يضطر الكثير من الشباب العربي للتظاهر بالصيام طوال شهر رمضان، في مجتمعات لا تتسامح مع غير الصائمين، ولا يتسع صدرها لرؤية شخص يشرب الماء أو يدخن السجائر.
تتنوع المبررات بين البلدان العربية، بين ضرورة مراعاة مشاعر الصائمين، والحفاظ على الهوية الإسلامية في المجتمع، وغيرهما. مع هذا يجد الطعام بشكل أو بآخر سبيله إلى بطون غير الصائمين.
الحيلة الأفضل: أن تكون فتاة
تنحدر ليال، التي تعيش في دمشق، من عائلة ليست متشددة كما تصفها، لكن الصيام بالنسبة لعائلتها أمر بديهي، والنقاش فيه كالكفر. وبخلاف الفروض الدينية الأخرى، يمارس أفراد العائلة بعضهم على بعض دور الرقيب والحسيب. تقول "التظاهر بالصيام يجنبني الصداع، وربما المقاطعة، أذكر أن أبي الذي يعمل في التجارة، اجتمع مع تجار السوق وقرروا أن يقاطعوا أحد التجار لأنه رآه يدخن في رمضان، وكانوا سعداء وشامتين لأنهم كبّدوه خسائر فادحة في موسم الأعياد. حتى أمي لا تمل النميمة على زميلاتها معلمات المدرسة، اللواتي لا يصمن في رمضان، حيناً تدعو لهنّ بالهداية وحيناً تتهمهن بانعدام الشرف والأخلاق". لم تصم ليال طوال السنوات السبع الماضية، لكن أفراد عائلتها لم يعرفوا بالأمر، باستثناء أختها الكبرى التي تحترم رغبتها. وتطلب إخفاء الأمر جهداً كبيراً كما تقول. فالأمر لا يقتصر على التظاهر بالصيام، إنما بالمجاراة والمسايرة في الكثير من الطقوس.كأن تشتكي من الجوع في النهار قبل الافطار، وتردد العبارات الشائعة مثل مرّ رمضان ولم نشعر به هذا العام". تقول ليال إن أسوأ ما في الأمر أنه عليك أن تكذب الكذبة وتصدق، أن تلبس قناعاً يشبه الجميع، لأنهم لن يتقبلوك. وتوضح: "خلال فترة الإفطار، أحضر بعض الطعام والماء إلى غرفتي، وأخبئه في خزانة الملابس. وفي النهار أغلق الباب وأتناوله. والحيلة الأجدى، أن أحضّر عذراً حين يكتشف أمري، كفترة الدورة الشهرية، حيلة كل الفتيات. عذر شرعي ولا نقاش فيه".مقهى أبو جهل للهاربين من الصيام
غالباً ما يلجأ غير الصائمين إلى منزل أحد الأصدقاء، حيث يمكنهم أن يتناولوا شيئاً بعيداً عن أعين الناس. يروي الفنان التشكيلي السوري مجد كردية: "كان أصدقائي في حلب يحزنون حين أسافر من المدينة في رمضان، ليس لأنني حبيب الجماهير، بل لأن مرسمي كان يتحول إلى مقهى أبو جهل، للمساكين الهاربين من عدم تسامح المجتمع وتقبله للتنوع. معظمهم يهربون حتى من أهلهم الذين كانوا يعتبرون الإفطار في رمضان فضيحة". ويضيف: "من وجهة نظري، عنف المجتمع تجاه غير الصائمين ليس بدافع ديني، فمن الممكن أن تفطر وحدك ولا يزعجك أحد. لكن إذا تجرأت وأشعلت سيجارة في الشارع فستتعرض للتعنيف حتماً". وعن طبيعة التعنيف، الذي يتجنبه أصدقاؤه في رمضان، يقول: "هذا يعتمد على المنطقة التي يكونون فيها، فحلب ليست واحدة. وفي أفضل الأحوال سيتعرضون لنظرات الملامة والغضب والازدراء. يتحول المجتمع إلى وجهه العنيف في رمضان، حتى بين الصائمين، ويصبح كل الناس غاضبين بسبب الجوع".تمثيل الإفطار
لا يقتصر التظاهر بالصيام على غير المقتنعين بالفرض الديني، إنما على المتساهلين في تنفيذه. محمد، شاب سوري (23 عاماً)، يعترف بضعفه أمام الطعام، الذي لا يستطيع مقاومته. يقول: "لدي 45 كيلوغراماً زائداً في جسمي، آكل 5 وجبات في اليوم على الأقل، لذا أقضي 30 يوماً قاسياً لأنني لا أستطيع أن آكل في مكان، مع هذا أحب طقس الإفطار كثيراً وأتمنى لو أستطيع الصيام". في رمضان، يعيش محمد صراعاً نفسياً مع إرادته، إذ يقرر الصيام بعد كل وجبة سحور، لكن الجوع يتغلب دائماً. يقول: "عند المغرب يفطر أصدقائي سوية عند أحد الأصدقاء، وأشاركهم الإفطار. لكني صراحة لا أكون مرتاحاً، أشعر بالضيق الشديد ووجع الضمير بعد أن أفطر، أحس أني شخص شاذ وضعيف، وأتخيل عيون أمي تراقبني".كابوس اللادينيين السعوديين
تعد السعودية أكثر البلدان العربية التي تمارس فيها سلطات تابعة للدولة رقابة على تنفيذ الناس للفروض الدينية كالصلاة والصيام. فيتحول شهر رمضان إلى كابوس يعيشه العديد من اللادينيين وغير المسلمين الذين يعيشون فيها. ويصبح غير الملتزم بها مخالفاً للقانون، وعرضة للتعنيف والاعتداء. وهذا ما يدفع البعض منهم إلى السفر خارج المملكة خلال رمضان. رقابة مشابهة على الفروض الدينية باتت تمارس أيضاً في العديد من المناطق السورية التي تسيطر عليها جماعات متشددة كتنظيم داعش. دوّن السعودي مشعل القصيمي على شبكة الإلحاد العربي قبل حلول رمضان: "لا يمكنك العيش في السعودية إلا بالتظاهر بالصيام أمام الناس، هذه مشكلة الملحدين وغير المسلمين من كافة الجنسيات. فرائحة قهوة أو دخان على ملابسك في نهار رمضاني تعطي الحق لجميع الناس في توبيخك لوماً أو سباً وقذفاً". ويضيف: "هل الحل هو السفر خارج الدول العربية؟ ومن لا يقدر على السفر ماذا يفعل؟ عانيت في هذا الشهر في المنزل من الأهل أو من الزملاء في العمل. لا أحد يتقبل وجود شخص غير صائم!"."فاطر هلأ هلأ بتمك جربوع معلق"
الهروب إلى حارة أخرى، هو الوسيلة التي يلجأ إليها أيهم وخطيبته سحر من سوريا، بعد انتهاء دوامهما الجامعي، لتناول وجبة خلال فترة الصيام. يقول أيهم: "حين نجوع كثيراً نذهب إلى أحد المطاعم في الأحياء ذات الطابع المسيحي، هناك يظن الناس أننا مسيحيون. ويضيف: "صمت 3 سنوات في حياتي. التظاهر بالصيام أصعب من الصيام، لأنك تشعر بالجوع بلا سبب. وأكثر ما يزعجني هو العطش في الحر، لكنني حين أعطش كثيراً أمشي بهدوء إلى إبريق الماء وأشرب أمام الجميع، ثم أبصق آخر قطرة بغضب، وأقول إنني نسيت نفسي وسأتابع صيامي". يرى أيهم أن السبب في انتشار هذه الظاهرة هو ثقافة رفض الاختلاف التي تربينا عليها. ويضيف: "حين كنا صغاراً حفّظنا أهلنا الكثير من أناشيد الكراهية للمفطرين، كنا نرددها بأعلى صوتنا في البيت والمدرسة. مثل: يا صايم هلأ هلأ بتمك فروج معلق، يا فاطر هلأ هلأ بتمك جربوع معلق أو فاطر يا بوم يا مصاص الدم، دمك دم الخنازير بعلقوك بالجناذير، والكثير غيرها. كل هذه السموم زرعت في عقولنا منذ الصغر حتى ننبذ غير الصائمين من دون أن نشعر، وهو ما جعلني آخذ وقتاً لأسمح لنفسي بتناول طعام في رمضان مع أنني لم أقتنع يوماً بالفكرة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين