منذ بدء الحرب الإعلامية حول الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كان لاستقطاب المسلمين أو نفيهم، المساحة الأكبر في خطب المرشحين، وحملاتهم الانتخابية. لكن كثيراً من المسلمين الأميركيين لا يدركون أنهم موجودون في أميركا قديماً، كغيرهم من المهاجرين من الجنسيات المسيحية أو اليهود.
لن نحكي في هذا المقال قصة الاعتداءات على مسلمين في أميركا، بعد ظهور لدونالد ترامب في وسائل الإعلام. وهي ليست قصة اشتباكات بين مسلمين ومناهضين للإسلام، ولا علاقة للأمر بالإرهاب حتماً.
جامع مدينة Ross ومقبرته، قصة ثقافية جميلة بعيدة عن كل ما يدور في الإعلام، أثناء الحشد الأميركي الكبير، وإثبات حقيقي للوجود المسلم سحابة مئتي عام. وتشهد على المسلمين قبورهم، فإليكم قصة أول جامع في الولايات المتحدة الأميركية.
في تحقيق لصحيفة New york Times عن جامع Ross، ومكانته الخصوصية جداً في قلوب أهل المنطقة، ورمزيته الحضارية، يجول كاتب التحقيق بين القبور. يقرأ أسماء الناس، ويسأل عن عائلاتهم وأصولهم، وقصص حياتهم. وهي مقبرة مبنية على النسق الإسلامي، يرتاح فيها معظم المسلمين المهاجرين إلى أميركا، مؤسسي المزيج، الذي لم يكن موجوداً قبلهم. يطل جامع Ross على المقبرة، حتى يخيل للمراقب أن هذا كل ما كان يحتاجه الأمر، ليكتمل مشهد الجماعة المسلمة الأولى، التي مرت وأقامت وأنجبت أولاداً أميركيين هنا.
جامع Ross
بنى الجامع الأصلي مهاجرون قدموا من سوريا ولبنان، إلا أن قدومهم كان أقدم من التقسيم الحالي. فهم "المسلمون السوريون"، كما يسميهم كاتب التقرير، الذين جاؤوا في نهاية القرن التاسع عشر، وبنوا جامعهم الأول عام 1929. وبعد أن تصدعت أجزاء منه، وتحول إلى خراب، قام أبناء العائلات الأولى التي بنت المسجد، بمساعدة من الجيران والأصدقاء من أهل البلدة، بجمع التبرعات لإعادة إعمار الجامع عام 2005. الجامع اليوم عبارة عن بناء متواضع، مربع، يبعد مئات الياردات عن الطريق السريعة، ويرتفع نحو 15 قدماً من جانبيه، وتكلله مجموعة من القبب والمآذن الألمينيوم. يُذكر أن الكثير من أهل البلدة المجاورة، ومن المجتمع نفسه، لا يرتادون المكان بشكل يومي أو دوري. فالجامع لا يخدم بشكل كامل كجامع عادي، بل أصبح صرحاً يذهب إليه الناس أحياناً، للتعرف إلى تاريخه، أو لزيارة أجدادهم وآبائهم المدفونين هناك. وتخدم في الجامع ليلى ثورلاكسون، ابنة عائلة عمر، إحدى أكبر العائلات المدفونة في المقبرة، وتهتم بشؤونه ونظافته. وقد يجد الزائر مصلياً هنا أو هناك، يتجه إلى الشرق حيث مكة، مؤدياً صلاة فردية. وما يجعل للجامع رهبته وقدسيته، هو الصور الفوتوغرافية المعلقة في البناء المرمم، لمعظم السالفين الذين عبروا أو استقروا في المنطقة، وكانوا يقيمون الصلوات أو يتشاركون في العبادة، مشكّلين مجتمعاً صغيراً يعود لأكثر من 120 سنة.بعض الغموض
في شهر رمضان الماضي، قرر قاص أميركي من أصول مسلمة، يدعى عمان علي، أن يقضي الصلاة بعد الإفطار كل ليلة في جامع أميركي مختلف. وحين حاول مع صديقه الذي كان يشاركه في الرحلة، أن يجدا جامع Ross فلم يتمكنا من ذلك، حتى باستخدام خدمة GPS. تقع بلدة Ross في ولاية نورث داكوتا، وهي بلدة صغيرة، تشتهر بريفيتها. وربما الطبيعة الريفية للناس في البلدة، والمجتمع البسيط، سببان كامنان وراء استقرار السوريين واللبنانيين، فيها. ولفت بضعة مؤرخين إلى أن اضطهاد المسلمين بدأ بعد فترة قصيرة من وصولهم. فجزء من أفراد عائلة عمر القادمة من سهل البقاع في لبنان، نعتوا بالزنوج والسود لكونهم مسلمين. لكن ذلك لا ينفي حقيقة قدم وجودهم، فجامع روس يذكّر الجميع بأن الأجيال المسلمة الأميركية الجديدة، لم تعد مهاجرة، أو حتى أبناء المهاجرين، بل أميركيين حقيقيين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...