قد يُعدّ الستاند آب كوميدي فنًا حديثًا نسبةً إلى بقية أنواع الفنون، إذ انطلق في القرن الثامن عشر، من الأراضي البريطانية. بينما تُعزى شهرته، التي نشهدها، إلى الرواج الكبير الذي ناله في الولايات المتحدة الأمريكية، في مقتبل السبعينات من القرن المنصرم. يقوم هذا الفن على الكوميدي الذي يعتلي مسرحاً، في نادٍ، أو مقهى ليلي، أو في أحد البارات أو غيرها من الأماكن، ليبدأ بإطلاق النكات والقصص القصيرة، غير المترابطة قاصداً إضحاك الجماهير.
وصول الستاند آب كوميدي إلى الثقافة السعودية، كان متأخراً بعض الشيء، بالرغم من أن المجتمع السعودي مرتبط بشدة بالمسرح الكوميدي، المصري والكويتي على وجه الخصوص. لكن انطلاقته كانت بين عامي 2006 و2007. تميزت تلك الفترة بأنها سرية بعض الشيء، إذ كانت توجه دعوات محدودة وخاصة لحضور مثل هذه الفعاليات، كما أن اللغة المستخدمة في العرض كانت الإنجليزية. فغالبية المشاهدين من جنسيات غير عربية، أو مطلعين على الثقافة الأمريكية بشكل كبير.
إلا أن حدثاً مهماً سبّب خروج الستاند اب كوميدي إلى العامة، هو ثورة البرامج اليوتيوبية عام 2011، كما يُطلق عليها. فانتشرت على موقع يوتيوب برامج كثيرة، ولاقت رواجاً واسعاً بين مختلف الفئات العمرية، بدأت من برنامج "التاسعة إلا ربع"، من تقديم محمد بازيد، وبرنامج عمر حسين الشهير "على الطاير"، وغيرها الكثير مثل "إيش الليو" ،"لا يكثر". ومع ظهور عدد من الوجوه الإعلامية الشابة، التي تتميز غالباً بخفة دمها، استغلت بعض الشركات الكبرى تلك الموجة، لبدء فعاليات تسويقية، متقطعة وغير مستمرة، من الستاند آب كوميدي.
قد يكون الستاند آب كوميدي هو الحدث الرئيسي في تلك الفعاليات، أو قد يكون فقرة ترفيهية ضمن غيرها من الفعاليات التسويقية. لكن النقطة المهمة، هي أنه قُدّم باللغة العربية للمرة الأولى في الأراضي السعودية.
الكوميدي كلوب
هذه المعطيات كلها تسببت في انبثاق فكرة في مخيلة الإعلامي ياسر بكر، لافتتاح أول نادي كوميديا، فكان "نادي جدة للكوميديا" عام 2010، أول مؤسسة تجارية تقدّم الستاند آب كوميدي لمدة ساعتين، بشكل دوري ومستمر، تحديدًا في كل أسبوعين، وباللغة العربية أيضاً. الفريد في هذه التجربة، أنها لم تعتمد بشكل كامل على مشاهير برامج اليوتيوب فحسب، إنما على تجارب الأداء لاستنطاق المواهب من الجماهير. بحسب إحصاء مسؤولي النادي، لم يُقم حتى الآن أي عرض، تقل فيه نسبة الحضور عن 90% من عدد المقاعد المتاحة. ومع زيادة الطلب على التذاكر، ومع العدد المتزايد للكوميديين، تم اعتماد تقديم العروض الكوميدية في كل خميس عام 2014. يتخللها عرض مسرحي كوميدي شهرياً. وجرى تغيير اسم النادي ليصبح "الكوميدي كلوب"، لأسباب تسويقية أولاً، وتجارية ثانياً. يقوم على الكوميدي كلوب حالياً 40 كوميدياً من السعوديين، أو المقيمين في الأراضي السعودية، يعمل 23 منهم في وظيفة نهارية في النادي، وبشكل حصري للنادي. أما أسعار التذاكر للعروض فهي 125 ريالاً سعودياً (33 دولاراً أمريكياً)، وهو سعر يبدو معقولاً نسبة إلى العروض التي كانت تقدمها الشركات الكبرى. إذ كان سعر التذاكر فيها ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. يقول الإعلامي خالد عمر، المشرف الإبداعي للكوميدي كلوب، إن هذا السعر يقارب معدل الصرف للمواطن السعودي خلال أيام عطلة نهاية الأسبوع. نستعرض هنا بعضاً من الأمثلة عن الستاند آب كوميدي الذي يقدمه الكوميدي كلوب: في المقطع الأول، يحاول ياسر بكر، مؤسس الكوميدي كلوب الربط بين طبيعة المحالّ التجارية، ورغبة المرأة السعودية في أن تتم مشاهدتها في تلك المحالّ. كما يتطرق إلى المحالّ التجارية ذات البضائع المنخفضة القيمة: في المقطع الثاني، يسخر الكوميدي محمد مشهور من الأسر التي تضم عدداً كبيراً من الأبناء. وكما يقول في بداية العرض، لا يقصد بالعدد الكبير أولئك الذين تتضمن أسرهم 5 أو 6 أفراد، إنما العدد الكبير جداً 44 ابناً. وأخيراً، هنا يستهزئ الكوميدي طلال الشيخي بالانتخابات البلدية، والتي يُعرف عنها بأنها قليلة الصلاحيات، بالرغم من كثرة المترشحين إليها، وإعراض المواطنين عن التصويت فيها، أو عدم اقتناعهم بالتصويت على وجه الدقة:نادي المدينة الكوميدي
مع بداية العام الجاري، انطلق نادي المدينة الكوميدي، في المدينة المنورة، وهو نادي كوميديا آخر يستنسخ التجربة نفسها. يقدّم عرضاً في كل شهر. وقد جرت بينه وبين الكوميدي كلوب عدة أوجه للتعاون، من خلال مشاركة التجارب والكوميديين. استخدام الستاند آب كوميدي في الحملات الدعائية والترويجية، كفعاليات منقطعة وغير مستمرة لم يزل جارياً حتى الآن. والشركات جذبت عدداً من مشاهير الستاند آب كوميدي العالميين، مثل راسل بيترز في الرياض عام 2016، أو الإخوة واينز في جدة 2014. لكن دوماً ضمن فعاليات مرتفة الأسعار، أو ما يُطلق عليها Luxury Events. غالبية العروض الكوميدية على الساحة، تتناول المواضيع الثلاثة الأكثر تداولاً في الكوميديا العالمية، هي: الدين، السياسة، الجنس. وقد يكون هذا للبعض سبباً في تدني مستوى الستاند آب كوميدي على الأراضي السعودية، خصوصاً الناطق باللغة العربية. لكن خالد عمر يقول إن الكوميديا يجب أن تكون مرتبطة عاطفياً بالمستمع، والحياة العامة لا تزال منجماً زاخراً بالنكات المرتبطة بالتفاصيل اليومية. ويضيف أن النكات الجنسية والدينية والسياسية، تعد بمثابة إفلاس كوميدي، مستشهداً بأن الستاند آب كوميدي في بداياته كان يستمد مواضيعه من الحياة اليومية، مع العلم أن عروض الكوميديين المشهورين وقتها، أمثال ستيڤ مارتن أو روبن ويليامز، لم تعتمد مثل هذه النكات. لا تزال ساحة الستاند آب كوميدي خصبة للمزيد من الأندية الكوميدية في السعودية. كما أن التجربة مهما كان تقييمها، فهي تجربة جديدة ستثبت جدارتها بمرور الوقت، ومع ظهور المزيد من المنافسين. ظهور أندية كوميدية جديدة في مناطق مختلفة في السعودية، كفيل بأن يُنضج الفكرة، ويُقدم لنا كوميديا دائمة وأكثر احترافية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...