"مجتمع متحرّر داخل مجتمع محافظ، محمي بأسوار شائكة، مخصصّ فقط لذوي الدخل المرتفع من الأجانب في السعودية". بهذه العبارة يصف الخبير العقاري عبدالله الراجح، المجمعات السكنية Compounds الخاصة بالأجانب، التي تقع داخل المدن الرئيسية، والتي تعدّ عالماً مجهولاً للكثير من المقيمين والسعوديين.
فهي وحدات سكنية تمّ إنشاؤها للحفاظ على الخصوصية الاجتماعية للأجانب، القادمين من المجتمعات الغربية دون سواهم.
وتراوح أسعار الإيجار السنوي لها بين 25 و50 ألف دولار. لكن، تقوم كبرى الشركات في السعودية والأندية الرياضية، التي اعتادت أن تستقدم أجانب غربيين بسداد قيمة الإيجار عنهم، مع توفير جميع وسائل الراحة للموظفين.
كما تبني بعض الشركات مجمعات سكنية خاصة لموظفيها من الجنسيات الغربية. إذ يُجهّز المجمّع السكني بحمامات سباحة، وملاعب خاصة، وبعض المطاعم وغيرها من وسائل الترفيه. كي لا يضطروا للخروج من المجمع، والاحتكاك بمجتمع يختلف عنهم في الطباع والعادات، خصوصاً النساء الغربيات اللواتي سيضطررن إلى ارتداء العباءة.
ويعد المجمع السكني التابع لشركة الخطوط السعودية في مدينة جدة، واحداً من أقدم المجمعات السكنية التي خصصت للأجانب. بينما يعد مجمع أرامكو في مدينة الظهران، أول مجمع سكني في السعودية، إذ كان ولا يزال واحة خضراء لمهندسي النفط في شرق السعودية. وقد عرفت السعودية وجود أول مجمّع مخصّص للأجانب مع مجيء المهندسين الغربيين إلى أراضيها لاستكشاف حقول النفط، فأسسوا مجمعاً سكنياً مخصصاً لهم، لخلق حياة شبيهة بتلك التي اعتادوها في بلدانهم.
هناك عدد من الأجانب يفضّل السكن داخل المدينة، والاحتكاك بأفراد المجتمع، بالرغم من المخاوف الأمنية التي تتعلق بسلامتهم. بينما يختار البعض الآخر ذلك لضرورة ادّخار ما يمكن من المال، وعدم هدره على إيجار الوحدات السكنية في المجمعات.
وتسمح الحكومة ببناء مجمعات سكنية مغلقة Compound، شرط توافر ضوابط محددة. منها أن يكون موقع المجمع مخصصاً للإسكان في المخطط المعتمد، وأن يتم تطبيق تعليمات وأنظمة البناء المعتمدة لدى الأمانات والبلديات الخاصة بالمجمعات، واختيار الموقع المناسب، بشكل لا يسبب ازدحاماً على المواقع والمرافق المحيطة به، وأن تحيط الشوارع بالمجمع من جميع الجهات، لضمان استقلاليته وتسهيل المراقبة الأمنية. كذلك يفترض توفير مواقف كافية لسيارات الساكنين والزائرين، وتطبيق الشروط الفنية لمواقف السيارات الصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية في السعودية.
علماً أن عدد المجمعات السكنية لا يتجاوز الـ10 في مدينة جدة، في ظل تنامي الطلب على المجمعات السكنية المغلقة، من قبل المقيمين الأجانب، والشركات التي تسعى إلى إسكان كبار التنفيذيين فيها، والأندية الرياضية الكبيرة التي تبحث عن مساكن للاعبيها الأجانب.
فيزداد الطلب بنسبة تراوح بين 10 و15% سنوياً، بحسب تعليق الخبير العقاري عبد الله الراجح لـرصيف22. ويؤكّد الراجح أنّ "المجمعات السكنية الخاصة بالأجانب وجدت لتوفير وسائل الراحة لكبار الموظفين الغربيين. وتملك الكثير من الشركات مثل أرامكو، والخطوط السعودية، وسعودي أوجيه، مجمعات سكنية خاصة يضرب بها المثل، مخصصة للأجانب الغربيين. أما غيرهم من المقيمين العرب، فخيارهم المعيشي هو الذي يحدد مكان السكن، إذ لا تتضمن عروضهم الوظيفية ميزة تخصيص سكن في مجمع خاص".
وتمتاز تلك الوحدات بوجود حراسة أمنية مشددة على البوابات، والمتاريس والأسلاك الشائكة التي تحيط بأسوار المجمع. إذ لا تزال ذكريات الهجمات الإرهابية التي شنّها تنظيم القاعدة في عدد من المجمعات السكنية، في كل من الرياض والخبر عام 2004 تلقي بظلالها على الحراسة الأمنية في المجمع.
ولا يستطيع الزائر دخول المجمع السكني، إلا في حال تسجيل اسمه في قائمة الزيارات من جانب الشخص المستضيف، ويترك الزائر بطاقة هويته عند البوابة الأمنية، ويتمّ التأكد من ورود اسمه في سجل الزيارات وتفتيش سيارته، ليسمح له بالدخول.
وتولد الحياة الاجتماعية في المجمع السكني الخاصة بالأجانب نوعاً من الرتابة والملل لدى بعض قاطنيه. وهنا يؤكد مهد عبد الرحمن، وهو بريطاني الجنسية، أنه "لم يحبذ المكوث في المجمع فترة طويلة، وسرعان ما ترك سكنه، نظراً لضيقه وعدم الحرية في الحركة، بسبب تقسيم المناطق السكنية داخل المجمع إلى أماكن مخصصة للعائلات، وأخرى لغير المتزوجين". إذ ما زالت الكاميرات تفرض نفسها كرقيب على تحركات المقيمين. وبالرغم من أن شركته تحملت مصاريف إيجار شقته، فقد قرر الخروج من المكان.
ينظر الكثير من السعوديين نظرة سلبية لتلك المجمعات السكنية، على أنها "مستوطنات للفجور، تنتشر فيها المشروبات الروحية، والاختلاط المحرم بين الجنسين"، الأمر الذي نفاه عبد الرحمن. وقال إن "القوانين داخل المجمع السكني تحول دون دخول غير المتزوجين إلى الأماكن المخصصة للعائلات، إلا في حال توفر دعوة من أحد الساكنين". لكنه يشير إلى أن "التحايل على تلك الأنظمة يتم بشكل أو بآخر، وهي ليست قاعدة تصف نوع الحياة الاجتماعية داخل المجمع".
ومعروف أن الحياة الهادئة والبعد عن صخب المدينة، وانتشار الأشجار، ونظافة الطرقات، هي الصفات الأقرب إلى شكل الحياة داخل الكمباوند.
ويوضح الراجح أنّ "وسائل الترفيه المتوفرة، تختلف من مجمع سكني إلى آخر، بحسب حجم الشركة ونشاطها. فتمتلك الشركات الأمريكية العاملة في المملكة مجمعات سكنية مغلقة ذات مساحة كبيرة، تضم صالات سينما وملاعب رياضية، ومطاعم، وأسواقاً خاصة. بينما هناك مجمعات أخرى تفتقد بعض وسائل الترفيه، إذ تلعب مساحة المجمع، وإمكانات الشركة، دوراً في تأمين حياة أكثر رفاهية لقاطني الكمباوند".
نشر الموضوع على الموقع في 26.08.2015
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...