نشأت دور السينما في المدن الكبرى في السعودية قبل نصف قرن. طبعاً كانت تجارية، ولكن ليست بتلك الحداثة التي كانت في المدن العربية الأخرى، مثل القاهرة وبيروت، بل كانت عبارة عن مبادرات شخصية من رجال أعمال.
في الستينيات والسبعينيات، لم يكن هناك سوى بعض الأفلام التسجيلية، التي كانت تنتجها شركات النفط في المنطقة الشرقية للتوثيق. بالإضافة إلى بعض الأفلام القصيرة، التي يغلب عليها الطابع التسجيلي، مثل أفلام المخرج السعودي عبدالله المحيسن.
كيف اختفت الثقافة السينمائية من السعودية، ولماذا أعيد فتح النقاش مؤخراً حول إمكانية إعادتها إلى الصالات المحلية؟ إليكم لمحة عن وضع السينما الغائب في السعودية.
التأجيل اللامتناهي
كانت دور السينما السعودية موجودة بشكل أساسي في الأندية الرياضية، وما يعرف بالأحواش السينمائية. وهي غالباً أماكن خاصة تعرض فيها بعض الأفلام المصرية وأفلام الآكشن الآسيوية، ونادراً ما تعرض الأفلام التي تعتبر على مستوى عالمي. منعت السينما في السعودية في نهاية السبعينات، لعدة أسباب أهمها غياب الثقافة السينمائية، إذ تتحمل دور السينما حينذاك عدم عرض أفلام على مستوى عال، ما شكل قاعدة سينمائية جوفاء، فلم يؤمن الجمهور بأهمية السينما والصورة كرافد أساسي للثقافة والتعرف إلى الآخر. اليوم يرى غالبية السعوديين أهمية دور السينما، حتى وإن يعتقد بعضهم أن الضوابط مهمة قبل افتتاحها. كتخصيص مكان للعائلات بحكم المجتمع المحافط، ما دفع البعض إلى تصوير سيناريوهات ظريفة لكيفية التعامل مع الجمهور في حال اعتماد ذلك. لا يمكن تجاهل صعوبة عودة السينما حينها، نتحدث بالطبع عن بداية عقد الثمانينيات، لأمر أساسي، هو صعود خطاب الصحوة، الذي تزامن مع تمرد جهيمان في مكة والثورة الإسلامية في إيران. جميعها تراكمت لتشكل حاجزاً رئيسياً يؤجل عودة دور السينما. والأمر الأساسي الآخر هو غياب البنية التحتية التي تجعل من دور السينما مثالية في السعودية، بسبب غياب المولات التجارية المجهزة لصالات السينما. الأمر الذي جعل فكرة افتتاح السينما تبدو صعبة، خصوصاً مع مرور الزمن. عام 2004 بدأت الرياض مع مدن أخرى، عرض أفلام سعودية في دور سينما لا يغلب عليها الطابع التجاري، واستمر الحراك، وتطور مشكلاً حراكاً ثقافياً سينمائياً عالياً جعل أمر عودة دور السينما غير مستبعد.انقسام الآراء
حالياً، على المستوى الرسمي، دور السينما غير مصرح لها في المملكة، ولكن يتم بين حين وآخر عرض أفلام في سفارات أجنبية، وتنظيم عروض ومهرجانات سينمائية، يتخللها عرض أفلام سعودية، مثل فيلم "كيف الحال" لقناة روتانا، الذي عرض في الرياض قبل 5 سنوات. الجدل حول السينما بدأ بشكل متصاعد في التسعينات، تزامناً مع الانفتاح البسيط الذي شهده المجتمع، مع دخول القنوات الفضائية المنازل. فوجدت شريحة من السعوديين أنه لا فرق بين مشاهدة فيلم على الشاشة الصغيرة عبر قنوات الأفلام، ومشاهدته في السينما. بينما يرى المحافظون أن دور السينما تفتح باباً من أبواب الاختلاط غير الشرعي، الذي يجد القسم المحافظ أن لا مفر منه في حال اعتماد دور سينما تجارية في المدن. ويميل الإعلام السعودي أكثر لدعم فكرة افتتاح دور سينما، إذ تخصص القناة الثقافية الرسمية برامج سينمائية حول السينما العالمية، وتدعم بقوة الحراك السينمائي السعودي كصناعة. كما تخصص صحف سعودية عديدة صفحات أسبوعية للحديث عن السينما. تغطيات القنوات الإخبارية والعربية للفعاليات السينمائية، والحديث الدائم عن آخر مستجداتها، تثبت أيضاً أن القنوات السعودية تميل لإعادة السينما إلى البلاد، بينما المعارضة الأكبر داخل الوسط الإعلامي، هي من الإعلام الثاني، أو القنوات الأهلية الشخصية والمستقلة، التي يغلب على برامجها الطابع المحافط. فتخصص بعض البرامج لإجهاض فكرة افتتاح دور سينما في السعودية، مثل قناة "بداية ودليل". فكرة السينما في السعودية تواجه انقساماً كبيراً بين السينمائيين أنفسهم، فيرى قسم منهم أهمية قيام صناعة سعودية سينمائية أولاً، ثم التحول لإقناع الرأي العام عن أهمية دور السينما وعرض أفلام تجارية. وهناك شريحة لا بأس بها من المجتمع لا تأبه كثيراً بدور السينما، وغالباً يسخرون من ردة فعل المجتمع المتوقعة في حالة افتتاح رسمي لها. أما على الصعيد التعليمي، فتقدم بعض الجامعات السعودية دروساً في مجال السينما والأفلام، إلى جانب إرسال طلاب إلى الخارج لدراسة السينما، كما توجد نشاطات سينمائية ومهرجانات على مستوى عالٍ، تطالب بافتتاح دور سينما تجارية في البلاد، وكل ذلك من دون تحديد هوية معينة للثقافة السينمائية في السعودية.السياحة السينمائية
تحرص شريحة المؤيدين وغير المؤيدين على مشاهدة أحدث الأفلام المترجمة في الصالات السينمائية خارج البلاد، خصوصاً في البحرين وقطر والكويت. وتسافر عائلات سعودية عدة إلى دول خليجية مجاورة من أجل ما يسمى "السياحة السينمائية"، ونسبة الشباب المسافرين إلى البحرين بالتحديد عالية جداً مقارنة بالعوائل. وبإمكان المرأة السعودية أيضاً أن تمارس السياحة السينمائية بكل حرية، إذ بات يمكن لها السفر من دون محرم. انتشار السياحة السينمائية بين السعوديين يبرهن أن البلاد تفتقد لتلك الثقافة المرغوبة من جميع الأجيال، فلم إذاً تخبئ السينما السعودية رأسها في الرمال، كأداءٍ ممتاز في لعب دور النعامة؟هل أنت مع أم ضد؟
السؤال المطروح، هل المجتمع السعودية يريد السينما أو لا؟ في استطلاع مستقل تم عن طريق موقع "Quickvoting" طرح سؤال "هل تؤيد وجود سينما في السعودية؟"، على نسبة من السعوديين، وكانت النتائج 52% نعم، و48% لا. ولكن الاستفتاء حصل عبر طرح سؤال عام، إذ أثبتت دراسات واستطلاعات سابقة، أن المعترضين على هذا السؤال يؤيدون وجود السينما، ولكن بضوابط مختلفة، تراوح بين الرقابة وفصل العوائل عن الشباب، مثل سينما الكويت. في استفتاء آخر طرح على موقع قناة العربية كانت النتيجة، "أن أكثرية المشاركين أيدوا في الاستفتاء، وزاد عددهم عن 8000 شخص، فكرة إعادة فتح دور السينما في السعودية بنسبة 58.44% سواء بموافقة مطلقة (40.92%)، أو بشرط فرض رقابة مشددة على ما تعرضه من أفلام (17.49%)، في حين أعلن 41.59% من زوار الموقع رفضهم للفكرة مطلقاً". علماً أن العديد من السعوديين المبتعثين في دول الخارج يؤيدون السينما، إذ أطلق موقع "mbt3th" المشهور بقاعدته الشعبية لدى الطلبة المبتعثين، استفتاءً حول الموافقة على افتتاح دور سينما في السعودية، فوافق 41.33% من دون شروط، بينما كانت نسبة الموافقين بضوابط وشروط 24%، والرفض التام بنسبة 34.67%، وهي أعلى بقليل من الثلث.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين