يُهيّأ للمار أمام المقهى الأكثر شهرة في العاصمة الأردنية عمّان أنه مغلق خلال أيام شهر رمضان، استجابةً لقرار وزارة الداخلية الأردنية التي تمنع فتح المقاهي خلال ساعات النهار في رمضان. فالكراسي في الخارج منصوبة فوق الطاولات، وعبارة "أوبن" تحوّلت إلى "كلوزد"، و"مسؤول الفحم" ليس واقفاً بالباب الجانبي مع حمالة الفحم بحركته المعتادة لتصير جاهزة للوضع فوق رأس النرجيلة.
لكن مَن يقترب من باب المقهى الرئيسي سيكتشف فتحة صغيرة للباب المشقوق وسيرى أن في الداخل طاولات مكتظة وأن الدخان يتصاعد من نراجيل الجالسين في ظل إضاءة خافتة خوفاً من "الفضيحة".
نعم هي فضيحة في المجتمع الأردني المحافظ، بل جريمة يعاقب عليها القانون الأردني. ولذلك، فإن مَن لا يصومون يختبئون وراء أبواب موصدة لمقاهٍ تترك شقاً صغيراً يسمح لزبائنها بالدخول وممارسة حريتهم في تناول الطعام والشراب وتدخين النرجيلة.
دخل إضافي
المقهى الذي وصفناه بدون تسميته هو واحد من مقاهٍ كثيرة ربما يدرّ عليها شهر رمضان أرباحاً تفوق باقي الشهور. فهي تتحوّل إلى مرتع معروف لزبائن ملتزمين بارتيادها يومياً خلال شهر رمضان، نظراً لما توفّره لهم من مساحة حرية في ممارسة يومهم كأي يوم عادي بعيداً عن نظرات الناس المستهجنة والتكفيرية. وقال النادل المسؤول عن ذلك المقهى هـ. د. أن المقهى اعتاد منذ أربعة أعوام أن يمارس عمله في شهر رمضان لوجوده في شارع يضمّ مجموعة من المقاهي التي تفتح أبوابها في رمضان "خلسة أيضاً". وأكّد النادل الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن المقهى لا يرمي من وراء مزاولة عمله خلال ساعات الصيام إلى مناكفة الدولة، فوجهة نظر أصحابه تقوم على أساس أن الناس أحرار في معتقداتهم. وتابع لرصيف22 أن فريضة الصيام في شهر رمضان لا تعتبر فريضة بالنسبة للكثيرين كالمسيحيين، كما أن بعض المسلمين يعتنقون أفكاراً ترفض الفروض الدينية. وأضاف أن كثيراً من زبائن تلك المنطقة بشكل عام هم من السائحين الأجانب، ومن غير الممكن أن تقفل أبواب المقاهي والمطاعم في وجوههم في رمضان بدون أدنى احترام لدينهم الذي لا يفرض عليهم الصيام. وأشار هـ. د. إلى أن المقهى يزداد اكتظاظاً في رمضان وأنه غير مضطر للإعلان عن فتح أبوابه لأن الزبائن اعتادوا معرفة الأماكن التي تفتح أبوابها في هذا الشهر.علاقة بين العبد وربّه
"العبادات هي في الأصل علاقة بين العبد والمعبود"، قال الشاب هيثم، وهو مسلم لا يصوم في شهر رمضان، لرصيف22، وأضاف: "هنالك نص صريح في الحديث النبوي الشريف يقول: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به". لذلك، برأيه، "معاقبة غير الصائم هي مسألة إلهية وليست دنيوية". واعتبر هيثم أن "مَن يريد الصيام كعبادة وليس كعادة اجتماعية فإن وجود المفطرين قربه من المفترض أن يقوي إرادته بالصيام لا أن يضعفها". ومن المفارقة أيضاً أن القوانين التي تعاقب غير الصائمين في رمضان بالحبس والغرامة هي قوانين عثمانية، ولكنّها لا تزال سارية في الوقت الذي تحتفل فيه الأردن بالثورة الكبرى على العثمانيين، كما يقول هيثم. وبرأي هذا الشاب، فإن إغلاق المطاعم ظاهرة غريبة و"الصائم لن ينخدش حياؤه لأنه بالأصل لن يدخل إلى المطاعم أثناء النهار"، متسائلاً "ما المشكلة من أن تعمل المقاهي والمطاعم في النهار لغير الصائمين". واستنكر هيثم اعتبار غير الصائمين في رمضان خارجين عن القانون وملاحقتهم، ما يضطرّهم إلى ممارسة حياتهم في السر. وقال: "مَن يريد الصيام فليصم ومَن يريد الإفطار فليفطر بدون الحاجة إلى شعوره بالخوف".مشكلتي ليست الخوف
رانيا هي شابة أردنية لا تعاني فقط من العقوبات التي تجرّم الإفطار خلال ساعات الصيام، بل تعاني من النظرة الاجتماعية التي تستهجن هذا الفعل وتتهم كل مَن يقوم به بأنه كافر ومرتد عن دينه. وقالت: "مشكلتي ليست الخوف من أن يتم ضبطي وأنا مفطرة في رمضان، بل مشكلتي هي كيل الاتهامات والإساءات التي أتعرض لها، في حال تم ضبطي، من قبل الناس في الشارع أو في العمل أو في أي مكان". وتجنباً للتعرض لكل ما سبق ذكره، تضطر رانيا إلى أن تقصد يومياً، بعد عملها الذي ينتهي دوامه مبكراً في شهر رمضان، إلى أحد المقاهي التي تفتح خلال ساعات الصيام، الأمر الذي يستنزفها اقتصادياً. فهي يومياً تدفع نحو عشرة دنانير (14 دولاراً) حتى تمارس حريتها في تناول الطعام والشراب والتدخين بعيداً عن رقابة الدولة والمجتمع. "شهر رمضان هو أصعب شهر علي طوال السنة"، تقول رانيا معتبرة أن "لا الدولة ولا المجتمع لهما الحق في تقييد حرية الشخص في ممارسة الشعائر الدينية أم عدم ممارستها".يقدّرون وضعي كمسيحية
تانيا صويص هي شابة مسيحية تعمل في شركة حيث كل زملائها في القسم الذي تعمل فيه مسلمون. قالت: "الفكرة ليست في أن هناك مَن يقيد حريتي في العمل خلال رمضان. بالعكس، هم يعرفون أنني مسيحية ويقدرون وضعي في هذا الشهر بالذات لكنني أشعر بالخجل في حال دخلت إلى المطبخ ودخنت السجائر أو شربت القهوة". لكن ما تعاني منه أكثر هو إغلاق االمطاعم والمقاهي خلال ساعات الصيام حتى ولو أن هنالك مقاهي تتجاوز هذا المنع. فبرأيها، الفكرة بحد ذاتها مقيدة لحريتها. أخيراً، أوقفت الأجهزة الأمنية في الأردن شخصين بتهمة الإجهار بالإفطار في رمضان. وبحسب الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام المقدم عامر السرطاوي، "يتم توقيف أشخاص على خلفية الإجهار بالإفطار كل سنة خلال رمضان". وأوضح السرطاوي لرصيف22 أن العقوبة تختلف بحسب القاضي والمحافظ لافتاً إلى أن العقوبة ليست فقط بسبب عدم أداء فريضة الصيام والإجهار بالإفطار بل بسبب انتهاك حرمة الصائمين. ولفت إلى أن "العقوبة تأخذ منحى اجتماعياً وإنسانياً يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحالة التي يمرّ بها الصائمون". وأشار السرطاوي إلى أنه، في السابق، وكإجراء إداري وليس قانونياً، كانت عقوبة مَن يجهر بإفطاره في رمضان الحبس حتى يوم عيد الفطر وحلاقة شعر الذكور "على الصِفر".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...