شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"زناب" الأكراد والبحرينيون في رواية واحدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 29 مايو 201606:43 م

نهارات "زينب" عادية، تجري وفق إيقاع رتيب لا يغيّره شيء. تمضي معظم أوقاتها برفقة الذكريات. قد يحدث ما يعوق انسيابها، لكن كل انقطاع يستدعي صوراً لذكريات جديدة، فتعاود ينابيع الماضي تدفقها.

"زينب" امرأة وديعة، هادئة، صبورة ومحبّة للجميع، تعيش في بيتها القديم مع ابنها "علي"، لكن انشغال ابنها بأموره، والبعد النفسي الذي يخيّم بظلاله على علاقتها مع ابنتها المتزوّجة سيفرضان عليها نوعاً من الوحدة القاتلة، فتصبح الماعز التي تربيها، رغم اعتراضات ابنها على وجودها بينهم، رفيقة وحدتها، وشكلاً من أشكال الخلاص من كآبات عزلتها. "ليس من الإنصاف أن يلحّ علي عليها ببيع ماعزها العزيزة على قلبها، (...) يقول إنها ليست بحاجة إلى الماعز، وما أدراه أنها ليست بحاجة إلى الماعز؟ يقول إنها مخلوقة مزعجة، لكنها تجدها لطيفة. هو يقضي يومه بين العمل والنادي، فكيف يستكثر عليها أن تبقي على ماعزها؟".

زيارات الحفيدة "لمياء" تكسر حدة الصمت في حياة الجدة، خاصة حين تجلسان على سطح الدار لتطعما الحمام، وتبدأ الجدة بسرد الحكايات عن حياتها السابقة، هكذا بين ما يجول في رأسها من خواطر وما تحكيه للحفيدة نلتقط شذرات من أزمان مختلفة لحياتها، وببطء تتضح معالم الشخصية أكثر، وأسباب حزنها.

الجد رجلٌ كردي هرب من بلاده وأتى إلى البحرين لأن أباه أجبره على الزواج بابنة عمه. وفي "المنامة" التقى زينب وأحبها وتزوجها، لكن الحياة فرضت ظلام قسوتها على الفتاة الصغيرة، إذ كلما أنجبت طفلاً مات بعد ولادته بشهور. فقدت جميع أولادها ولم يبق منهم إلا اثنان: علي ووالدة لمياء. "أطفالي يرقدون منذ أزمان وأنا أدب دبيباً" قالت وهي تشعر لأول مرة بطول الزمن الذي يفصلها عنهم (...) نظرت إلى قبور أطفالها، وفكرت أنها قد تكون نسيتهم، وأنها تزورهم بحكم العادة. تساءلت في داخلها منذ متى لم تستحضر صورهم؟ آلمها هذا الخاطر وانتابها حزن عميق".

تعتمد الكاتبة في الرواية على النمنمة والانتقال بين التفاصيل الصغيرة. كل كلمة مكتوبة بعناية، وكلمة وراء كلمة ينبني معمار هذه الرواية التي ترصد أدق تفاصيل حياة المرأة الجدة. اختيار هذا الأسلوب السردي البطيء يناسب حالتي الفقد والحزن اللتين تعيشهما، وهذه نقطة تحسب للكاتبة، إضافة إلى نقطة أخرى تتعلق باختيارها شخصية بطلتها، إذ قلما يصادفنا في الروايات أن تكون الشخصية الأساسية "جدة" في نهاية العمر.

تلقي الرواية الضوء على جوانب من قضية "الكرد"، من خلال زوج "زينب" وسفرها معه بعد فترة من زواجهما إلى موطنه، فتروي كيف قسّمت المعاهدات والاتفاقات أرض الأكراد ووزّعتها بين ست دول، ليجد الكردي نفسه في دولة تغلب عليها هوية أخرى غير هويته، ويصبح أفراد العشيرة الواحدة مقسومين بين دولتين.

تصوّر رباب النجار بشغف واضح الطقوس والعادات الكردية، تصف اللغة التي يتكلمونها ولباسهم التقليدي، والمهن التي يزاولونها، وكيف أنهم يشبهون البدو في سلوكهم، ولا يستطيعون العيش إلا في الجبال. فحين يضطرون للعيش في السهول فإنهم يشعرون بالاختناق كأنهم فقدوا الهواء، "أجسادهم في السهول، وأرواحهم في الجبال، قد يتعثر الكردي في الأرض المنبسطة أو في الوادي، لكنه بين الجبال يمشي بخفة غزال".

تحكي أيضاً عن المرأة الكردية التي تتصف بالقوة، وتتولى تربية الأطفال وتعليمهم، وكيف أنها صاحبة الشأن الأعلى، إذ إن الكلمة الأخيرة تكون لأكبر امرأة في العائلة لا للرجل، حين يحدث خلاف ما.

كذلك تصف أساليب احتفالهم وعشقهم للرقص والغناء. "يعشق الأكراد الرقص والموسيقى والغناء، لم أرهم يرقصون فرادى قط، والغريب أنهم يرقصون في الأفراح والأحزان، ويعالجون بعض الأمراض بالغناء!".

رغم سعادتها في العيش بينهم، وفرحها بالتعرّف إلى عالم جديد وغريب، فإن الغربة التي تشعر بها، ونداء الحنين لأرض وطنها، سوف ينشبان مخالبهما في روحها، خاصة أن ذلك التراب يحتضن أجساد من ماتوا من أطفالها. هكذا تقرر العودة إلى البحرين، رغم اعتراضات زوجها وإصراره على البقاء في أرضه، مما يفرّق بين الاثنين لينتهي مصير الزوج بالموت حزناً وكمداً على فراقها.

وكأن حياتها منذورة للفقد والأسى، وتلك الأيام الجميلة التي عاشتها في طفولتها وصباها، لن تعود أبداً، إلا في صور خاطفة تستعيد بها حنان الأب ودفء صوته، وهو يناديها ويدللها باسم "زناب".

كل ما حولها تغيّر، لا تشتاق إلى من تحبّهم فحسب، بل أيضاً إلى تلك الأيام البعيدة، قبل أن يفقد الزمان عفويته، ويصبح الناس يخافون الذنوب بهذا الشكل المريب. من خلال هذه التداعيات لـ "زينب"، ترصد الكاتبة ملامح التحوّلات التي طرأت على المجتمع في البحرين، فقد ازداد التعصب والتطرف والمغالاة، ورحلت تلك الأيام، حين كانت الإناث يلعبن مع الذكور خارج البيت، وحين لم يكن وضع "الملفع" على الرأس من علامات الإيمان، فقد كانت النسوة لا يحجبن وجوههن عن كل رجل يتعاملن معه بصورة يومية، إذ إنهن لا يعتبرنه غريباً.

هذه رواية تعالج قضايا كبيرة بسردٍ منمنم يحتفي بالتفاصيل الصغيرة.

مراجعة رواية زناب - معلومات عن الرواية

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image