في مبادرة لترسيخ فكرة الاستعداد للآخرة وعمل الصالحات، لجأ أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة آل البيت، الدكتور محمد الطوالبة إلى تكفين نفسه أمام طلبته، وترداد آيات من القرآن الكريم تتعلق بالموت.
بحسب رواية الطلبة، طلب الأستاذ منهم إغماض عيونهم، وكفّن نفسه، ساعياً إلى ترك أثر في نفوسهم، من خلال الحديث عن الدار الآخرة والجنة والنار. ورأى في هذا الأسلوب "وسيلة ذات أثر قوي".
لم يتعرض الأستاذ الجامعي لأي مراجعة أو محاسبة من إدارة الجامعة، في وقت تشهد النشاطات الدينية والدعوية تزايداً ملحوظاً داخل حرم الجامعات الأردنية. ويرى محللون أن ما يحدث في الجامعات اليوم، ليس سوى امتداد لحالة المناهج والبرامج التعليمية في المدارس، التي باتت تميل بشكل أكبر نحو التعليم الديني.
فقبل أيام قليلة من حادثة التكفين، نظمت كلية الشريعة في الجامعة الأردنية محاضرة محورها الحسد والجن، لاقت هجوماً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي لعدم انسجام الموضوع مع ما يفترض أن تقدمه الجامعات من بحث علمي أو حتى دراسات اجتماعية تفيد المجتمع.
علماً أن الحدث السنوي الذي يقيمه نادي الحوار والفكر في جامعة اليرموك، برعاية عماد شؤون الطلبة، يهدف إلى تشجيع الطالبات على ارتداء الحجاب والجلباب. وفي المهرجان الأخير، أقنع النادي 110 فتيات بارتداء الجلباب، و6 بارتداء الحجاب.
كما تضمن المهرجان عدة زوايا، كل زاوية منها مخصصة للطالبات، حملت عنوانين: "لا يستويان" للحديث عن المساواة بين الذكر والأنثى، "وتمشي على استحياء" للحديث عن خلق الحياء عند الفتيات. وخصصت زاوية للحديث عن الاختلاط وأثره، تحت عنوان "هيت لك". بالإضافة إلى عدد من الزوايا، تطرقت إلى اللباس الشرعي وأهميته ودوره.
ليست الإشكالية في أن تعبر مجموعة طلابية أو شبابية عن نفسها، عبر التشجيع على لبس الحجاب أو الالتزام الديني. المشكلة الحقيقية في أن إدارة الجامعات تشجع أطرافاً معينة، ومنها طلبة الاتجاه الإسلامي والسلفي للسير في نشاطاتهم، بينما تحرم الطلبة الآخرين من هذا الحق. وتصل إلى حد تحويلهم للقضاء بناءً على شكاوى غالباً كيدية من قبل زملائهم.
في مارس 2013 تم توقيف 5 طلاب من جامعة آل البيت بتهمة "عبادة الشيطان"، بعد شكوى تقدم بها طلبة التيار الإسلامي، حولت قضية الطلبة إلى محكمة أمن الدولة بتهمة "إثارة النعرات المذهبية". بعد التحقيق، تبين أن الطلبة غير مذنبين، وليس لهم أي علاقة بالتهم الموجه لهم.
قبل التوقيف، تعرض الطلبة ومن بينهم فتاة لضرب ومحاولة قتل من زملائهم، وأوقفوا لاحقاً 5 أيام. والأسوا أنهم حتى بعد تبرئتهم تعرضوا للوصم داخل جامعتهم وفي محيطهم. بينما كان ذنب الطلبة الخمسة الوحيد، حبهم لموسيقى الروك والميتال Metal، وتفضيلهم ارتداء اللون الأسود.
لماذا تغازل الجامعات الإسلاميين والسلفيين؟
في وقت يروّج الأردن لفكر الاعتدال والتسامح وتقبّل الآخر، كما في "رسالة عمان"، تعزز إدارات الجامعات الاتجاهات الدينية المتشددة، والتسويق لها في بعض الأحيان. ويبدو المؤشر الأكثر خطورة هنا، ما كشف عنه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية للجامعة الأردنية، عن مسح لنحو 37 ألف طالب في الجامعة، قال 2230 منهم إن "التنظيمات المتطرفة تمثلهم". وفي تفسيره لهذه المسألة، يقول منسق الحملة الوطنية لحقوق الطلبة "ذبحتونا" الدكتور فاخر دعاس: "حادثة التكفين وقبلها مسابقة الجلباب وغيرهما من النشاطات الدعوية، إن صح التعبير، تأتي ضمن سياق طبيعي وانعكاس لواقع مجتمع". ويضيف: "الجامعات هي انعكاس للمجتمع، ولكن بشكل أكثر وضوحاً وجرأة. نتيجة لطبيعة القطاع الطلابي ووجود آلاف الأشخاص في مساحة محدودة، وهي ميزة لا يحظى بها أي قطاع من القطاعات الأخرى". وفقاً للدعاس، تكمن الإشكالية في أنه في ظل تمادي الفكر المتطرف، مثل داعش والقاعدة والنصرة، تتبع الحكومات العربية وحتى الغربية عادة أسلوباً غريباً. فهي تحارب أصحاب هذا الفكر على الأرض، بينما تقوم بتعزيز الفكر نفسه في المجتمع. يشير الدعاس في هذا السياق إلى الوضع في مصر، ويقول: "قام النظام بحبس إسلام البحيري نتيجة محاولته التجديد في الفكر الإسلامي، ومواجهته لمنظومة فكر المتطرفين. ما كنا قد شهدناه في فترة الثمانينيات من القرن الماضي مع موجة المد المتطرف الثانية، حين كان النظام المصري يحارب الجماعات التكفيرية، ويحاكم في الوقت نفسه، نصر حامد أبو زيد، الساعي إلى التجديد في الفكر الإسلامي". أما عن الحالة الأردنية، فيوضح: "في الأردن نرى منع فرقة أغانٍ ومحاولات قتل فتاة لأنها تستمع لأغانٍ غربية، ومناهج تكرس الفكر المتطرف، وتنظر إلى الشريك في الوطن على أنه "الآخر"، ثم نتحدث عن مواجهة الجماعات المتطرفة". يرى دعاس أن الطلبة هم ضحايا منظومة إعلامية عملت على تكريس خطاب الكراهية والحقد، بدأت مع "الربيع العربي"، وما تزال تمارس هذا الدور. الأسوأ هو أن تراكم عشرات السنوات من سيطرة الخطاب الديني التكفيري، كرّست منظومة تعليمية من الصعب اختراقها، امتدت إلى جميع المجالات، وتغلغلت بشكل أساسي في قطاع التعليم العام، ووصلت إلى الأكاديميين في الجامعات وهنا مكمن الخطر.غياب القدوة
يتفق التربوي حسني عايش مع الدعاس في الرأي، لافتاً إلى أن المؤسسات التربوية تعزّز الفكر الإقصائي ورفض الآخرين. لكنه يشير إلى جانب آخر، هو غياب القدوة في مؤسسات التعليم المدرسي والتعليم العالي. ويقول: "التلاميذ والطلبة متروكون لآخرين، غالبيتهم إرهابيون، يشكلونهم ويصوغونهم على شاكلتهم، والدولة غائبة". ويضيف: "الحرم الجامعي ميت، خالٍ من التفاعل الاجتماعي والثقافي والسياسي، يترك الطلبة في فراغ كبير. أمام هذا الفراغ الخيارات محدودة، إما العنف الجامعي، وهو مشكلة منتشرة في الجامعات، أو الانحراف أو الاندماج في البرامج التي توفرها التيارات الدينية بين الطلبة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.