رغم كل المصاعب والتحديات التي يواجهها قطاع غزة، ما زال الإبداع والابتكار والنجاح تولد من قلب هذا الحصار. آخر هذه النجاحات ولأول مرة في الشرق الأوسط وفي فلسطين تحديداً، حققته مهندسات غزيات تمكن من تحويل كمّ هائل من النفايات المتراكمة في غزة إلى إسمنت. كان الهدف الأول من هذا المشروع التخفيف عن أبناء القطاع، لا سيما أنهم يعانون من أزمة دائمة في ما يخص توريد الإسمنت منإسرائيل.
وقد استطاعت المهندسات هديل أبو عابد (22 عاماً)، عائشة خطاب (22 عاماً)، ودعاء صيام (21 عاماً)، ودعاء الحليمي (21 عاماً)، بعد جهود وأبحاث وتجارب عديدة، تحويل النفايات العضوية إلى إسمنت، ضمن مشروع التخرج الخاص بهن، وهو استغرق أربعة أشهر من العمل المتواصل.
فكرة المشروع
قالت المهندسة هديل أبو عابد إنهن توصلن إلى الفكرة بالإجماع، وتوضح: "كان الدكتور المشرف جهاد حمد أول شخص قدم لنا المساعدة لإنجاح الفكرة. في البداية، تم تجميع عدد كبير من الأبحاث السابقة في هذا المجال عبر الإنترنت والعمل على دراستها بشكل جيد. ثم وجدنا أن هناك فوائد كثيرة يمكن أن نجنيها من هذا المشروع، وقررنا العمل على تنفيذ الفكرة". وأضافت: "نحن لجأنا لهذه الفكرة لسببين رئيسين. أولاً، تصدر النفايات العضوية الموجودة على طول الشريط الحدودي في مكبات النفايات الروائح الكريهة وتسبب الأمراض الخطيرة، وتحتاج إلى وقت طويل للتحلّل. وما ينتج عن عملية التحلل يتسبب في تلوث المياه الجوفية، فتتسرب هذه المواد العضوية عن طريق التربة إلى المياه". وتقول: "بهذا المشروع، نكون قد قضينا على مشكلة تسببت بأضرار جسيمة للبيئة على مدار سنوات عديدة". أما السبب الثاني، فيكمن، بحسب أبو عابد، في أن "الناتج من حرق هذه المواد العضوية يسمح لنا بحلّ مشكلة بيئية خطيرة، ومشكلة اقتصادية أيضاً، لاسيما أن القطاع يعاني من حصار إسرائيلي ما زال متواصلاً، وإسرائيل تمنع حالياً دخول الإسمنت إلا لفئات معينة مثل المؤسسات الدولية التي تنفذ بعض المشاريع في القطاع".تنفيذ المشروع
لفتت أبو عابد إلى أن التنفيذ بدأ من خلال جمع المعلومات حول آلية الحرق المناسبة لهذه المواد من دون أي أضرار. فتم البحث عن فرن حراري كبير تصل فيه درجة الحرارة إلى 1000 درجة مئوية. وتشرح: "لكن للأسف لم نجد هنا في غزة هذا الفرن. لم نجد سوى فرن صغير بحجم شاشة التلفاز وبالتالي لا يستوعب أكثر من 2-3 كيلوغرام من هذه النفايات العضوية". وجدت المهندسات صعوبة كبيرة في العمل على فصل النفايات، ولكنهن تواصلن مع بعض الأشخاص الذين قدموا لهن المساعدة لفرز هذه المواد. بعد عملية الفصل، تقول أبو عباد: "ننشر هذه المواد على الأرض لتتعرض لأشعة الشمس. وبعد أن تجفّ بشكل كامل، نقوم بجمعها مجدداً". وتوضح: "بعد الحصول على المواد العضوية جافة، نعمل على إدخالها إلى فرن تحت درجات حرارة متفاوتة. تتطلب عملية الاحتراق يومين لتتحوّل المواد إلى رماد، يخضع إلى تجارب علمية عدة، سواء كان لها علاقة بالهندسة البيئية أو المدنية". سمح الفحص الدقيق لهذا الرماد للمهندسات بأن يكتشفن أنّه يصلح في أن يكون بديلاً للرمل في الخرسانة. تقول أبو عابد: "استبدلنا ما نسبته 70% من الرمل الموجود في الخرسانة، بالرماد الناتج من حرق المواد العضوية، وأنتجنا مكعبات إسمنتية صغيرة وأخضعناها للفحص. وفقاً للمعايير والمواصفات الدولية، أثبتت هذه المكعبات نجاحها". يشار إلى أن كل 100 طن من النفايات العضوية الجافة بعد إجراء عملية الحرق تنتج طناً من الإسمنت.توجه جديد نحو الإسمنت وصعوبات كثيرة
لم تكن مهمة فريق المهندسات الأربع سهلة جداً، لا سيما أن التجارب تطلّبت الكثير من الوقت، والمشرف على المشروع رفض بدايةً الفكرة، قبل أن يعود عن قراره. يرى الفريق أنّ الإسمنت المكون من الرماد يصلح لأعمال التشطيب الداخلي للمساكن والمنشآت، من خلال توفير ثلث الكمية التي يحتاجها المشروع من الإسمنت، أي لو وجد 10 أكياس من الإسمنت، يمكن الاستغناء عن 4 منها، واستبدالها بالمادة التي نتجت عن حرق النفايات العضوية. وأكدت المهندسة عائشة خطاب أنه "من أبرز العقبات التي واجهتنا خلال العمل كان عدم وجود فرن حراري يتسع لكميات كبيرة من النفايات في غزة، إضافة إلى صعوبة عملية الفحص واختبار العينات، لأنه لا يوجد إلا جهاز واحد في مختبرات الجامعة الإسلامية، ليستخدمه جميع الطلاب. وبالتالي، نحتاج إلى وقت طويل لفحص العينات حتى يصل دورنا. لكننا تغلّبنا على هذه المشكلة لوجود جهاز آخر في مختبرات نقابة المهندسين. ووجدنا صعوبات كبيرة لدى فصل النفايات، لأنه عادة ما يتمّ رميها في المكبات من دون أي معالجة". لا يزال مشروع المهندسات الفلسطينيات يتطلب العديد من التجارب الكيميائية، بحسب أبو خطاب، للتأكد من أمن وسلامة الإسمنت المنتج، خصوصاً في أعمال التسليح والخرسانة. إلا أن المشكلة الأكبر قد تكون الاهتمام الضئيل بهذا المشروع وغياب التمويل. تقول أبو خطاب: "خرجنا في لقاءات إذاعية وتلفزيونية عدة، وعرضنا المشروع بكل تفاصيله، لكن لم نشعر بأن هناك أي اهتمام بالمشروع. ما ينقصنا هو التمويل لإجراء المزيد من التجارب لنصل إلى نتيجة محددة فحواها أن هذا الإسمنت يصلح لأعمال التسليح". وتضيف أبو عابد أن العديد من الدول الأوروبية يجري عملية فصل النفايات وإعادة تدويرها لاستخدامها في مجالات تخدم البيئة وتوفير الطاقة، ولم يتم استخدامها في صناعة الإسمنت. لم تطلب المهندسات إلا بعض الاهتمام والمتابعة من الجهات المعنية، لتعزيز قدرتهن وقدرات أبناء جيلهن على الابتكار والإبداع، و"التمتع بحقوقنا المتوفرة في غالبية دول العالم، إلا أننا، للأسف، نعيش في بلد يحطّم قدرات الإنسان الناجح ويعمل على إحباطه"، تختم أبو عابد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين