في مطعم "الرحمة" في العاصمة عمّان، وتحديداً بجانب كنيسة بشارات، تشتم رائحة الرحمة ودفئاً كثيراً. هو مكان أشبه بأن يكون مثالاً عن التكاتف الإنساني والتعايش الديني.
لم يستغرب الأردنيون صوراً نشرت على صفحة "إعلام من أجل الإنسان" على فيسبوك تبين قيام مجموعة من شبيبة كنائس في عمان بتحضير وجبات إفطار رمضاني وتوزيعها على الفئات الأقل حظاً من المسلمين.
تعايش الأردنيين
هذا دليل على أن سمة التعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين متأصلة في النسيج الأردني. وبرغم أنهم لم يستغربوا، سادت حالة من الفرح وذلك لاتخاذ المسيحيين أشكالاً جديدة في تكاتفهم مع المسلمين في رمضان. لقد اعتاد الأردنيون، في كل شهر رمضان من كل عام، نشاط تلك المجموعات من الشباب والفتيات المسيحيين. يتوزّعون على شوارع العاصمة عمّان ومحافظات أخرى ويقدمون التمر والمياه إلى المارة قبيل آذان المغرب. واعتاد الأردنيون أيضاً على عزائم رمضانية من أصدقاء مسيحيين لأصدقائهم المسلمين، فضلاً عن حرص المسيحيين على عدم تناول الطعام والشراب خلال ساعات العمل احتراماً لزملائهم الصائمين، مع أن ذلك غير مطلوب وغير واجب.مطعم الرحمة
مَن يدخل إلى مطعم "الرحمة" سيُلاحظ أن الحركة فيه تشتدّ في الساعات القليلة السابقة لآذان المغرب. سيرى مجموعة من الشباب والفتيات يتحركون بسرعة مثل خلية النحل. فهناك مَن يحمل صحوناً عليها تمر ومياه ويضعها فوق طاولات مرتبة ونظيفة، وهنالك مَن يشرف على طهو الطعام ومن ثم توزيعه في صحون مكشوفة وأخرى مغلقة للوجبات الخارجية. كما هناك مَن يحضّر عجينة القطايف حرصاً على "التحلاية" بعد وجبة الإطفار الدسمة. وعند الاستفسار عن تفاصيل هذه المبادرة، بيّنت المشرفة على المطعم سوسن عواد أنه بعد إعلان قداسة البابا أن هذا العام هو عام الرحمة، تم افتتاح هذا المطعم الذي يركز عمله على إعداد وتوزيع وجبات طعام للفئات الفقيرة من مختلف الأديان والجنسيات. وبسبب حلول شهر رمضان المبارك، تم تحويل وجبات الغداء التي يعدّها المطعم إلى وجبات إفطار رمضاني تجسيداً لمفهوم المحبة، بحيث يتم توزيع نحو 150 وجبة لذوي الفئات الأقل حظاً، داخل المطعم وخارجه لمَن يفضّلون تناول وجباتهم في منازلهم، إذ تخرج حافلة وتقوم بتوزيع الوجبات قبل حلول أذان المغرب.فرح مسيحي برمضان
ويحرص الموزعون، كما أكّد بعضهم لرصيف22، على ألا تفارق البسمة وجوههم وهم يوزّعون الوجبات، كما يحرصون على أن تكون الوجبة ساخنة ومشبعة ومدعّمة بالعصير والمياه والتمر والحلويات. وقالت ميس نعمات، 27 عاماً، وهي واحدة من المتطوعات إن فكرة التكاتف مع "إخواننا المسلمين" هي في رمضان وغير رمضان. وتابعت: "في هذه الأيام الفضيلة، فإن تقديم مساعدة للمسلم يمنحني شعوراً بالفرح أكثر من تقديمي مساعدة لمسيحي، لأنني ألمس مدى جمالية هذا التعايش الديني الذي نتحلى به في بلدنا". كذلك الحال بالنسبة للمتطوعة نيرمين دبابنة التي اعتبرت أن مساعدة المسيحيين للمسلمين في رمضان أمر طبيعي جداً، و"نحن نعيش في نعمة في الأردن, هي عدم التفرقة بين الدينين". وبالنسبة للمتطوع عدي نصراوين، فـ"المسلمون إخواننا". وهذا ليس أول نشاط تطوّعي يشارك فيه عديّ في شهر رمضان إذ سبق أن شارك مع شبيبة الكنائس في توزيع التمر والمياه على إشارات المرور.التكاتف ليس جديداً
المسؤول عن متابعة نشاط مطعم الرحمة التطوعي في شهر رمضان الأب رفعت بدر أكّد لرصيف22 أن "فكرة التكاتف المسيحي مع الصائمين في رمضان ليست جديدة في المجتمع الأردني، لكن الجديد هو أن هذا العام هو عام الرحمة ونحن أخذنا على عاتقنا أن تكون أنشطتنا منسجمة مع الشعائر الدينية، ولذلك أوقفنا وجبات الغداء وحوّلناها إلى وجبة إفطار". وبيّن الأب بدر أنه، منذ إعلان المطعم عبر فيسبوك عن نيته القيام بهذا النشاط التطوعي في رمضان، "انهالت وما تزال طلبات شباب وفتيات مسيحيين للمشاركة في هذا العمل التطوعي، الأمر الذي يُنظر إليه بمنظار واسع وهو تعبئة أوقات فراغهم بما هو مثمر ومفيد حتى لا يتم ملؤها بالأفكار المتطرفة التي تسيطر على الكثير من الشباب في العالم العربي". ويرى بدر أن التعايش الديني في الأردن وثباته في هذا الوقت الذي يشهد حروباً طائفية في المنطقة يعكس علاقة الوئام بين المسلمين والمسيحيين "والتي لا تعني فقط الجلوس إلى طاولات الحوار والمؤتمرات الفكرية إنما تعني الحوار في الأسلوب الحياتي". لينا إبراهيم هي واحدة من المستفيدات من مبادرة مطعم الرحمة التطوعية. قالت إنها منذ اليوم الأول من شهر رمضان تأتي إلى المطعم وتتناول طعام الإفطار فيه، مضيفةً أنها استغربت كثيراً في البداية أن مطعماً مسيحياً يقدم وجبات إفطار مجانية للمسلمين. "الشعور شعور جميل"، قالت لينا مؤكدة أنها تشعر بالراحة في المطعم إذ يتم استقبالها بابتسامة واهتمام واحترام.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...