هيفاء بسيسو فتاة عشرينية لا تطل إلا مبتسمة وتشع أملاً وحياة. لديها جاذبية "أوتوماتيكية" للكاميرا، بمجرد أن تقوم بإدارتها، يغمرها انشراح داخلي كأن ذلك لها بمثابة الروح.
هي في أجواء العمل فتاةٌ جادة ورصينة تُعنى بأدق التفاصيل، وتقوم بمراجعة "فيديو الحلقة" مرّات كثيرة قبل أن تنشره. وفي أسفارها، يغزوها دافع الاكتشاف وحب الاستطلاع.
"التحليق" كمنهج حياة
بحجابها الملوّن وبملابس ذات موديلات خاصة لا تتقيّد بالدارج في الأسواق، جالت بسيسو، 25 عاماً، حول دول يزيد عددها عن أعوام عمرها. على قناتها على يوتيوب: "حلّق مع هيفاء" Fly with Haifa، نشرت وتنشر عشرات الفيديوهات عن مغامراتها في عواصم ومُدن العالم التي تزورها. وقالت لرصيف22: "أعيش تجربة تتمثل في خلق الإنسان لنفسه شيئاً من لا شيء. وقد اخترت اسم "حلّق مع هيفاء" لقناتي عبر يوتيوب انطلاقاً من مبدأ التحليق مع كل شيء نقوم به في الحياة، كالتحليق مع العائلة، مع المطبخ، مع الأهداف، ومن مبدأ أن يرفع الإنسان أي شيء من مستواه المتوسط إلى مستوى عالٍ". وبرغم زياراتها لأكثر من 25 دولة، فإن السفر لم يكن يوماً هو ما تحلُم به أو تفكر فيه. كانت رغبتها الحقيقة "تقديم البرامج التلفزيونية" فقط، وعملت مع قنوات عربية في قسم الإعداد. لكنّ رغبتها في تقديم البرامج كانت تُقمع كونها محجبة. هي غزّاوية وفلسطينية وعربية وعالمية. وقالت: "أرى في ولادتي عربية سبباً كي أنشر ثقافة هذا المجتمع. ومع ذلك فأنا لا أنتمي إلى أيّة دولة بعينها. فأنا فلسطينية الأصل ولكنّي لم أرَ وجه مدينتي الأم يوماً ولم أزر فلسطين إلا مرة واحدة. وُلدت في مدينة الثقافات والتنوع دبي، ودرست الإعلام في جامعة أميركية تضمّ طلاباً من جنسيات مختلفة، ما أثرى تعاملي مع الآخرين وزرع فيّ مبدأ التساوي مع كل أطياف العالم. أجد أنني أنتمي إلى الكوكب كله".على مسرح الإعلام
"الإعلام هو المسرح والميكروفون والمنصة التي أعبر من خلالها عن أفكاري في الحياة، لذلك اخترت دراسته"، قالت. في واحدة من المرّات، كانت مُسافرة مع طاقم عمل برنامج تلفزيوني كمساعدة مُعدّ، وكان تصوير البرنامج يتطلّب السفر إلى نحو تسع دول. حينذاك، شعرت برغبة في سؤال الناس حولها عن حلمهم وتصوير آرائهم بكاميرتها الخاصة. وبالفعل قامت بتصوير مقاطع فيديو عدّة وعملت على إعدادها ومنتجتها ونشرتها حلقات على يوتيوب، وكانت إحداها في اليابان وأخرى في الصين وثالثة في لندن. ثم مرّ عام دون أن تنشر سوى خمسة فيديوهات أنتجتها بمجهودها الشخصي وكانت شرارة الانطلاق. في لندن صوّرت حلقة طرحت فيها على الناس سؤالاً بسيطاً: "ما الفكرة التي تدور برأسك عندما ترى حجابي؟". على تلك التجربة علّقت: "أحبّ هذه الحلقة جداً خاصة أنني سمعت إجابات جميلة لم أكن أتوقعها. كانت معظم الإجابات إيجابية ومُفاجِئة، فهنالك مَن شبّه المحجبات بهدية مغلفة بغلاف جميل وزاهٍ، وهناك مَن اعتبره مكملاً لجمال المرأة، فيما أشارت سيّدة إلى تأثير لون الحجاب على مَن يراه وقالت إنها تشعر بالحزن عندما ترى نساء يرتدين الحجاب الأسود الذي يغطيهن".التفرّغ لبرنامجها الخاص
بعد مرحلة من العمل المزدوج، إذ كانت تعمل مساعدة معدّ في قناة تلفزيونية إلى جانب برنامجها الخاص على يوتيوب، تلقّت عرضاً من شبكة UTURNent الإعلامية التي تقدّم برامج على يوتيوب ووقّعت معها عقداً فاستقالت من عملها السابق وانطلقت مع قناة "حلّق مع هيفاء". تهتم بسيسو بالتواصل مع الثقافات المختلفة أكثر مما تهتم بالسفر نفسه، وتحبّ التواصل مع الناس كمسلمة وتقول: "كوني مسلمة لا يشكل هذا لديّ أيّة مشكلة في التواصل مع الآخرين، فأنا دائمة الابتسام، والمرء عندما يبتسم ويحب الشخص الذي يُقابله فإن ثمة نوراً يخرج من عينيه يُشعر الآخر بالإيجابية ويزرع القبول". وتابعت: "عندما أسافر إلى آسيا وأفريقيا، تُسهّل بساطة الناس التصوير عليّ، أما في دول أوروبا أو "الدول المتطورة" فإن الأمر يكون صعباً نوعاً ما. فعندما أحمل كاميرتي وأمشي، أشعر كأنني أحمل مايكروسكوب وأكتشف من خلاله انطباعات الناس عنّي. إن الأمر ممتع جداً، لكن هنالك خطاً مستقيماً بين المصوّر والكاميرا والمشاهد، فلا يمكن أن أقوم بالتصوير مع شخص ليس لديه الرغبة، لأن ذلك سيحدّ من تعبيره بعاطفة صادقة وربما يطغى عليه الخجل، وسيلاحظ المُشاهد التصنّع".الشعب المبتسم
تتمنى هيفاء العودة إلى بعض الدول التي قامت بزيارتها، فقد أكسبها السفر رؤى جديدة، وتقول: "أتمنى أن أسافر إلى زنجبار ونبيال ولندن مرات أخرى. أحببت سكان زنجبار واكتشفت بعد رحيلي عنهم أنني أحب الأفارقة جداً لأن لديهم بساطة وحباًً عالياً للموسيقى، بل إن حب الحياة متوارث في جيناتهم". وأضافت: "تمنّيت لو أنني أعيش في نيبال. فما قرأته عن النيباليين حول أنهم شعب مبتسم، رأيته هنالك واقعاً في تفاعلهم معي ومع الحياة من حولهم وفي جُل طقوس يومهم. في بلادهم مُتع مثيرة والاخضرار على مدى النظر مع نقاء الحياة وبساطة العيش". عاشت بسيسو خلال سفراتها المتعددة الكثير من المغامرات الشيقة. من القفز عن جبل في اليابان، إلى الغطس في مياه زنجبار، إلى تجربة عيشها في قرية في تنزانيا سجّلت عنها حلقتين عنونتهما بـ"من دبي إلى القرية". ترى هيفاء أن العرب يعملون على قتل الإبداع والتغيير بينما في الغرب يشجعون "حب الاختلاف" ويرحبون جداً بالشخص الذي يكون على طبيعته ويُكوّن شخصيته المستقلة. لا تجد في "إسلامها" ما يعوق سفرها حول العالم وتقول: "إسلامي هو الذي منحني القيمة في السفر. فأنا لا أسافر للمتعة بل للتواصل، ومجرّد سَيْري أمام الناس سيراً محموداً، فهذا يعكس صورة جميلة عن الإسلام". ولا تُخفي هيفاء ما شاهدته من تصرفات مُشينة للعرب في ماليزيا، وبرأيها إن هذا يؤثر سلباً على نظرة العالم إلى العرب أكثر مما تؤثر النظرة السلبية التي تبثها بعض وسائل الإعلام عنهم. يُعمّق السفر من نظرة هيفاء للحياة وتقول: "أرغب في أن يكون لشريك حياتي نظرة في السفر على أنه أسلوب حياة وليس هواية، وأؤمن جداً أن هنالك شريك حياة مجنون مثلي وسيحب طريقة الحياة هذه وأتساءل: ما المشكلة لو تجولنا حول العالم بـ"كرفان" مثلاً؟".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...