كل العالم متحد ضد تنظيم داعش وإجرامه. صحيح. لكن العالم كله يبدو مشغولاً بنزاعات أخرى تتعلق بتقاسم النفوذ بعد مرحلة الفوضى الراهنة. في المقابل، يثبت داعش أقدامه في المناطق التي يسيطر عليها، حتى لتبدو أكثر مناطق سوريا والعراق استقراراً اليوم.
أميركا: تدخّل بلا حماسة
الولايات المتحدة الأميركية هي أقل المتدخلين حماسة في شؤون الشرق الأوسط. تعترض على التدخل الإيراني في شؤون حلفائها الداخلية وتهديد مصالحهم الحيوية، لكنها لا تتجاوز الاعتراض اللفظي إلى الفعل. تعارض بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، لكن معارضيه يتهمونها بأنها لم تفعل شيئاً لإزاحته. تؤكد التزامها بأمن إسرائيل وتفوقها العسكري، لكن شقة الخلاف بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو تتسع كل يوم.
مع ذلك تساهم الولايات المتحدة مساهمة جدية في محاربة داعش ودعم أعدائه، برغم أن بعض أعداء هذا التنظيم يوالي مَن تعتبرهم خصومها ومهددي مصالحها في المنطقة.
ولكن في المحصلة، لم تسفر حرب أميركا ضد التنظيم عن هزائم جدية له. وبعكس ما تشيع الإدارة الاميركية بين حين وآخر، توسع داعش في سوريا والعراق بعد إعلان الحرب الأميركية عليه. فاحتل مدينتي الرمادي في العراق وتدمر في سوريا. في حين أن معاركه مع القوات المشتركة العراقية في صلاح الدين ما زالت على حالها من الكر والفر منذ سقوط الموصل.
وأخيراً، استطاعت قوات البيشمركة الكردية تحرير مدينة سنجار الإيزيدية من قبضة داعش. إنما مع ذلك ثار حول معركة تحريرها غبار كثير. والبعض يدّعي أن سنجار سُلّمت للبيشمركة تسليماً من دون إهراق الكثير من الدماء من الجانبين.
في النتيجة، لا يبدو أن الحرب الوحيدة الفعلية التي تخوضها الولايات المتحدة ضد داعش تؤتي ثمارها. والتنظيم ما زال يسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، وفي مناطقه، يخضع السكان لقوانينه على نحو يبدو معه كما لو أنه سيستقر في الحكم لألف عام، خاصةً إذا ما قارنّا ما يجري في مناطق سيطرته بما يجري في المناطق الأخرى.
روسيا: قصف أعداء داعش
بعد نحو سنة ونصف السنة على سيطرة داعش على الموصل، وإعلان الحرب الأميركية الدولية عليه، انبرت روسيا بقيادة رئيسها فلاديمير بوتين لمحاربة داعش. وادعت أن طائراتها بدأت بقصف داعش على نحو مركز، غامزةً من قناة واشنطن التي لطالما اتهمتها طهران ودمشق بتمويل داعش وتسليحه.
لكن الحملة الروسية في سوريا لم تلبث أن تكشّفت عن تفضيل روسيا قصف قوات المعارضة السورية التي تناصب داعش العداء، على قصف داعش نفسه. فالدول الغربية تتهم روسيا بتعمد قصف المعارضة المعتدلة، وتركيا تتهمها بقصف الميليشيات التركمانية وتهجير السكان التركمان من بيوتهم وقراهم.
نتيجة الحملة الروسية حتى الآن، وخصوصاً بعد تصاعد حدة التوتر بين موسكو وأنقرة، هي أن داعش بات في حكم المعفى من التعرض للضربات الجوية "المركّزة"، لأن تركيز الحملة الروسية اليوم بات أكثر فأكثر موجهاً نحو هزيمة المعارضات التي تموّلها الدول الفاعلة في الشأن السوري، بدءاً من الولايات المتحدة وصولاً إلى تركيا والمملكة العربية السعودية ودول أخرى كالأردن وقطر.
فرنسا: همّ اللاجئين أولى بالاهتمام
فرنسا التي رُوّعت بالهجمات الإرهابية التي دبرها داعش في قلب باريس، كثفت قصفها لمواقع التنظيم في الفترة الأخيرة. لكن التحالف الدولي الذي تطمح إلى إنشائه ضد داعش اصطدم ببرودة أميركية واضحة، فضلاً عن قلة حماسة ألمانية ومصاعب قانونية بريطانية تحول دون تشكيل تحالف فاعل.
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يبدو اليوم كما لو أنه ينفّذ استدارة كاملة. يريد التوصل مع تركيا إلى حل لأزمة اللاجئين السوريين، انطلاقاً من قناعة مفادها أن حل ملف اللاجئين يبعد داعش عن فرنسا ويجعلها في مأمن من شره.
حتى اللحظة، وبرغم الرغبة الحارة في هزيمة داعش، تبدو نتيجة الحملة الفرنسية مرهونة بالتفاهم مع الفاعلين على الساحة السورية، من أنقرة إلى الرياض وطهران، وصولاً إلى موسكو وواشنطن. النتيجة: تضارب مصالح وتقاطع أجندات يحيد داعش عن المواجهة ويركز الجهود على مقاتلة من يمكن اعتبارهم أعداءه على الأرض.
تركيا: الأكراد الخصم الأول
الأجندة التركية أيضاً لا تضع محاربة داعش في رأس أولوياتها. الهم التركي الأول هو منع نشوء كيان كردي شبه مستقل على حدودها مع سوريا، وهو الأمر الذي تستشعر أنقرة خطره بسبب الصعوبات التي واجهتها تاريخياً في حل المسألة الكردية داخلها. والحال، تركيا تحارب خصم داعش الأول، وتحارب حلفاء النظام السوري ثانياً. هكذا، تساهم الأجندة التركية في بقاء مناطق نفوذ داعش مستقرة وشره مستطيراً.
السعودية: التركيز بعيداً عن داعش
السعودية من جهتها تدعم قوى في المعارضة السورية خاضت حروباً مع داعش في فترة من الفترات، لكنها في الغالب الأعم تخوض حروباً مع الجيش السوري وحزب الله والميليشيات الشيعية الممولة والمدعومة من إيران. وفي النتيجة، داعش في منأى عن الخطر حتى اللحظة.
إيران: الحرب بالوكالة لا تطال داعش
أما إيران، فتخوض حروباً بالوكالة، عبر الحشد الشعبي، ضد داعش في العراق، لكنها لا تجد جبهات تقاتل فيها التنظيم في سوريا، بحسب ما قاله أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله أخيراً.
وبالحديث عن الحرب ضد داعش في العراق، يلفت الانتباه أن المدن العراقية تسقط في يد المئات من مقاتلي داعش، في حين تنسحب حامياتها المؤلفة من آلاف المقاتلين المجهزين بأحدث الأسلحة. وهؤلاء يتركون عتادهم وذخيرتهم وراءهم ليغنمها داعش بعد سيطرته على المدن.
فمدينة الموصل سقطت في عهد حكومة نوري المالكي. أما الرمادي فسقطت في عهد حكومة حيدر العبادي، برغم توفّر غطاء جوي أميركي يحمي القوات العراقية المشتركة وبرغم الدعم الإيراني المباشر.
خلاصة
يستفيد تنظيم داعش من واقع أن القصف يستثنيه في معظم الأحيان، والهجمات العسكرية تتجه في وجهة غير الوجهة التي تقود إلى المناطق التي يسيطر عليها.
العالم كله متحد ضد داعش، لكن المعركة معه لم تبدأ بعد. إلى ذلك الحين، ثمة أرواح كثيرة لا تحصى ستذهب ضحية تأجيل التوحد في المعركة ضد هذا التنظيم، هذا فضلاً عن المآسي الكبرى التي تخلفها نزاعات الدول المتدخلة في شؤون المنطقة لرسم حدود مناطق النفوذ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...