مكان، لتضيف إلى سفرتنا أطباقاً جديدة. لكن يبقى للأكل المحلي والشعبي مكان في القلب، لا تملؤه الوجبات السريعة والأطباق الجديدة. يبقى الطبق الذي أعدته الجدة في مطبخها إرثاً يحاول أهل المدينة الحفاظ عليه، فيتناقلون وصفاته من جيل إلى جيل، ويفتتحون مطاعم تقدمه لأهل البلد وزوارها، ليتذوقوا طعم المكان. هذا ما يقوم به اليوم أهل مدينة جدة، التي تفد إليها أعداد لا تحصى من الزوار سنوياً. فهي مدخل منطقة الحجاز من البحر الأحمر، وبوابة مكة والمدينة المنورة. ويحافظ أهلها على الأطباق المحلية، التي تحكي قصة تراكمات لثقافات مختلفة مرت في الماضي على المدينة، ولعل أشهر هذه الأكلات "المطبق" و"المعصوب". [caption id="attachment_65502" align="alignnone" width="700"]479929_294287263973687_179899182_n479929_294287263973687_179899182_n المعصوب والمطبق (من اليمين إلى الشمال)[/caption] يتكون المطبق من عجينة، في داخلها حشوة، هي غالباً من اللحم المفروم والبيض الكرات، وتشبه إلى حد كبير "الكريب" الفرنسي. وقد تكون الحشوة بالموز ويسمى مطبق حلو نظراً لحلاوة طعمه. أما المعصوب فيتكون من فطيرة وموز، ويضاف إليه السمن أحياناً. وقد يأتي المعصوب بنكهات مختلفة، كالقشطة أو العسل أو التمر، وغيرها من الأنواع، ويقدم كوجبة إفطار أو عشاء.

رحلة المطبق والمعصوب إلى الحجاز

"النفس الطيب"، خصوصاً في الأكلات السعودية، هو ما دفع الشابة السعودية الثلاثينية أمل العليان، إلى ترك إدارة الأعمال، لتفتتح أول مطعم سعودي للأكلات الشعبية في الإمارات. أسمته "مطبق ومعصوب".
أطباق محلية سعودية تحكي قصة تراكمات لثقافات مختلفة مرت في الماضي على البلاد
كيف أصبح المطبّق، وهو في الأصل أكلة من التراث الماليزي، من صلب المطبخ السعودي؟
تقول أمل: "تعلمت الطبخ من والدتي، وأضفت بعض لمساتي الخاصة، لأنني أعتبره هواية وليس مهنة". وقد أكسبتها هذه اللمسات لقب سفيرة المطبخ السعودي، إذ كانت أول من فكر بنقل المطعم السعودي إلى خارج المملكة. عملت عليان في مجال المستشفيات مدة طويلة، ثم انتقلت للعمل الاداري لتصبح أول مديرة موارد بشرية في شركة إماراتية في السعودية. لكن عشقها لأكلات بلدها الشعبية أعادها إلى طاولة الطعام. فعملت على تقديم أكلاتها بطريقة صحية مستفيدة من خبرتها في المجال الصحي. ترى عليان أن المطبق والمعصوب يضمان العديد من الثقافات والحضارات. فهي أطباق حجازية في الأصل، إذ يزور منطقة الحجاز منذ أكثر من ألف عام ملايين الحجاج والمعتمرين، من مختلف أرجاء العالم، قاصدين مكة والمدينة. وقد استقر الكثير منهم في السعودية ليصبحوا في ما بعد من أهل البلد. حمل هؤلاء الزوار بعض عاداتهم معهم، كما أحضروا أكلاتهم ووصفاتهم المحلية إلى الحجاز. ومن خلالهم أصبح للأكل في السعودية، خصوصاً مدينة جدة، التي تعتبر بوابة الحجاز على البحر الأحمر،  طابعاً متنوعاً يحمل نفحات من المطبخ البخاري والجاوي والشامي والحضرمي والأفغاني، أي المناطق التي يتركز فيها المسلمون، ويأتون للحج والعمرة. وتشير عليان إلى أن المطبق في الأصل أكلة مالحة، مأخوذة من التراث الماليزي، ومع مرور الوقت أصبحت من صلب المطبخ السعودي. وتضيف: "أما المعصوب فهو عبارة عن حلوى شعبية، مأخوذة من جنوب الجزيرة العربية من بلاد اليمن وحضرموت".

الناس أذواق

لا يتردد يوسف (30 عاماً) الشاب السعودي الذي يعمل في مجال التسويق على المطاعم الشعبية كثيراً. فهو يفضل الوجبات الخفيفة. يقول: "هذه الأكلات ثقيلة على المعدة ولست دائم التردد عليها". لكنه إن خُير بين تناول المطبق والمعصوب، فهو يفضل الأخير. يتفق يوسف مع عليان أن سبب ثراء مطبخ جدة، هو تأثره بأكلات من دول العالم الإسلامي. والأطباق التي تأثرت بأكلات من دول مختلفة هي المنتو والفرموزا والششبرك وعيش أبو اللحم، و تقاطيع الكبدة ومندي اللحم والدجاج وغيرها. وتنتشر في السعودية المطاعم الشعبية التي تقدم المطبق والمعصوب. لعل أشهرها القرموشي والنخيل ومذاق زمان وأبو زيد. لكن يوسف يرى أن انتشار المطاعم لا يعني أنها تقدم الأكل الشعبي الأصيل. ويضيف: "لايوجد لدي مطعم مفضل للأكلات الشعبية، لأن المطاعم الشعبية الأصلية أصبحت نادرة، ولكن هناك انتشار للمطاعم التجارية". راية الخطيب (28 عاماً)، ابنة مدينة جدة التي تعمل في مؤسسة أهلية، تفضل المطبق، لأن شكل المعصوب لم يجذبها، فرفضت تذوقه. وترى أن أسعار الأكلات الشعبية بسيطة وفي متناول الجميع، فيقدر سعر وجبة المطبق في مطعم "النخيل" مثلاً بحسب الخطيب بنحو 7 دولارات، وهو سعر شعبي يتناسب مع جميع الفئات.

الغربة والأكل الشعبي

يارا داعوس (33 عاماً) من جدة، أنهت دراستها للطب في الولايات المتحدة الأمريكية حديثاً، تعبر عن اشتياقها للأكلات الشعبية في موطنها، وتنتظر اللحظة التي ستعود فيها إلى أرض الوطن، لتأكل أكلاتها المفضلة هناك. تقول بلهجتها السعودية: "بالنسبة لي، المطبق والمعصوب أكثر أكل يوحشني لأني مقيمة في أمريكا حالياً، ونوعية هالأكل غير متوفر حتى في الأحياء العربية، ويكون من أول الأشياء على قائمة الـto do list لما أرجع جدة إجازة". وتفضل داعوس تناول المطبق بطعم الموز ومن ثم الخضار. وهي تفضل مطعم ومنتزه "النخيل"  في جدة، القريب من كورنيش المدينة. تضيف: "هو من أقدم المطاعم الموجودة ومحافظ على جودته". المقهى عبارة عن حديقة واسعة، تتسع لأكثر من مئتي شخص، تمتاز بشاشة تلفاز كبيرة، تعرض المباريات والمسلسلات، وكنبات مريحة مرتفعة. وعن إمكانية عملها للمطبق والمعصوب في المنزل، تقول: "أعمل المعصوب لأنه أسهل ومحتوياته متوفرة في كل مكان، ولكن عمري ما حاولت أن أعمل مطبقاً لأنه بحاجة لعجينة معينة، وأتوقع عمله أصعب ومكوناته غير متوفرة في أمريكا بسهولة".

إرث الأباء والأجداد

تحتل الأكلات الشعبية جزءاً كبيراً من ذكريات الطفولة لدى الكثير من أهل السعودية. داعوس أحدهم، وتوضح: "هالأكلات لها مكان خاص في حياتنا، وحالياً أغلب الناس عالأقل مرة أو مرتين في الشهر يتعشوا أو يفطروا أكل شعبي خصوصاً المعصوب والمطبق". يتفق يوسف معها، فالأكلات الشعبية برأيه إرث الآباء من الأجداد: "هي شيء نفتخر به وندعو ضيوفنا في البلاد الأخرى لتذوق شيء جديد عليهم".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image