يتناول الكاتب البحريني "خالد البسام" موضوعاً شائكاً في روايته الأخيرة "ثمن الملح" هو موضوع الرقيق والعبودية في الجزيرة العربية في مطلع القرن العشرين.
ومنذ الصفحات الأولى يحدد الكاتب الإطار الزمني والمكاني الذي ستجري فيه أحداث الرواية، إننا في مدينة المنامة، الواقعة تحت الحكم الإنكليزي، واحتفال كبير يقام في مقر الحاكمية البريطانية، ليلة الاحتفال برأس السنة التي ستدخلنا إلى القرن العشرين، وفيما يحتفل الغرباء بالليلة، ينام سكان البلد الأصليون دون أن يعرفوا حتى سبب الاحتفال، "رغم كل الصخب والموسيقى وتبادل الأنخاب وصيحات السكارى وضحكاتهم المجلجلة كانت مدينة المنامة تغط في نوم عميق رغم برودة الشتاء، فقد كانت تنتظر يوم عمل جديداً وشاقاً، ولم تكن تدري حتى أن هناك قرناً جديداً قد بدأ!".
في ذلك الوقت من التاريخ، كانت الحكومة البريطانية تقوم بدور كبير في سبيل وقف تجارة العبيد، وخصوصاً في المناطق التي ازدهرت فيها هذه التجارة منذ القدم، سواء بعقد الاتفاقيات مع أمراء تلك المناطق، أو بملاحقة تجار العبيد والسفن المشحونة بهم والقيام بتحريرهم.
هكذا تمضي الرواية بين ثلاثة محاور أساسية أو ثلاثة أطراف، تتفرع منها الأحداث، الأول هو ما يتعلق ببريطانيا وما تفعله في قضية الرقيق، والثاني هو منزل أحد التجار الكبار الذين يقتنون الخدم، وهو السيد "ابن نصري"، والثالث هو الفتاة الحبشية "حنا" البالغة من العمر أربعة عشر عاماً، والتي يبيعها والدها بسبب الفقر لتصبح عبدة. وسرعان ما تتقاطع هذه المحاور الثلاثة لتشكل الحبكة الأساسية للرواية، إذ يشتري "ابن نصري" الفتاة الصغيرة ويضمها إلى بيته، ويطلق عليها اسماً جديداً هو "عبدة"، لتبدأ مرحلة جديدة مختلفة من حياتها.
وقد خصص الكاتب فصلاً كاملاً صوّر فيه سوق بيع الرقيق، وما يجري فيها من امتهان للإنسانية، "كأن لا أحد يسمع ولا أحد يرى، بل يشعر الجميع أن ذلك العذاب وتلك القسوة جزء طبيعي من حياة البشر التي تختلط أحياناً مع الحيوانات التي لا يعرف عذابها إلا عند الضرب والقتل. وحين يُساق العبيد إلى الخيام كان لدى التجار أشخاص يشبهون الأطباء تكون مهمتهم الفحص المتأني للذين تم شراؤهم للتو واحداً بعد الآخر واكتشاف إية عيوب يستطيعون من خلالها إما التقليل من قيمة ثمنه كعبد أو رفض شرائه خاصة إذا كانت عيوبه كثيرة".
تروي "حنا" حكايتها الملأى بالقهر والدموع، فتحكي عن دخولها إلى بيت السيد لأول مرة، وكيف استقبلها الخدم هناك، وما هي المشاق التي كابدتها، والصعوبات التي تحملتها. وعن اكتشافها لمتعة الرقص، وكيف غيّر من نظرتها لجسدها. وفي خضم ذلك، تعرج على حكايات باقي العبيد الذين يعيشون معها، فتروي قصصهم الحزينة، والأحداث التي قادتهم ليكونوا في هذا البيت، كما تروي حكاية السيد الذي كان تاجراُ فارسياً جاء إلى البحرين واستقر فيها، وتزوج من إحدى القبائل هناك كي يندمج في المجتمع، تاركاً حب حياته في بلاده، غير أن سخرية الأقدار جعلته يرسل ابنه إلى هناك حين تفشى الطاعون في المنامة، ففعل الابن ما لم يجرؤ الأب على فعله، إذ استقر في بلاد فارس وتزوج فتاة أحبها وأنجب ابنه هناك رغم رفض الأب لذلك.
ينقسم السرد إلى قسمين، منه ما يجري على لسان "حنا"، وهو القسم الذي يتعلق بحياتها وحياة العائلة التي تخدمها، وأما القسم الثاني فيكون على لسان الراوي، وهو يتعلق بالمرحلة التاريخية التي تجري على خلفيتها أحداث الرواية، فتتم الإشارة بشكل سريع إلى الأجواء السائدة في تلك الفترة، ويفرد الكاتب مساحات غير قليلة لعرض الجهود التي تقوم بها بريطانيا في مسألة تحرير العبيد، وكيف أن هناك صفقات سرية تتم بين الأمراء والجنرالات الإنكليز لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه، وذلك في تناقض صارخ بين ما تعلنه الحكومة عن محاربة تجارة العبيد، وما تفعله في الخفاء من صفقات تفيد وجودها ومصالحها في المنطقة.
تلتقي "عبدة/ حنا" في أحد الاحتفالات التي ترقص فيها بشاب وسيم ويغرم أحدهما بالآخر، خاصة أنها تتمتع بجمال فريد. هو من يساعدها في التمرد على عبوديتها، وتقديم طلب في الحاكمية البريطانية للحصول على عتقها، لكنها تكتشف في النهاية بعد حصولها على هذه الورقة أن شيئاً لم ولن يتغير، فحبيبها لن يستطيع محاربة تقاليد المجتمع والكفر بعادات القبيلة التي ينتمي إليها والزواج من فتاة سوداء كانت عبدة. هكذا تدرك "حنا" أن سيدتها كانت على حق حين صرخت بها: "أنت يا ثمن الملح.. هل تعرفين أنك لا تساوين حتى ذرة ملح! يا ثمن الملح الرخيص.."، وأنها ستبقى "عبدة" طويلاً حتى لو حملت مئات الأوراق التي تثبت أنها حرة.
خالد البسام كاتب ومؤرخ من البحرين، ولد عام 1956، وتوفي عام 2015. أصدر مجموعة كبيرة من الكتب والدراسات في تاريخ البحرين ومنطقة الخليج، من أهمها: "حكايات من البحرين"، "رجال في جزائر اللؤلؤ"، "شخصيات بحرينية"، "يا زمان الخليج" وغيرها. كما قام بترجمة عدة كتب إلى اللغة العربية. ما يميّز الكتب البحثية والتاريخية التي كتبها أنه يروي تاريخ المنطقة بأسلوب وطريقة كتابة جديدين، معتمداً على إمتاع القارئ. له ثلاث روايات منشورة، هي: "لا يوجد مصور في عنيزة"، "مدرّس ظفار"، و"ثمن الملح".
الناشر: دار جداول/ بيروت
عدد الصفحات: 222
الطبعة الأولى: 2016
يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات أو على موقع متجر الكتب العربي جملون
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع