لم يردع الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ تسع سنوات، والأسلاك الشائكة، وثلاث حروب مدمرة على القطاع الساحلي، المواطن فتحي جمعة من تحقيق حلمه، الذي راوده منذ سنوات بإنشاء حديقة للحيوانات في قلب قطاع غزة حتى تتنزّه النساء برفقة أطفالهن داخل الحديقة، رغبة في مشاهدة بعض الحيوانات المفترسة التي لم يشاهدوها من قبل إلا على التلفاز.
جمعة، البالغ من العمر 54 عاماً، يعشق الطيور والحيوانات منذ طفولته، ونجح في تحويل منزله جنوب قطاع غزة في "محافظة رفح، حي البرازيل" إلى حديقة حيوانات، هي الأولى من نوعها في القطاع.
حوّل عشقه لتربية الحيوانات إلى مصدر رزق له ولعائلته منذ 17عاماً، وتمكن من جلب بعض الطيور النادرة والحيوانات الأليفة والمفترسة، إلى جانب بعض الزواحف عن طريق معبري رفح على الحدود مع مصر وبيت حانون "ايرز" على الحدود مع إسرائيل،على الرغم من كل الصعاب والقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على معابر قطاع غزة.
مطلع عام 2002 بدأت الفكرة بالتطبيق على أرض الواقع داخل ساحة منزله، بشرائه حيوانات مختلفة. يقول جمعة "تركت عملي في تجارة العصافير وبدأت بالاهتمام بشراء جميع الحيوانات على حسابي الشخصي من مصر، وأدخلتها إلى غزة عبر الأنفاق. وتشمل حديقتي العديد من الحيوانات الأليفة والمفترسة".
في الحديقة أقفاص حديدية للحيوانات المفترسة وأقفاص خارجية لتبعد الحيوانات عن الاحتكاك بالزوار وملامستهم، وفي المكان كراسي وأشجار ظل للزائرين.
وعن طبيعة الحيوانات الموجودة داخل المنزل، يضيف جمعة: "في حديقتنا أنواع كثيرة منها أفاعٍ وحمائم وغزال وطاووس، وجميع أنواع القرود وضباع وأسود، ونيص ونعام وببغاء ملوكي، منها ما يتكاثر ويتزاوج داخل المزرعة".
لم يشأ فتحي أن تكون حديقة الحيوانات مصدر رزقه فحسب، بل أراد إنشاء فسحة جديدة لجذب المواطنين لتخفيف المعاناة والضغط النفسي الذي يعيشه سكان القطاع، خصوصاً الأطفال. ولم يكتفِ بذلك، بل وضع بعض الألعاب للأطفال الزائرين للحديقة ليضيف عنصر جذب آخر للمواطنين علّه يلقى إقبالاً منهم، خصوصاً في المناسبات ومواسم الأعياد.
ويفتخر جمعة بهذه الهواية التي جعلته محط اهتمام السكان من حوله. وعلى الرغم من الظروف السيئة التي تعصف بالقطاع، مازال محافظاً على الحديقة. يقول: "تذاكر الدخول إلى الحديقة لا تغطي مصاريفها بل أصرف من مالي لتغطية العجز قدر المستطاع، لأن هدفي الأساسي من هذا المشروع هو الترفيه عن الأطفال وعن سكان المنطقة".
ويشير جمعة، الذي لا تفارق الابتسامة وجهه على الرغم من أنه يسكن في المنطقة التي نالها النصيب الأكبرمن قصف عشوائي شنته طائرات الاحتلال الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، إلى أنّ الحصار الاسرائيلي وإغلاق المعابر جعل من مشروعه مجرد حلم يصعب تحقيقه. فقد أودت الحروب بحياة العديد من الحيوانات، وكانت ستؤدي بحياة ابنه جهاد. فهو كان يدخل الى الحديقة بالخفاء أثناء الحرب ليطعم الحيوانات، ما أدى لإصابته في قدمه إثر تعرضه للقصف من طائرات الاحتلال الإسرائيلي".
ويضيف جمعة: "لا أستطيع في الوقت الحالي أن أوفّر لهذه الحيوانات ما تحتاج من أكل وعلاج وعناية طبية، نظراً لعدم توفر دعم مالي لحديقتي"، لافتاً إلى أنّه حاول عشرات المرات التواصل مع مؤسسات لتوفير الدعم الذي يحتاجه لتنمية الحديقة ولكن لم يستجب له أحد.
ويقول ابنه الأكبر جهاد (24عاماً): "تركت الدراسة عندما كنت في الثانوية العامة، ولم أكمل دراستي الجامعية لأبقى بجوار الحيوانات وأقدم لها الرعاية اللازمة". مضيفاً: "الحديقة بالنسبة إلي سجن كبير. أرى حريتي وأعيشها عندما أجلس فيها وأرى الحيوانات في صحة جيدة".
ويتابع:"لا يوجد أفق لطموحي، فهو يتعدى كل الحدود، لكن ما يعاني منه قطاع غزة وما يمر به الشاب الفلسطيني من ظروف يجعله بلا عمل".
ويشير جمعة إلى أن تربية الحيوانات الأليفة شقت طريقها بين المواطنين، ويهتم العشرات منهم بشراء العصافيرالمغردة والقطط ذات الشعرالكثيف والسلاحف. وعلى الرغم من أسعارها المرتفعة في بداية الأمر، إلا أنها انخفضت تدريجياً بعد تكاثرها وتواجدها بوفرة.
يشار إلى أنّ حدائق الحيوانات في غزة عانت من "جفاف" كامل، نظراً لقلة الحيوانات الغريبة على السكان التي تتواجد في القطاع، إلا أن الأنفاق زادت من ولع الغزيين بتربية واقتناء هذه الطيور والحيوانات وشرائها، وتربيتها في المنازل نتيجة سهولة إدخالها للقطاع. ويعتبر حي البرازيل من الأوائل في القطاع الذي عرض حيوانات غريبة وجديدة داخل أسواره في حديقة الحيوانات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...